اخترنا لكمتقاريرغير مصنف

وباء فطري يجتاح مزارع “البطاط” وسط اليمن و يهدد بالقضاء عليها (تحقيق)

“تعبها كبير ومحصولها قليل”، هكذا عبر أحد مزارعي البطاطس في قاع الحقل، ببلدة “يريم” التابعة لمحافظة إب، وسط اليمن، عن المعاناة التي يواجهونها وخصوصا مع انتشار الأمراض الفطرية والحشرية التي أصابت مزارع البطاط هذا الموسم بشكل مفاجئ، و باتت تهدد كثيراً من المزارع، دون معرفة الأسباب. يمن مونتيور/ وحدة التحقيقات/ من ياسر الجابري
“تعبها كبير ومحصولها قليل”، هكذا عبر أحد مزارعي البطاطس في قاع الحقل، ببلدة “يريم” التابعة لمحافظة إب، وسط اليمن، عن المعاناة التي يواجهونها وخصوصا مع انتشار الأمراض الفطرية والحشرية التي أصابت مزارع البطاط هذا الموسم بشكل مفاجئ، و باتت تهدد كثيراً من المزارع، دون معرفة الأسباب.
وحسب مزارعين من ابناء المنطقة، فإن كثيراً من مزارع البطاط، تعرضت، منذ الأسبوع الماضي، لأمراض متنوعة أسموها “الخناق” و”البصمة” والذي – حسب المزارعين – ما أن يصيب شجرة البطاط حتى يحولها إلى شجرة سوداء أو شبه سوداء، الأمر الذي ينعكس سلباً على محصول البطاط ويقضي على إنتاجها بالشكل الطبيعي، ما يكبد المزارعين خسائر فادحة تقدر بعشرات الملايين.
“يمن مونتيور” زار قاع “الحقل” الزراعي في “يريم”، والتقى عدداً من المزارعين للإطلاع على هذه الأمراض التي أصابت مزارعهم بشكل مفاجئ ومدى الأضرار التي باتت تهدد محاصيل البطاط، وكذا ودور الجهات المختصة في ذلك. وخرج بهذه الحصيلة:
 
حديث الساعة
تظل البطاط هذه الأيام هي حديث الساعة عند المزارعين بل وعند عامة الناس في مناطق قاع “الحقل” الزراعي، حيث يعمل معظم سكانها في مهنة الزراعة، ويبذلون كل جهدهم في إنتاج هذا المحصول، والذي باتت عملية إنتاجه وزراعته شاقة خصوصا مع ارتفاع أسعار البذور والمبيدات ومادة الديزل، إضافة إلى تسبب الحرب في توقف تصدير المنتج إلى محافظتي عدن وتعز، جنوبي البلاد، واللتين كانتا تعدان، أسواقاً مركزية لبيع محصول البطاط، وفقا لمزارعين.
وحسب المزارع محمد مظفر، وهو خريج جامعة – آداب انجليزي، فإن البطاط هذه الأيام، باتت حديث الناس في جلسات القات و الأسواق وفي الحقول أيضا.
وأوضح محمد مظفر لـ”يمن مونتيور” مسببات الأمراض من وجهة نظره، وهي إهمال الجهات المختصة في وزارة الزراعة ومكاتبها.
وقال مظفر، إن معظم السموم والمبيدات الفطرية والحشرية التي يتم بيعها للمزارعين تعتبر “منتهية الصلاحية”، ولا توجد أي جوده فيها، فضلا عن آثارها السلبية على المحاصيل الزراعية”.
وأضاف، “للأسف بدلا من أن تهتم الدولة في مساعدة المزارعين من خلال إرسال المشرفين والمهندسين والارشاديين الزراعيين لكي يقوموا بمساعدة المزارعين بكيفية الاستخدام الأمثل للسموم والمبيدات، الحاصل هو العكس، فقد باتت الدولة ممثلة بالجهات المختصة هي من تحارب المزارعين بدلا من تشجيعهم في هذه المهنة التي تعد أحد أهم روافد الاقتصاد الوطني، وذلك من خلال عدم وجود رقابة صارمة على السموم التي تدخل البلد ونستخدمها كمزارعين دون أن نعرف مخاطرها”.
 
أمراض متنوعة لنتيجة واحدة!              
وحسب مظفر، فمع انتشار الأمراض و عدم وجود خبراء ومرشدين زراعيين فقد تحول المزارعون إلى خبراء زراعيين بعد أن وجدوا أنفسهم في مرمى الإهمال والنسيان، فمنهم من يسمي هذا المرض بـ”الخناق” (نسبه إلى أنه يخنق البطاطا)، ومنهم من يطلق عليه البصمة (لأنه يبدأ في شجرة البطاط بحجم بصمة اليد ثم ينتشر فيها كليا)؛ ومنهم من يسميه بـ(الشعاط) وغيرها من الأسماء المتعددة.
وقال، “لكنها جميعا تؤدي إلى نتيجة واحدة وهي خسارة المزارع الذي وجد نفسه بين مطرقة الإهمال والنسيان من الجهات المختصة من جهة، وبين انتشار المرض وما يترتب على ذلك من خسائر كبيرة للمزارعين من جهة أخرى”.
مخاوف متعددة
أثار هذا المرض جملة من المخاوف في أوساط المزارعين في قاع الحقل بمديرية يريم، وهو أحد أشهر الأودية الخصبة في اليمن الذي يقوم بانتاج عدد من المحاصيل الزراعية وأهمها القمح والبطاط.
وأرجع المزارعون مخاوفهم من توسع وانتشار هذا المرض إلى الخسائر الكبيرة التي تواجه المزارعين بعد أن أصاب هذا المرض كثيراً من المزارع وانتشر بشكل كبير، خصوصا مع ارتفاع أسعار البذور والمشتقات النفطية وأهمها الديزل، وكذا أسعار المبيدات والسموم التي يستخدمونها للرش على محاصيل البطاط لحمايتها من الأمراض المختلفه.                      
ويؤكد المزارع فيصل القادري لـ”يمن مونتيور” أن الخسائر المترتبة على هذا المرض كبيرة جدا، وأثقلت كاهل المزارعين، لافتاً إلى أنهم قاموا بالتواصل مع أحد الخبراء الزراعيين وأخذوا عينات وأرسلوها إلى كليه الزراعة في محافظة ذمار، لدراسة هذا المرض، من قبل أحد الباحثين يدعى “عادل العنسي”.
واشار القادري، إلى أن  الدكتور العنسي أخذ عينة من البذور المصابة بالمرض وأخبرهم انهم سيقومون بوضعها في المختبر الزراعي، وأن مدة النتائج ستظهر خلال شهرين أو ثلاثه شهور، أي عقب موسم البطاط الذي تبقى له عدة أسابيع، وهو ما يؤكد أن الخسارة “ستكون مكلفة على المزارعين ما لم تتدخل الجهات المختصة وتعمل على توفير العلاج المناسب لذلك”.
وحاول “يمن مونيتور” التواصل مع الباحث” العنسي” لمعرفة النتائج الأولية لهذا المرض إلا أننا لم نتمكن من ذلك.
 
 انتشار وتوسع
وعلى الرغم من محاولة المزارعين استخدام أنواع عديدة من السموم والمبيدات لمكافحة المرض في قاع “الحقل”  إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل.
وقال المزارع محمد قايد لـ”يمن مونتيور” بصوت شاحب: “كلما أكثرنا من رش السموم زاد المرض في الانتشار والتوسع”.
وأضاف “المرض أصاب 4 مزارع من مزارعي، ولأننا حاولنا إنقاذهن بقدر الوسائل المتاحة من ري ورش سموم ولم يفِد ذلك شيء، فاضطررت لترك المزارع منتظرين فرج الله”، لافتا إلى أن “خسائره المادية تصل إلى أربعة ملايين ريال حتى الآن.
 
تنوع استخدام السموم
ويعتقد المزارع محمد النقيب، أن الوباء يقضي على مزارع البطاط كما تقضي موجة الصقيع التي تصيب الوادي أحيانا في موسم الشتاء، وتحول الشجرة المصابة من اللون الأخضر إلى الأسود والذي يؤدي في الغالب إلى القضاء على المحصول بشكل نهائي، خصوصا إذا كانت كما هي اليوم على رأس الزهرة الذي يعد أخطر أيام زراعة البطاط، حد قوله.        
وفي حديثه لـ”يمن مونيتور”، أرجع النقيب، سبب هذا المرض إلى تنوع السموم والمبيدات التي يقوم المزارعون برشها على أشجار البطاط عادةً،  للقضاء على الأمراض التي قد تصيبها والتي لا تؤثر عادة على المحصول بنفس قوة المرض الحالي، إضافة إلى غزارة الأمطار المتساقطة خلال الأسابيع الماضية.
ويرى المزارع “عبدالغني الرعيني”، أن هذا المرض الذي أصاب الوادي لأول مرة، قد يكون ناتج عن زيادة الأمطار الغزيرة التي شهدتها اليمن ومنها قاع الحقل، وكذا الغيوم شبه المتواصلة التي رافقت الأمطار.
 
تعفن التربة ومبيدات منتهية الصلاحية
المزارع، محمد عمر، أوضح لـ”يمن مونيتور”، أن هذا المرض الذي أطلق عليه أسم (غُفان) بضم الغين، وهو عباره عن تعفن التربة، أصاب مزارع البطاط نتيجة الاستخدام العشوائي للأسمدة (مخلفات الدجاج) وكثرة الأمطار التي هطلت على المنطقة والتي استمرت خلال شهر كامل، الأمر الذي حولها إلى بيئة ملائمة لنمو الفطريات التي تعد السبب الرئيسي لهذا المرض. حد تعبيره.
ويرى محمد أن “من جملة الأسباب لهذه الأمراض الفطرية والحشرية الاستخدام العشوائي للأسمدة والمبيدات وكذا عدم وجود رقابة على استيراد المبيدات والسموم الحشرية التي يتم استخدامها من قبل المزارعين خلال فترة نمو البطاطس التي تستمر دورة حياتها من ثلاثة إلى أربعة شهور”.
 
آثار الحرب تظهر على المزارعين
ويؤكد “حمود مبخوت”، وهو تربوي وزراعي لـ”يمن مونتيور” أن هذه المناطق الزراعية لم تتأثر بالحرب بشكل كبير منذ البدايه رغم معاناة المزارعين في عدم الحصول على الديزل، كما تأثرت اليوم بفعل الوباء الذي أصاب محصول البطاط، مصدر الدخل الرئيسي للدخل لأبناء المنطقة الذي يعمل غالبيتهم العظمى في الزراعة وتحديدا البطاط والقمح.
وأشار إلى أن “تأثير هذا المرض لم ينعكس سلبا على المزارعين فحسب، بل انتقل ليشمل الأيادي العاملة التي تتوافد سنويا إلى هذه المنطقة من مختلف مناطق اليمن وتحديدا أثناء موسم حصاد البطاط والذي ينتظرونه بفارغ الصبر، لاخراجهم من معاناة شتاء طويل يمتد لستة أشهر”، حد تعبيره.
 
أسباب غير علمية.. كل يغني على بطاطه
ونحن نعد هذا التحقيق، التقينا عدداً من المزارعين والذين فضل بعضهم عدم ذكر اسمه، يسردون أسبابا غير علمية للوباء، ففيما يقول بعضهم إن السبب الأكبر، هو تساهل المزارعين في دفع “الزكاة” ويعتبرون ما أصاب مزارعهم ليس سوى “عقوبة ربانية”، يذهب آخرون، إلى أن السبب ناتج عن استخدام دول التحالف العربي بقيادة السعودية، الطيران في رش مواد سامة على الوادي وكانت نتائجها ما أصاب مزارع البطاط من هذا الوباء الخطير، حد زعمهم.
وأيا تكون الأسباب لهذا الوباء فإن المزارع في اليمن لا يزال يدفع الثمن الأكبر في كل مراحل الصراع السياسي، الذي عادة ما يكون هو الضحية الكبرى فيه، من خلال ما يترتب على ذلك الصراع من انعدام المشتقات النفطية وارتفاع أسعارها بأشكال جنونية.
وما يزال يتذكر كثير من المزارعين كيف انتهت مزارع البطاط التابعه لهم بشكل نهائي خلال العام الماضي نتيجة انعدام مادة الديزل وما ترتب على ذلك من خسائر كبيرة تحملها المزارعون دون أن يلتفت أحد إلى تعويضهم وكذا معاناتهم التي يكتوون من لهيبها صباح مساء.
فهل سيتم الالتفات إلى هذه الشريحة التي يشكل العاملين فيها 80 % من عدد سكان الجمهورية اليمنية أم أن الإهمال والنسيان سيظل هو الكابوس والشبح الذي يطاردهم في گل وقت وحين؟
وحدها الأيام قادرة على الإجابة عن هذا السؤال الذي ينتظر المزارعون الإجابة عليه بفارغ الصبر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى