أنين الكلمات: الوجه الإنساني للصراع في اليمن
يمن مونيتور/البنك الدولي
منذ نشوب الحرب الأهلية في اليمن قبل ثمانية أعوام، يعيش الشعب اليمني تحت وطأة ضيق العيش، وعدم اليقين، وصراع مرير من أجل البقاء. ويهدف هذا التقرير بعنوان ’أصوات من اليمن‘ إلى إلقاء الضوء على تجاربهم وتقديم سياق إنساني للبيانات الكمية التي تضمَّنها تقرير ’البقاء على قيد الحياة في زمن الحرب‘.
على مدار أربعة أعوام (2019-2022)، أجرينا مقابلات مُتعمِّقة مع 156 فرداً من محافظات مختلفة في أنحاء اليمن. ولم يكن القصد من هذه المقابلات التوصل إلى نتائج تمثيلية إحصائياً، وإنما توثيق طائفة متنوعة من التجارب التي توضِّح المشاق والصعوبات التي يتكبَّدها السكان اليمنيون.
كانت إحدى السمات البارزة التي كشفت عنها هذه المقابلات هي تفشِّي انعدام الأمن الغذائي. فالأسر في سعيها لاستغلال الموارد المحدودة إلى أقصى حد، تُضطر إلى اللجوء إلى آليات تكيُّف بالغة الشدة، منها تقليل عدد الوجبات الغذائية، وتقليص التنوع في الأغذية التي تستهلكها، وتحديد أي أفراد الأسرة تكون له الأولوية في تناول الطعام. ووصف أحد المجيبين الذكور من محافظة المحويت في مقابلةٍ المفاضلات المؤلمة التي تُضطر أسرته إلى إجرائها قائلاً:
“كنَّا في بعض الأحيان ننام بدون تناول وجبة العشاء. ولا أحد يعرف ما نأكله وما لا نأكله أنا وزوجتي. وفي بعض الأحيان، حينما يكون لدي بعض المال للعشاء، كانت زوجتي تقول لي إن الأطفال يحتاجون إلى الحليب، ولذا اشتري لهم الحليب وننام بدون تناول العشاء. فالأطفال أولى بالاهتمام منا.”
وتضرَّر الأطفال بشدة أيضا في مسيرة تعليمهم. فالمدارس تعاني نقص التمويل، والمُعلِّمون تضاءلت أعدادهم، وأسرٌ كثيرة لا تستطيع تحمُّل تكاليف إرسال أطفالها إلى المدرسة على الإطلاق. ووصف مدير مدرسة من محافظة حجة تدنِّي أحوال التعليم فقال:
“تضم مدرستي 1050 طالباً وفيها ست قاعات، إحداها هي مسكن اثنين من المُعلِّمين، وقاعة لمكتب المدير، والأربعة الباقية لجميع الصفوف الدراسية. ونعمل في ثلاث نوبات لمختلف الصفوف الدراسية. واضطر أحد المعلمين إلى إحضار أسرته من محافظة الحديدة مع اشتداد الصراع هناك، ولذا اضطررنا إلى نقل المُعلِّم الآخر ليعيش تحت الدرج. ولا توجد مراحيض أو خدمات لمياه الشرب في المبني.”
ويتعذَّر أيضاً الحصول على الرعاية الصحية، إذ أن كثيراً من الأفراد يتخلون عن الرعاية الطبية إلا في أشد حالات الطوارئ بسبب ارتفاع التكاليف وقلة الخدمات المتاحة. وتحدَّث عامل في القطاع الصحي من محافظة الحديدة عن تدنِّي حالة خدمات الرعاية الصحية فقال:
“كنَّا نُقدِّم الخدمات والأدوية مجاناً. واضطررنا الآن إلى تقاضي رسوم من المرضى وأن نكتب لهم وصفةً طبيةً لشراء الدواء من الصيدليات. ولم يعد يأتي الناس إلينا، ويتجنَّبوننا. فهم لا يستطيعون تحمُّل تكلفة ذلك كله، بالنظر إلى أن الانتقال إلى هنا سيُكلِّفهم الكثير أيضاً. بل إنه أمرٌ شاقٌ أيضاً على كوادر العاملين الذين ينفقون نصف رواتبهم على الانتقال.”
يعاني اليمنيون النازحون داخلياً طبقةً أخرى من ضيق العيش. إذ يقطعون رحلة محفوفة بالمخاطر بحثاً عن ملاذ آمن، ويكافحون لتوفير الضرورات الأساسية للبقاء على قيد الحياة، ومازالوا يواجهون خطر النزوح والتشريد، وتآكل مصادر رزقهم، وشبح زيادة تكاليف المعيشة. ويروي فردٌ من محافظة البيضاء تجربة نزوحه التي تدمي القلب:
“اضطررنا إلى مغادرة بلدتنا لأن الحرب دمَّرت منازلنا. وكان لدينا أربعة منازل. وحياتنا قاسية جدا هنا وهناك. والتأجير أيضاً باهظ التكلفة. ولا يمكننا تحمُّل تكلفته. وقد نزحنا جميعاً، حتى عائلة زوجتي. وانتقلنا بادئ الأمر من قرية رادة إلى منزل كان استئجاره باهظ التكلفة، ثم انتقلنا إلى منزل آخر استطعنا دفع إيجاره. ما أصعب العيش في أي مكان باليمن.”
ويلقي تقرير “أصوات من اليمن” الضوء على العلاقات المتشابكة والمعقدة بين الأزمة الإنسانية في اليمن والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. فقد أحدث الصراع وما تبعه من استجابة إنسانية اضطراباً في الاقتصاد المحلي، وأثَّر على جميع القطاعات من التعليم إلى الرعاية الصحية. ويؤدي النزوح إلى تفاقم هذه التحديات، ويُؤثِّر على المعروض من الغذاء، والحصول على التعليم، وتقديم الرعاية الصحية، واستقرار سبل كسب الرزق.
وما يتردَّد صداه بقوة من هذه كل هذه الروايات ليس مجرد حجم المعاناة، ولكن كيف أن اليمنيين لا يجدون في الغالب خياراً آخر سوى التحمُّل مع اللجوء إلى إستراتيجيات تكيُّف مُدمِّرة. ويشدِّد هذا التقرير على الحاجة الملحة إلى حلول شاملة ومستدامة لتخفيف المصاعب الهائلة التي يرزح تحت نيرها الشعب اليمني. وقصصهم ورواياتهم هي دعوة للتحرك: لواضعي السياسات، وللعاملين في المجال الإنساني، وللمجتمع الدولي لتجاوز المعونات قصيرة الأجل والاتجاه نحو التدخلات التي تكفل استعادة سبل أكثر استدامة لكسب الرزق، ومعالجة الأسباب الجذرية للأزمة، وبناء أساس لترسيخ مقومات الاستقرار والرخاء في اليمن.