تقديرات أممية: الجوع يهدد 345 مليون شخص بعد حرب أوكرانيا
يمن مونيتور/الشرق:
أصبحت أزمة الغذاء العالمية المستمرة من أكثر العواقب قسوة للحرب الروسية في أوكرانيا، إذ أسهمت في انتشار الجوع والفقر والوفيات المبكرة، حسبما أفادت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، ويقدر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أنَّ أكثر من 345 مليون شخص يعانون أو معرضون لخطر انعدام الأمن الغذائي الحاد، وهو ما يمثل أكثر من ضعف العدد المسجل في عام 2019.
وقالت الصحيفة، في تقرير نشرته، الاثنين، إنَّ الولايات المتحدة وحلفاءها يكافحون لتقليل الضرر الناجم عن هذه الحرب، حيث ينظم المسؤولون الأميركيون جهوداً لمساعدة المزارعين الأوكرانيين على إخراج المواد الغذائية من بلادهم من خلال شبكات السكك الحديدية والطرق التي تربط أوروبا الشرقية وعلى السفن التي تسافر عبر نهر الدانوب.
لكن مع حلول فصل الشتاء القارس، وزيادة حدَّة الهجمات الروسية على البنية التحتية الأوكرانية، فإنَّ الأزمة باتت تزداد سوءاً، حيث يتفاقم نقص الغذاء بسبب الجفاف في القرن الإفريقي والطقس القاسي بشكل غير عادي في أجزاء أخرى من العالم.
وقال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الشهر الماضي خلال قمة مع القادة الأفارقة في واشنطن: “نتعامل الآن مع أزمة انعدام أمن غذائي هائلة”.
ويتسبب نقص الغذاء وارتفاع الأسعار في أزمات حادَّة في جميع أنحاء إفريقيا وآسيا والأميركتين، كما يشعر المسؤولون الأميركيون بالقلق بشكل خاص بشأن أفغانستان واليمن، حيث فاقمت الحرب الأزمة، بحسب “نيويورك تايمز”.
وتجد مصر ولبنان ودول أخرى كبيرة مستوردة للغذاء صعوبة في سداد ديونها فضلاً عن تحمل نفقات أخرى بسبب ارتفاع التكاليف، وحتى في البلدان الغنية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، فقد أدَّى ارتفاع معدَّل التضخم، المدفوع جزئياً باضطرابات الحرب، إلى ترك الفقراء دون كميات كافية من الطعام.
وتقول سامانثا باور، وهي مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID، إنه “من خلال مهاجمة أوكرانيا، التي تمثل سلة خبز العالم، فإنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يهاجم فقراء العالم، ويزيد الجوع العالمي في وقت كان الناس فيه على شفا المجاعة بالفعل”، على حد تعبيرها.
ويشبه الأوكرانيون هذه الأوضاع بـ” مجاعة هولودومور” في أوكرانيا التي تسبَّب فيها زعيمُ الاتحاد السوفييتي السابق جوزيف ستالين عندما كانت البلاد خاضعة للحكم السوفيتي قبل 90 عاماً والتي أودت بحياة الملايين، ولكن التعطيل المتعمد من قبل روسيا لإمدادات الغذاء العالمية يطرح مشكلة مختلفة تماماً، حسب الصحيفة.
تقييد الصادرات الروسية
وأوضحت “نيويورك تايمز” أنَّ موسكو فرضت قيوداً على صادراتها، مما أدَّى إلى زيادة التكاليف في أماكن أخرى.
والأهم من ذلك، بحسب الصحيفة، أنَّ موسكو أوقفت مبيعات الأسمدة التي يحتاجها مزارعو العالم، إذ كانت روسيا أكبر مصدر للأسمدة قبل الحرب، كما كان لأعمالها في أوكرانيا تأثير كبير، فمنذ مارس إلى نوفمبر 2022، لم تصدر كييف سوى حوالي 3.5 مليون طن متري من الحبوب والبذور الزيتية بشكل شهري، وهو ما يمثل انخفاضاً حاداً من 5-7 ملايين طن متري كانت تصدرهم شهرياً قبل بدء الحرب في فبراير الماضي، وفقاً للبيانات الصادرة عن وزارة السياسة الزراعية والغذاء الأوكرانية.
وتواصل روسيا إغلاق 7 من الموانئ الثلاثة عشر التي تستخدمها أوكرانيا (تمتلك كييف 18 ميناء، لكن خمسة منها تقع في شبه جزيرة القرم التي استولت عليها روسيا في عام 2014) فيما تعمل الموانئ الثلاثة الواقعة على البحر الأسود، والـ3 الأخرى الواقعة على نهر الدانوب.
وعلى الرغم من أنَّ الزيادات في أسعار المواد الغذائية خلال العام الماضي كانت حادة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأميركا الجنوبية بشكل خاص، فإنه لم تكن هناك منطقة محصنة في العالم من هذه الزيادات.
ارتفاع أسعار المواد الغذائية
وتقول سارة مينكر، وهي الرئيس التنفيذي لـ Gro Intelligence، وهي منصة لبيانات المناخ والزراعة التي تتعقب أسعار المواد الغذائية: “هناك زيادات في أسعار كل شيء من 60% في الولايات المتحدة إلى 1900% في السودان”.
وكانت أسعار المواد الغذائية قد ارتفعت بالفعل قبل الحرب إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من عقد بسبب الاضطرابات التي تسبب فيها وباء فيروس كورونا في سلاسل التوريد وانتشار الجفاف، حيث شهدت الولايات المتحدة والبرازيل والأرجنتين، منتجو الحبوب الرئيسيون في العالم، ثلاث سنوات متتالية من الجفاف، كما انخفض مستوى نهر المسيسيبي بشكل كبير.
وأجبر تراجع العديد من العملات الأجنبية مقابل الدولار الأميركي بعض البلدان على شراء كميات أقل من المواد الغذائية في السوق الدولية مقارنة بالسنوات الماضية.
ويقول المسؤولون الأميركيون إنَّ الجيش الروسي استهدف عمداً منشآت تخزين الحبوب في أوكرانيا، وهي جريمة حرب محتملة، كما دمر مصانع معالجة القمح، على حد تعبيرهم.
وأشارت الصحيفة إلى أنَّ العديد من المزارعين في أوكرانيا ذهبوا إلى الحرب أو فروا من أراضيهم، كما تعطلت البنية التحتية التي كانت تصنع وتنقل القمح وزيت عباد الشمس إلى الأسواق الخارجية، واضطرت مصانع الأسمدة الأخرى في أوروبا إلى إيقاف أو إبطاء الإنتاج، خلال العام الماضي، مع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي نتيجة للحرب، إذ يعد الغاز الطبيعي بالغ الأهمية لإنتاج الأسمدة.
وكان قادة مجموعة الدول العشرين قد أعربوا، في بيان صدر في ختام اجتماعهم في بالي بإندونيسيا، في نوفمبر الماضي، عن قلقهم العميق إزاء التحديات التي تواجه الأمن الغذائي العالمي وتعهدوا بدعم الجهود الدولية للحفاظ على استمرار عمل سلاسل الإمدادات الغذائي.
ووفقاً للصحيفة، فإنه يمكن لمثل هذه الجهود أن تساعد في إعادة بناء أوكرانيا والتخفيف من حدة أزمة الغذاء العالمية، حيث يعمل خُمس الاقتصاد الأوكراني في قطاع الزراعة، وخُمس القوى العاملة في البلاد مرتبطة به.