كل محاولة من المجتمع الدولي لإشراك الحوثيين باعتبار اليمن طاولة رهان لخصمين على لعبة لكسر اليد ستبوء بالفشل.. ستخرج بحدين، أولاهما شرعنة انقلاب أيلول الأسود، وثانيهما حرب أخرى. يدور جدل حول الحديث عن عملية سياسية بمشاركة الحوثيين.. قبل البدء أحب التأكيد على أن ما يدور من نقاش هو ارتداد لحالة الفشل التي رافقت مسيرة الرئيس هادي منذ بدء عاصفة الحزم، وبين مؤيد ومعارض وقف اليمنيون.. صالح والحوثي، كلاهما ينتمي للماضي والظلام.
عندما يهترئ المركب برجاله يبحث الغارقون عن أي شيء ليتمسكوا به، عن خشبة ضئيلة تمكنهم من الوصول إلى بر آمن ولو وهما، حتى لو كان هذا البر القادم في حقيقته مؤشرا لمنتصف آخر من الجحيم.
ثم ما العملية السياسية المرجوة من مليشيا الحوثي.. وهي الجماعة التي لم تلتزم بالمعايير السياسية فقط في ممارساتها، بل تجاوزت كل قواعد حقوق الإنسان والقانون الدولي، وخالفت كل مواثيق العالم المتحضر، بل ذرت بأفعالها في وجهه الرماد.
سيكون الحوثي جزءا من مستقبل اليمن.. سيكون حاضرا في المشهد، وبحضوره أكثر ستبدو صورة القادم أكثر قتامة وغشاوة، وكلما تجذر الحوثي كجزء من الحياة اليمنية السياسية سيبتعد معه المستقبل خطوة فخطوة، وسيتجذر الخنجر المغروس أكثر في خاصرة الخليج.
الشراكة السياسية التي لن تقوم على الركيزة الأساسية وهو المواطن لن تكون ذا جدوى.. ما بعد 2011 خاض اليمنيون تجربة مريرة، فنتيجة للمبادرة الخليجية انقسم المجتمع رأسيا حتى في أقل المناصب، وكان ذلك مخجلا للغاية، مخجلا أمام أنفسنا وأمام العالم، تهافت الكثير على الفتات وتُركت الدولة في مهب الريح تقتلعها العواصف الصغيرة والكبيرة، كانت الصراعات قد انتقلت إلى كل الدوائر، الكبيرة فالصغير ثم الصغيرة فالأصغر، وكان أن اهترئت مؤسسات الدولة جميعها، ولم نسر من يومها إلى المستقبل ولم نحافظ حتى على الحاضر. وازدادت في أذهاننا فكرة أن السير في الاتجاه الخاطئ لن يوقفنا فحسب، بل سيعيدنا إلى الوراء وإلى الوراء جدا.
هذا عن شراكة الأمس، أما شراكة اليوم فلن تنتج إلا جنينا مشوها وحربا إضافية.
الخراب وحده في المدن يؤمن بأن المستقبل الذي بشراكة الحوثي لن يكون أجمل.
إن تمت شراكة سياسية على هذا النحو، سنكون إزاء لعبة كسر اليد، سنعيد بهذه الصورة للأذهان لوحة الرهان.. حينما يجلس خصمان على طاولة واحدة، هما الاثنان موقنان بأن أحدهما سيسقط بعد وقت قصير، سيسقط سقوطا مدويا.. عليهما أن يخططا جيدا وأن يختارا الوقت المناسب ليضرب كل منهما خصمه الضربة القاضية.
كل محاولة من المجتمع الدولي لإشراك الحوثيين باعتبار اليمن طاولة رهان لخصمين على لعبة لكسر اليد ستبوء بالفشل.. ستخرج بحدين، أولاهما شرعنة انقلاب أيلول الأسود، وثانيهما حرب أخرى.
أما بالنسبة للحوثيين فلن يعدو الأمر كونه جسر عبور ورسوخ.. فالحوثي لم يخسر شيئا، تنمو قوته أكثر.. تحول من مليشيا تتجول في الجبال إلى حاكم في صنعاء، ومن يتآكل هو حزب المؤتمر وقوة صالح، وعامل الوقت سيقف إلى صف الحوثيين.. بطريقة راسكولنيكوف في الجريمة والعقاب سيقتل الحوثيون العجوز المُرابية.. سيزيح الحوثي ما تبقى من قوة صالح، ليهنأ بتركة الرجل المحروق ويقيم على أنقاضه مملكته الفتية.
كانت مغامرة للمليشيا في بادئ الأمر لكنها نجحت.. هي الآن دويلة داخل الدولة.
وهذه التسوية التي لن تقلم أظافر الحوثي، ستعطيه الفرصة ليخمش بها وجه المنطقة من جديد، وتحديدا دول الخليج.
وإن تم فرض الحوثي بالقوة من قبل المجتمع الدولي، فهنيئا لداعش وجميع الحركات الإرهابية مسبقا هذا الازدهار