فكر وثقافة

أحمد الفلاحي: الحرب خلقت حراكًا في الكتابة الشعرية باليمن

يمن مونيتور/ ضفة ثالثة

أحمد الفلاحي شاعر وباحث أكاديمي يمني يقيم حاليًا في السويد. عضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين. عضو اتحاد الكتاب السويديين واتحاد الصحافيين بالسويد (منذ 2021)، وعضو نقابة معلمي وباحثي الجامعات السويدية (منذ 2020). يترأس تحرير عدة منابر ثقافية منها مجلتا سبكترا “أطياف” للأدب والفكر في السويد، و”نصوص من خارج اللغة”، وموقع “فضاءات الدهشة” الأدبي الإلكتروني، ويدير شبكة أطياف الثقافية للدراسات والترجمة والنشر.

شعريًا صدر للفلاحي: “السقوط في الغيبوبة السامرية”، 1998، اليمن؛ “وللعبير أنياب”، 2000، بغداد؛ “أمكنة”، 2003، بغداد؛ “ثلاث مرات قبل الأكل”، 2016، القاهرة؛ “أقتني شفتيك وقنينة حرب”، 2018، الرباط؛ “الحطابون”، 2019، الرباط.

وفي البحث العلمي صدر للفلاحي (الأستاذ بجامعة إب اليمنية): “إسنادية التأليف في الشعر العربي باستخدام تقنية تعليم الآلة”، 2019، المغرب، وهو العام نفسه الذي حصل فيه على الدكتوراة من جامعة الحسن الثاني- الدار البيضاء، كلية العلوم والتقنيات- المحمدية، تخصص ذكاء اصطناعي. وقبلها، كان حصل على ماجستير من الهيئة العراقية للحاسبات والمعلوماتية، بغداد 2007، تخصص إدارة أمن شبكات، بعد نيله الدبلوم العالي في تقنية المعلومات من الجامعة التكنولوجية- بغداد، 2002، استمرارًا لتحصيل علمي بدأه ببكالوريوس علوم- جامعة تعز اليمنية.

هنا حوار معه:

(*) لنبدأ الحديث من تخصصك في الذكاء الاصطناعي. كيف ترى إلى تطبيقات وتقنيات الذكاء الاصطناعي وتأثيرها المتوقع على وظائف المبدعين والثقافة عمومًا؟

للإجابة عن هذا السؤال سوف أتطرق إلى عدة وجهات نظر أدبية ونقدية ووجهة نظر تقنية كوني مختصًا في الذكاء الاصطناعي. أدبيًا، أرى أن تطبيقات وتقنيات الذكاء الاصطناعي تبدو وكأنها شبح يمكن أن يغير وجه الأدب والثقافة دائمًا. من ناحية، قد تكون هذه التقنيات فرصة مذهلة لتعزيز الإبداع وتوسيع الحدود التي يمكن أن تصل إليها القصص والشعر. ومع ذلك، يثير السؤال حول ما إذا كانت الآلات قادرة حقًا على فهم الإنسانية بما فيها تعقيدات العواطف والروحية التي تميز الأعمال الأدبية العظيمة. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلتقط الروح الإبداعية؟ أم أنه سيكون مجرد إنتاج بيانات آلية بلا روح؟ يبدو أن هذا الجدل سيظل مستمرًا في عالم الأدب وسيكون هناك تحد أمام الكتّاب لاستكشاف حدود التكنولوجيا مع الروحانية والإنسانية.

وجهة النظر النقدية تعتبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي محطة تحولية في مسار الأدب والثقافة، ومع ذلك، لا يمكننا تجاوز النقاش حول تأثيراتها على نوعية المحتوى وعمقه. هل يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي وتعليم الآلة أن تنتج إبداعًا فعليًا، أم أن ما سيظهر هو مجرد تكرار وتجميع للمعرفة المتاحة؟ هل سيتمكن الذكاء الاصطناعي من تقديم شيء جديد وجذاب، أم أنه سيبقى في إطار الصيغ المألوفة؟ يكمن تحدي النقاد في التأكد من توازن تلك التقنيات بين الإثراء والتجديد، وضمان أن البعد الإنساني للأعمال الأدبية لا يتلاشى في ظل التقدّم التكنولوجي.

أما وجهة نظري كخبير تقني في هذا المجال فأرى أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تمثل تحولًا استراتيجيًا في مجال الثقافة والإبداع. تمكننا تقنيات تحليل البيانات والتعلم العميق من فهم أعمق لميول الجمهور وتفضيلاتهم الثقافية. تصبح الآلات شريكًا للكتّاب والفنانين من خلال تقديم توصيات مخصصة وتحسين عملية إبداعهم. وعلى الرغم من هذا، هناك تحديات تتعلق بقدرة التقنيات على فهم التعبيرات الإنسانية المعقدة وتقديم محتوى يتمتع بالأصالة والروحانية. يتطلب ذلك توازنًا بين التقنية والفن وتفهمًا عميقًا لكيفية تعامل الذكاء الاصطناعي مع الإبداع البشري. وللأدباء والشعراء والاعلاميين أن يقلقوا فعلًا على وظائفهم قريبًا.

(*) ماذا عن قصيدة النثر اليمنية التي تكتب اليوم، وكيف ترى إلى تجسيدها لمفهوم التحديث والتجديد في عالم الشعر اليمني؟

مجازيًا سأتحدث عن قصيدة النثر في هذا الحوار رغم أني أجزم أن قصيدة النثر انتهت وبدأت موجة جديدة من الكتابة العابرة للجنس والتي يصر كُتابها على إلصاقها بمصطلح قصيدة النثر. إنني أعدّ ذلك تجنيًا على الكتابة الجديدة التي يحاول النقاد إسقاط معايير قصيدة النثر بمفهومها الكلاسيكي عليها فتظلم هذه الكتابة تحت هيمنة المصطلح. ولأن السؤال يذكر هذه الكتابة بقصيدة النثر سأستخدم المصطلح لكن أشير إلى الدلالة التي أقصدها وهي الكتابة الجديدة.

تمثل قصيدة النثر اليمنية نمطًا شعريًا مميزًا يشهد على تحولات وتجدّد داخل منظومة الشعر اليمني. يعكس هذا النمط تفاعل الشعراء مع التغيرات الاجتماعية والثقافية التي شهدتها البلاد على مرّ العقود. فهي تمثل مزيجًا من التجديد والتجسيد، حيث يتعايش الشعراء بين الإبداع والوعي بالتطورات المحيطة بهم.

أظهر الشعراء اليمنيون اهتمامًا باندماج شعرهم مع الأساليب والأداء الشعري خارج الحدود الوطنية. هذا النهج خلق تجربة خلاقة في تقديم أصوات متنوعة وعالمية تعبّر عن تجارب الفرد والمجتمع. وفي الآونة الأخيرة، تحوّلت الانتباهات نحو كتّاب قصيدة النثر اليمنية، حيث ترسخت ملامح هذا النمط وأسست نفسها بطريقة متميزة.

تظهر قصيدة النثر اليمنية تجديدًا في التعامل مع المواضيع والمواقف الاجتماعية والسياسية. يشهد الشعراء على الفعاليات والأحداث الجارية بأسلوبهم الخاص، ويعكسون تفاعلهم مع التغيرات المحيطة بهم. إنها ليست مجرد شعارات وإنما تعبير عن أصوات الفرد ورؤيته الشخصية للعالم.

ومن جهة أخرى، أدرجت قصيدة النثر اليمنية نفسها في الفضاء الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي. هذه الخطوة تمكّن الشعراء من التواصل مع الجمهور على وجه أقرب وأكثر فعالية، وكذلك نقل القضايا الاجتماعية والثقافية على نحو أكثر تفصيلًا. لم يعد الشاعر مقتصرًا على الصفحات الورقية، بل أصبح يتفاعل مع العالم على نحو مباشر.

تأثير قصيدة النثر اليمنية يمتد إلى المشهد الشعري العربي والثقافي، حيث أحدثت تجديدًا في منظومة الشعر اليمني رغم تمترس الحرس القديم وكتاب العمود ضدها. هذا التحديث لم يكن فقط من حيث الأسلوب والمضمون، بل تمتد تأثيراته إلى نشر الوعي وتنوير الجمهور بقضايا مهمة مثل الحرب والمعاناة التي نتجت عنها. تتجسد في هذه القصيدة روح الحرية والإبداع، مما يجعلها أحد أهم الأعمال الشعرية الحديثة في اليمن.

أخيرًا، تجسد قصيدة النثر اليمنية مفهوم التحديث والتجديد في عالم الشعر اليمني. يُعبّر الشعراء من خلالها عن أفكارهم وشعورهم بأسلوب جديد ومبتكر، مما يسهم في إثراء الساحة الشعرية اليمنية وتوجيه الأضواء نحو قضايا المجتمع والإنسانية والحرب. هناك كتابات مميزة تخط مسارها بهدوء وتؤسس لقصيدة مختلفة، لن أتطرق للأسماء حتى لا أنسى، بالمقابل هناك قصيدة موازية تتاخم هذا الزخم والتحديث في بنية القصيدة الجديدة في اليمن. إن الحرب رغم مأساتها خلقت حراكًا في الكتابة الشعرية في اليمن فتغيّرت بنية النص وموضوعاته، هذا التحول ألحق الكتابة الشعرية في اليمن بركب الكتابة العربية إن لم تتجاوزها.

(*) المتابع للحركة النقدية اليمنية يجد أنها غائبة ربما وإن وجدت فهي – في معظمها- منشورات فيسبوكية تتخللها أحيانًا مناكفات سطحية بين أسماء نقدية… ما الذي يحدث بالضبط؟

تجسد الحركة النقدية في اليمن واقعًا يُعبر عنه بالتراجع والتباعد عن المسار التطوري الذي شهده النقد في عديد من البلدان العربية. فبينما عرفت الحركات النقدية العربية في العقود الأخيرة تطورات هامة في مجال التفكير النقدي والتحليل الثقافي والنقد الثقافي، لا تزال الحركة النقدية اليمنية تواجه تحديات كبيرة تعيق تطورها وتأثيرها.

على الرغم من وجود بعض المبادرات الفردية والجماعية التي تحاول تنشيط الحركة النقدية في اليمن، إلا إنها تبدو قاصرة ومقتصرة على دائرة ضيقة من الأفراد والمثقفين. يمكن القول إن الحركة النقدية اليمنية لا تزال في مرحلة التشكل والبحث عن هويتها وأهدافها، وهذا ما ينعكس على طبيعة المناقشات والنقاشات التي تدور فيها وهذا الحديث تطرق إليه العديد من الكتاب. ربما يعزى السبب الأساسي وراء هذا التحدي إلى ضعف المؤسسات الثقافية والأكاديمية في اليمن. فبدلًا من أن يكون هناك منابر مؤسسية تدعم تطوير النقاد وتعزز من تفاعلهم مع القضايا الثقافية والاجتماعية، يعمل النقاد على نحو فردي أو في مجموعات صغيرة دون وجود بنية مؤسسية تدعم تطويرهم وتوجههم.

على الصعيدين الأكاديمي والثقافي، يُظهر النقد اليمني نقصًا في التعمق والتحليل. يبدو أن النقاد يتجنبون التحليل العميق للأعمال والنصوص الأدبية والفنية، ويقتصرون غالبًا على تقديم تقييمات سطحية ومراجعات عامة. هذا يمكن أن يعزى جزئيًا إلى قلة الاهتمام بالبحث الأكاديمي والتحليل العميق، وأيضًا إلى ضيق الفرص التعليمية والتدريبية المتاحة للنقاد.

على صعيد التواصل والنقاش، يبدو أن النقاد اليمنيين يفتقرون إلى منبر مفتوح وجاد للنقاش الفكري والحوار المثمر. يحدث التواصل في بيئة رقمية بسيطة مثل منصات التواصل الاجتماعي، وهذا قد يؤدي إلى تبادل مراشقات سطحية وانتقادات غير بناءة بدلًا من مناقشة قضايا ذات أهمية.

لنشهد تحسنًا في الحركة النقدية اليمنية، يجب أن تُتخذ جهود متكاملة على الصعيدين الأكاديمي والثقافي. يحتاج النقد اليمني إلى مؤسسات قوية تدعم تطوير النقاد وتوجههم، وتقديم فرص تعليمية وتدريبية تعزز من مستوى التحليل والتفكير النقدي. يجب أن يتم تعزيز الثقافة البحثية والتحليلية بين النقاد، وتشجيعهم على استكشاف الأفكار الجديدة في النقد، فجدير به وأعني النقد متاخمة الإبداع لا التغريد خارج السرب والتطرق لقضايا الهوية الوطنية والاجتماعية والسياسية من خلال عدسة النقد. الجهود الفردية في الحركة النقدية في اليمن قليلة وتتعرض إلى النقد المضاد ولا أعني نقد النقد لأن ذلك يمثل تفاعلًا خلاقًا، فالنقد المضاد الذي لا يرمي إلى التطوير يمنع المحاولات الجادة.

بالختام، الحركة النقدية اليمنية تمر بتحديات كبيرة تحتاج إلى جهود متواصلة لتحقيق التطور والتأثير المأمولين. إن تفعيل الحركة النقدية يمثل جزءًا أساسيًا في تطوير المجتمع وتعزيز الوعي الثقافي والفكري.

“تمكننا تقنيات تحليل البيانات والتعلم العميق من فهم أعمق لميول الجمهور وتفضيلاتهم الثقافية. تصبح الآلات شريكًا للكتّاب والفنانين من خلال تقديم توصيات مخصصة وتحسين عملية إبداعهم”

“الغيبوبة السامريّة”…

(*) منذ مجموعتك الأولى “السقوط في الغيبوبة السامرية” 1998 وحتى السادسة “الحطابون” 2019… أين تجد نفسك شعريًا وماذا عن تأثير المكان على التجربة؟ ذهبت إلى العراق طالبًا جامعيًا ليستقر بك المقام بعدها في المغرب فالسويد….

منجزي الشعري ينبثق من تجربتي الحياتية المتعددة والمتنوعة. تلك التجربة شملت رحلتي إلى العراق والعودة إلى اليمن والمغرب، تجربة تحمل في طياتها مشاهد وأحداثًا وأصواتًا متنوعة، قد أثرت إلى حد بعيد على كتاباتي. كنت هناك، في أروقة تلك البلدان، واستنشقت روائحها وشهدت أحداثها، ولم أقتصر على التجربة الخارجية فحسب، بل اخترقت عمق الوجدان البشري وجسدته بما أكتب.

تأثير المكان في منجزي الشعري لا يمكن تجاهله. في العراق، تعلقت بألوانه وروائحه وأحداثه المتنوعة، وجلبتُ تلك التجربة إلى صفحات نصوصي. في اليمن، حاولت أن أفهم لغة الحرب الجديدة والتي ألفتها سابقًا في العراق، وانسلّت إلى اليمن فأدرجتها في كتاباتي. وفي المغرب، اندمجت مع أروقة الشوارع وتفاصيل الحياة اليومية، وأتيحت لي الفرصة لاستنطاق تجارب الناس وأحلامهم.

أما السويد، فهي مكان الهجرة والانغماس في ثقافة جديدة، وهذا أيضًا له تأثير على كتاباتي وتفكيري. تجتمع في تجربتي تلك الأماكن الجغرافية والثقافات المختلفة، لتشكل خلاصة منجزي الشعري. تلك التجارب لم تكن مجرد مشاهد، بل تأثرتُ بأصوات الناس وتجاربهم وأحلامهم، وجعلتُ من نصوصي لوحات تعكس تفاصيل الحياة من منظور شخصي مختلف.

منجزي الشعري ليس مجرد كلمات ومجموعات شعرية، بل هو تراكم لتجارب وتأملات، وهو جهد مستمر للنضوج الأدبي والتحديث. أحاول نقل جمال الوجود وتعقيداته، وأجسد معاناة الإنسان وتساؤلاته. الشعر بالنسبة لي ليس مجرد ترف أدبي، بل هو وسيلة للتواصل مع العالم والتعبير عما يجول في أعماق القلب والروح.

إنني أؤمن بقوة تأثير المكان في صقل وتوجيه الإبداع الشعري. يمنحني كل مكان طيفًا من الألوان والأصوات والروائح، وهذه الأطياف تتجسد في قصائدي بطريقة تجمع بين الواقع والخيال، وبين التجربة الشخصية والإنسانية العامة. لذا، أستمر في مسيرتي الشعرية مستمدًا من خلاصة تلك التجارب، ومبتكرًا ومتجددًا في التعبير عنها بأبعادها المختلفة.

تأثير الغربة أضاف لكتابتي أبعادًا جديدة، حيث أصبحت أرى إلى تجارب الناس وثقافاتهم من زوايا مختلفة؛ التغيير والبحث عن الهوية في بيئة جديدة؛ فأصبحت اللغة أكثر حداثة وتنوعًا، حيث اندمجت مع عبير اللغات المختلفة وتجارب الثقافات المتعددة.

الغربة كانت تحديًا يجعلني أتحدى نفسي وأفكاري، وأبحث عن طرق جديدة للتعبير عن تلك التجربة. كتابتي أصبحت أكثر صدقًا وتعبيرًا عميقًا عن مشاعري وتفكيري. كانت الغربة تشكل ذاكرة حية في قصائدي، حيث يمكنني أن أرسم للقارئ لوحات تجعله يشعر بمعاني الاغتراب والبحث عن الانتماء.

يظهر أن مواقع التواصل الاجتماعي قد أثرت بشكل جذري على منظومة الإبداع والثقافة. إنها مظاهر معاصرة من التفاعل البشري، حيث تعبر عن تداخل التكنولوجيا والروح الإبداعية. لكن بينما تتراوح تأثيراتها، لا يزال هناك تساؤلات معمقة تحوم حولها.

في عالم تغلفه سرعة الرد وسطحية التعامل، تبرز مواقع التواصل كساحات تتيح للأفراد وسائل فورية للتعبير عن آرائهم وأفكارهم. وبالرغم من توفيرها منصات مثمرة لتبادل الأفكار والإبداع، يجب أن نكون واعين لأن الإبداع ليس مجرد تسلية لحظية. إذ يتطلب الإبداع تعمقًا وتفكيرًا معمقًا في مختلف الجوانب والزوايا.

في هذا السياق، يظهر القلق بشأن سطحية المحتوى وضياع الزمن في التفاعلات السريعة. تذهب بعض الآراء إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي قد أفقدت الجمهور قدرته على الغوص في عمق المعرفة والاستمتاع بتجارب ثقافية أعمق. لذا، يجب أن يكون لدينا وعي تام بأن ما يعرضه هذا الإطار ليس سوى جزء صغير من الوجود الإنساني والفضاء الثقافي المعقد.

مع ذلك، فإن هناك ناحية إيجابية أخرى تتعلق بتوسيع الحوار الثقافي والتفاعل العالمي. يمكن لأفراد من مختلف الأصول والثقافات تبادل الخبرات والآراء بكل سهولة، مما يعزز الفهم المتبادل ويقوي الروابط الثقافية بين البشر.

بينما ننظر إلى الوراء ونستشرف المستقبل، ينبغي أن نتساءل: هل تعكف مواقع التواصل على تقديم لوحة للإبداع الحقيقي أم أنها مجرد ساحة للتسلية العابرة؟ هل نستخدمها بحكمة لتوسيع آفاق الفهم والتبادل الثقافي، أم أننا نغرق في سطحية المعرفة والاندفاعات العابرة؟

من جهة أخرى، يمكن أن تكون مواقع التواصل الاجتماعي مصدرًا للتحديات والشلليات الثقافية. فعلى الرغم من الإمكانيات الواسعة للتعبير، قد يتسبب التركيز المتزايد على الانخراط الاجتماعي الرقمي في تقديم محتوى غير عميق وسطحي. هذا يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التهميش الثقافي والتقليل من قيمة المحتوى الثقافي المعقد والعميق. علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي انتشار الأخبار الزائفة والمعلومات غير الدقيقة على هذه المنصات إلى تشويش الفهم وتشويه الحقائق.

ربما يكمن السر في التوازن بين الاستفادة من الإمكانيات الجديدة التي تقدمها تلك المنصات، وبين الحفاظ على روح التفكير العميق والتواصل الإنساني العميق. إذا استطعنا أن نمزج بين الاستجابة السريعة والتفكير العميق، فقد يكون لدينا مستقبل ثقافي يتسم بالغنى والتنوع، وفي الوقت نفسه يحتفظ بروح البحث والتساؤل.

بالرغم من تلك التحديات ينبغي تحقيق التوازن بين الإثراء الثقافي الذي قدمته وتلك التحديات والشللية فأنا على وعي دائم بأهداف نشر المحتوى الثقافي فهو ذو قيمة يساهم في إثراء الثقافة والمعرفة للجمهور ثم أن الاستماع لآراء القرّاء والرد على تعليقاتهم يعزز من العمق الثقافي للمحتوى. وفيما نقدمه نحدد المصادر الموثوقة وتنويع الأشكال والأساليب.

بالنهاية، التوازن بين الإثراء الثقافي والتحديات الثقافية يتطلب جهدًا مستمرًا وتكيفًا مع المتغيرات الثقافية والتكنولوجية. لنستمر في بذل الجهد لنقدم محتوى ثقافيًا قيمًا يساهم في تواصل أفضل وأكثر إثراءً على منصات التواصل الاجتماعي.

“يمكن أن تكون مواقع التواصل الاجتماعي مصدرًا للتحديات والشلليات الثقافية. فعلى الرغم من الإمكانيات الواسعة للتعبير، قد يتسبب التركيز المتزايد على الانخراط الاجتماعي الرقمي في تقديم محتوى غير عميق وسطحي”

(*) في 2017 أطلقت مجلة “نصوص من خارج اللغة”، حدثنا عن تجربة هذه المجلة التي تهتم بالنص الجديد وهل ستستأنف نشاطها مجددًا، بعد احتجاب بدا لافتًا في الآونة الأخيرة؟

مجلة “نصوص من خارج اللغة” عبرّت عن تجربة إبداعية فريدة في عالم النشر الأدبي. مثلت هذه المجلة مساحة ومنصة لتقديم الأدب بأبعاده المتعددة، حيث تضمنت ملفات شعرية وكتابات تتناول موضوعات مختلفة ومتنوعة. تم تأسيس المجلة برؤية جريئة وطموحة لاستكشاف الأصوات الأدبية من مختلف اللغات والثقافات، ومنحها منبرًا للتعبير عن نصوصها وأفكارها بحرية.

عنيت المجلة بنشر ملفات تتناول مواضيع معينة تختارها الإدارة وفقًا لتوجهاتها الأدبية والثقافية. من خلال هذه الملفات، سعت المجلة لتسليط الضوء على شخصيات أدبية وقضايا مختلفة من منظور أدبي متجدد، مما يخلق تواصلًا ثقافيًا مع القرّاء.

التزمت المجلة تقديم محتوى عالي الجودة يتميز بالتنوع والتجديد. فكانت النصوص مختارة بعناية وفقًا لمعايير أدبية وفنية محددة تحقق التميز والتجديد.

على الرغم من التوقف المؤقت، بقيت المجلة ملتزمة بمبدأ نشر الأصوات الجديدة والمتجددة على موقعها الإلكتروني، وسوف تعود بقوة لاستئناف نشاطها بعد فترة الانقطاع. هذه العودة يمكن أن تأتي مصحوبة بملفات شعرية وسردية تتناول موضوعات محددة، وقد تشمل هذه الملفات الشعر السويدي كموضوع رئيسي، مما يمثل فرصة لاستكشاف ثقافة جديدة وأصوات أدبية فريدة.

باختصار، جسدت مجلة “نصوص من خارج اللغة” تجربة مثيرة وجريئة في عالم النشر الأدبي. امتازت بتوجهها المتعدد اللغات والثقافات، وتسعى لتقديم محتوى إبداعي متنوع وأصوات متجددة.

“سبكترا” الترجمية

(*) أطلقت مؤخرًا، بمعية أدباء وكتاب عرب وسويديين، مجلة “سبكترا” الترجمية… ما الذي يسعى إليه هذا المشروع في سياق تفاعلات الحركة الثقافية الأدبية العربية – السويدية، وما هي التطلعات المستقبلية؟

مجلة “سبكترا: أطياف” هي مجلة أدبية فكرية تصدر في السويد، تسعى لتعزيز وإثراء الحركة الثقافية الأدبية في العالم العربي والسويدي، ولتمثل جسرًا بين هاتين الثقافتين المختلفتين. تهدف المجلة إلى تقديم محتوى غني ومتنوع يسهم في توسيع آفاق الفهم والتفاعل بين الثقافات.

ويكمن دور “SPEKTRA” في أن تعكس روح الإبداع والتجديد في الثقافة العربية من خلال نشر الأعمال الأدبية والفكرية والشعرية وترجمتها إلى السويدية لتشكل منبرًا للكتّاب والفنانين العرب لمشاركة تجاربهم وآرائهم. تسعى المجلة إلى تعزيز التفاعل والتبادل الثقافي بين مختلف المؤلفين والقرّاء. كما تسعى لتوسيع انتشار الأدب العربي من خلال الترجمة إلى السويدية، مما يمكّن القرّاء السويديين من الاستمتاع بمجموعة متنوعة من الأعمال الأدبية العربية.

أما دورها في الحركة الثقافية السويدية، فهي تقدم فرصة للقرّاء السويديين لاكتشاف وفهم الثقافة العربية على نحو أعمق وأشمل. توفر المجلة منصة لتبادل الآراء والمعرفة بين الثقافتين، مساهمةً في تعزيز التفاهم والتعاون بين السويديين والعرب. بالإضافة إلى ذلك، تعمل المجلة على ترجمة الأعمال الأدبية السويدية إلى اللغة العربية، لتمكين القرّاء العرب من الاستمتاع بمختلف أشكال الأدب والثقافة السويدية.

تطلعاتنا المستقبلية: نسعى إلى أن تتحول المجلة إلى مصدر للمعرفة والتفاعل الثقافي بين العالمين العربي والسويدي. نرحب بالتنوع والتعدد في المحتوى والأصوات، ونسعى لتعزيز التواصل بين الكتّاب والقرّاء من خلال منصة تُشجع على التفكير النقدي والإبداع. من خلال الترجمة، نتيح للقرّاء من الثقافتين التعمق في تجارب وأفكار الأدب والثقافة الأخرى.

باعتبارنا نافذة مفتوحة على عالمين متنوعين، نهدف إلى إثراء التفكير وتعميق الفهم المتبادل بين الأدب والثقافة العربية والسويدية، وبناء جسور قوية للتواصل والتبادل الثقافي في المستقبل.

(*) نسأل أخيرًا عن إمكانية استخدام تقنيات تعلم الآلة لتطوير أدوات تحليلية في مجال الأدب… ومنطلقنا هنا هو أطروحتك للدكتوراه التي عنيت بهذا الموضوع: ما الذي خلصت إليه الأطروحة وهل ستنشأ مشاريع نقدية على ضوئها؟

أطروحتي للدكتوراه تركزت على موضوع “إسنادية التأليف في الشعر العربي باستخدام تقنيات تعلم الآلة”. من خلال هذه الأطروحة، قمت بدراسة وتحليل كيفية استخدام تقنيات تعلم الآلة لتحديد وتمييز الأساليب الأدبية والأنماط المختلفة في الشعر العربي. استخدمت تلك التقنيات لتحليل مجموعة من القصائد ومعرفة المؤلف الفعلي لكل قصيدة.

من خلال بحثي، توصلت إلى نتائج مهمة تظهر إمكانية استخدام تقنيات تعلم الآلة لتطوير أدوات تحليلية قوية في مجال الأدب. كما تم تسليط الضوء على تحديات واجهتها تلك التقنيات في التعرف على الأساليب الأدبية المعقدة والمتنوعة في الشعر العربي.

أما بالنسبة للمشاريع المستقبلية، فيمكن أن تستند إلى نتائج الأطروحة لتطوير أدوات أكثر تطورًا في مجال التعرف على الأساليب الأدبية. يمكن أن تشمل هذه المشاريع دراسة تأثيرات استخدام تلك التقنيات على النقد الأدبي وفهم أعمق للأنماط الأدبية في الشعر وكيفية تطورها عبر الزمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى