تشتعل ذاكرة الثورة التعزية في مثل هذا الأيام، وتتقد فيها مشاعر الحرية، وهي تتذكر جريمة ادور العصر اليمني الحديث الجريمة التي ارتكبها. تشتعل ذاكرة الثورة التعزية في مثل هذا الأيام، وتتقد فيها مشاعر الحرية، وهي تتذكر جريمة ادور العصر اليمني الحديث الجريمة التي ارتكبها.
– لقد خرجت هذه المدينة يوماً لتنصب من روحها المخملية خيمة للمستقبل تظلل أحلام كل اليمنيين وبساط سحري سلمي ينقل اليمن إلى أفق الحرية وتخوم الدولة المدنية القائمة على المساواة والقانون.
– تستحضر اليمن عامة، وتعز خاصة، هول المشهد الفرعوني المروع وفظاعة الأخدود التاريخي وبشاعته النازية، مشهد الإنسان حين يطغى، والسلطة حينما تتأله وتعلن أنها الرب الأعلى، فتحرص على توزيع القتل بلا رادع من ضمير، وترسل هاماناتها وعبيدها لتحرق وتقتل، وهي تتلهى بمشهد الموت وترقص على آهات وأنين الضحايا.
– ذكري جريمة ساحة الحرية تختزل مشهد الإرادة اليمنية المتحررة من ضعفها والحرية المنطلقة من قيود عبوديتها وقوة السلمية المعجزة التي كسرت سلاح الاستبداد وبندقية السلطة في تحدٍّ للمألوف القائم في ساحات الصراع.
– نتذكر في لحظات هذه الزمن السماوي الذي منحه الشباب الحر فصلاً جديداً في كتاب التاريخ مسطوراً بحبر قانٍ نفيس، إنه قدر الوطن عندما يرنو نحو المستقبل ويعشق المعالي… قدر شاق لا يعرف المستحيل، ومضنٍ لا يستكين لأصوات المثبطين.. لكنه قدر محتوم للكرامة العزيزة، وخط ثابت للكبرياء الإنساني والأخلاقي في مسيرة الخلود… مشهد مختلف في لحظته وتفاصيله، مطرز بلون واحد من التضحية في أعلى مراتبها، ويتحرك بنغم واحد من الإقدام والجراءة، تجمعه ساحة واحدة تتداخل فيها ألوان الرجولة وشجاعتها، والمرأة وضعفها، والطفولة وبراءتها؛ لترسم بوروتريه تعزية نادرة…
هذه معادلة الانتصار في لحظة إقلاعها الحضاري النادرة، تتوازى فيها قوة العقل، وشجاعة السلمية، وأسطورة الإرادة، وصدق الحلم، وكبر الأماني.. معادلة تستحضر الماضي الأليم والحاضر المُر والمستقبل المنشود.
– برغم الوجع والدموع التي غسلت صدور الثوار في ليلة الأخدود التعزي تجلى لوعيهم فيما بعد أنها كانت النهاية المذلة والانكسار المخزي لسلطة مجردة من أخلاقيتها، فتحرق وتقتل وتقصف، إحساساً منها بمرارة الانكسار وقرب الرحيل، ومداهمة النهاية، وإفلاس الحلول، فالقوة السلطوية تقتلها رصاصاتها، وتعجل بنهايتها شهوة القتل والتدمير والإسراف بالطغيان، لم يستوعبوا درس الباستيل الذي لم تكن رصاصاته التي اخترقت جسد الثوار الفرنسيين سوى شعور طاغٍ بقرب النهاية، وانتصار إرادة التغيير وعشق الحرية..
هكذا كانت محرقة الأخدود التي أرادها (عفاش ذو نواس) نهاية للحلم وإحراقاً لأماني الأحرار، ليس في تعز فقط بل في اليمن، لما تشكله تعز من مركزية في الفعل الثوري التحرري.. تجلت قوانين التاريخ وسنن الثورات في الظالمين، فكانت واضحة وصارمة في فرض منطقها؛ ليذهب الطاغية بعد أيام غير مأسوف عليه في محرقة عائلية لم تمنحه شرف الشهادة، وأفقدته أوراق قوته، وأحرقت أحلامه بالصمود والتوريث.. إنها معادلة العدل الإلهي في الانتقام العاجل والقصاص الحق من الباغي؛ ليذهب “عفاش” وتبقى تعز وساحتها النابضة بالحياة ووهج الحرية حتي هذه اللحظة.
– تشعرنا ذكرى الأخدود التعزية اليوم ببشاعة الحقد المتراكم ضد السلمية أشعلت الربيع الحر في اليمن والعالم العربي؛ حيث أشهرت القوى الرجعية والإمبريالية سيوف عدوانها وحراب حقدها في وجه السلمية في كل في سوريا وليبيا وتونس واليمن ومصر تكالب كلاً من ورثة الشيوعية وكهنوت الشيعة والإمبرالية الأميركية والمال السياسي العربي القذر في عدائها ضد الجغرافيا العربية عامة، جغرافيا الربيع التي تمتلك من المؤهلات الحضارية السلمية ما يؤهلها لتكون منافساً حضارياً قوياً في الساحة الدولية، لقد تداعت بقايا الاستبداد الشرقي وسنده الغربي لنبقى في ساحة الحرب والاقتتال تستهلك الجهد والقوة ونكفر بالسلمية ومشروعها المدني، ونظل حاملين أسلحتنا في دورة انتقام تاريخي باسم القبيلة والطائفية والجغرافيا.
-لقد خطط الكيد العربي والعالمي إعلامياً وسياسياً وعسكرياً لدفن صورة السلمية في شوارع تونس وميادين مصر وساحات اليمن وحارات سوريا، ومحوها من ذاكرة التاريخ، واستبدالها إعلامياً بداعش العراق والدولة في سوريا وقاعدة اليمن وأنصار بيت المقدس مصر وأخواتها من مشاهد الذبح والحرق والتفجير؛ ليستعر الأخدود العالمي ضد الأحرار والمستضعفين في أرض الحرية ومشروعها الاستخلافي الإنساني في جغرافيا الربيع العربي الحر.
– جريمة الأخدود التعزي كانت تآمراً قذراً بين أبناء الهضبة السياسي والكهنوتي ضد جغرافية منزل الجغرافيا التي باسلت بشجاعة دفاعاً عن ثورة سبتمبر/أيلول وصنعة انتصار السبعين، الانتصار الذي لم يكن ليرضي جغرافية مطلع والمتمترسين خلف بشاعة المذهب والسلالة؛ لتبدأ منذ ذلك التاريخ تحالف السلطة العفاشي والسلالة المستترة في مفاصل القضاء والجيش على فكفكة تحالف الثورة السبتمبرية وإقصاء قياداتها.. والعمل على إعادة بناء منظومة الحكم وفق تصور جهوي مذهبي لضمان الاستمرارية والبقاء، استمر الإقصاء والتهميش والتحكم في مركز القرار خلال فترة الحكم العفاشي حتى اصطدم التنافس بين أسرتين؛ أسرة عفاش وأسرة بدر الدين في الحروب الست، ثم ليعاد توثيقه بتجلٍّ من جديد في قتال ثوار فبراير/شباط، أي كان جغرافيته ما دام رافضاً لسياسة عفاش وكافراً بأحقية البطنين في الحكم.
– معركة تعز اليوم معركة جيلين ومنظومتين، معركة المستقبل ضد الماضي، معركة الحرية ضد التبعية، معركة المساوة ضد الطبقية، معركة الشراكة ضد الإقصاء.. يجب أن نستوعب التاريخ ولحظته الفارقة، نحن أمام استبدال حقيقي لموازين القوى التاريخية التي لم يستوعبها الرئيس هادي وفريق حكمة جيداً واستوعبها المخلوع عندما تسرب عنه أنه آخر حاكم زيدي يحكم اليمن …
– تعز تقدم اليوم ضريبة المستقبل مقدماً وبالأمس قدمت ضريبة فبراير، وعليها أن تستعمل كل أدوات نضالها العسكرية والمدنية، وأن تتحول تعز وإب وعدن إلى أيقونة تلهم الشعب معاني اليمن الجديد المتألق بالحرية والمساواة والديمقراطية… تتحول لمشروع يكنس قذارات الدمار والقتل الذي خلفه المشروع الماضوي العنصري المتخلف، مشروع القتل والدمار الذي يكتم على أنفاس اليمن اليوم…
– محرقة تعز فتحت الوعي اليمني نحو البعيد الذي لم يستوعبه الساسة فهي ليست قضية حقوقية وقانونية مرتبطة بالعدالة الانتقالية، وليست قضية سياسية مرتبطة بالخصومة مع حاكم عارٍ من القيم أنها معركة الإنسان من أجل إنسانيته وكرامته، معركة تصدير ثورة فبراير إلى العقل اليمني، وترسيخ جذورها وتحويلها لعقيدة مدنية، لا يتصور غياب معانيها، ولذا سيظل الأخدود ملتهباً حتى يأذن الله بانتصار المؤمنين بقيم فبراير الثورة والمستقبل.
هافينغتون بوست عربي