الأخبار الرئيسيةغير مصنفكتابات خاصة

راعي في جبل جرة (1)

أحمد عثمان

يقول الحاج علي، وهو واحد من أبناء المنطقة المحيطة بجبل جرة ” في الجبل سر الإنسان ومدى قوته عندما ينهض، وصلابة عناده عندما يتحدى”ويسترسل الحاج علي”  في هذا الجبل كما في كل مواقع المدينة وقرى المحافظة، روح الإنسان اليمني تجلت وبرزت حقيقة قوة إرادة أبناء تعز”. يقول الحاج علي، وهو واحد من أبناء المنطقة المحيطة بجبل جرة ” في الجبل سر الإنسان ومدى قوته عندما ينهض، وصلابة عناده عندما يتحدى”ويسترسل الحاج علي”  في هذا الجبل كما في كل مواقع المدينة وقرى المحافظة، روح الإنسان اليمني تجلت وبرزت حقيقة قوة إرادة أبناء تعز”.
في الجبل مخزون من الحكايات التي تزاحم المجد وتناطح هامة الزمن.. هنا منجم نفيس حقيقي بحاجة إلى جهد لإخراجه للتاريخ.
(العم  عبده) راعي في الجبل وهو بذاته لغز حقيقي؛ فهو عندما يتكئ على جدار ويحدث نفسه تكون لغته رصينة  وكأنه خريج جامعة عريقة وعضو في مجلس قيادة الثورة السبتمبرية في الستينيات، لكنه سرعان ما يخرج من حالته هذه إلى حالته الطبيعية التي عرفها الناس في جبل جرة قبل وبعد المعركة وتحول التلة إلى أكبر جبال المجد.
العم  عبده يشبه الجبل في غموضه وأسرار أحواله..كل ما يعرفه الناس عنه  أنه رجل مسن في السبعينات من عمره يقضي أيامه في رعي الماعز والأرانب بالجبل، في الغالب يجلب لها العشب وبقايا الطعام إلى حوش منزله المتواضع الذي يعيش فيه وحيدا عدى أرانبه وأغنامه التي يعيش معها وبها. بسيط في حديثه وحركته كأي راعي أغنام.
عندما صعدت المجموعة الأولى من شباب المقاومة، لا يتجاوز عددهم العشرة بزي اللواء 35 الذي أعلن وقوفه مع الشرعية  في أول انتشار في مواقع المدينة، صعد أكثر من ثلاثين فردا بسلاحهم، بعضهم من سكان الجبل والحارات القريبة، كانوا مدفوعين من جماعة عفاش وادعو أحقيتهم بحماية الجبل، مطالبين شباب المقاومة بالانصراف.
كان العجوز  الراعي يرسل أول تجلياته عندما أشار الى شباب المقاومة بأن( هولاء أعداء لاتصدقوهمش أصحاب علي عبد الله صالح) نطق الاسم وكأنه يعرفه جيدا أو زميلا له في إحدى معسكرات ستينات القرن الماضي قالها ومضى وعاد ليهش على غنمه، هكذا يبدو وكأنه واحد من رجالات المخابرات في حروب التحرير العالمية، و كان ماقاله الراعي عبده  عن المسلحين هي الحقيقة لقد عولج الأمر وطلب الشباب تعزيزات وحضرت دبابة في مدخل الجبل فتبخر المسلحون الذين قالوا بأنهم سيتكفلون بحماية الجبل بهدف الالتفاف على المقاومة وإنزالهم منه.
 كانت هذه عربون صداقة غير معلنة بين الجبل ومقاومته وراعي الجبل الغامض.
مضت أشهر وجبل جرة صامد تحول الى أسطورة ..كان الهجوم كل ليلة ثم تحول كل ثلاث أيام في الاسبوع، وفي كل هجوم كانت المدينة ومتابعي المعركة ومحبي تعز واليمن في الداخل والخارج  يمسكون على قلوبهم أمام القنوات و شاشة التواصل الاجتماعي.
 ابتداء يأتي الخبر:
 هجوم كاسح من كل الجهات على جبل جرة والقذائف تحرق كل شبر، وتستمر المعركة أحيانا،وتبقى متواصلة حتى الفجر، ولاتنام المدينة والمتابعون إلا بخبر مثل:
 الحمد لله كسر الشباب الهجوم في جبل جرة وجثث الحوثيين متناثرة على جوانب الجبل.. خبر يكاد يكون متكرر خاصة في  الأشهر الاولى.
وعادة مايبدأ بكتابة ماتبقى من السكان القريبين في الجهة الجنوبية بخبر على صفحاتهم في التواصل الاجتماعي مثل :
الليلة هجوم  غير مسبوق و الجبل يحترق
–هل سيصمد الشباب ادعوا لهم بس؟!
وآخر: اليوم ليلة مختلفة لا أعتقد أن الجبل سيصمد حسبنا الله ونعم الوكيل.
الذخيرة ستنفد.. الشباب تُركوا دون دعم .. اللعنة !
 عند الفجر يتلقى الناس خبراً مألوفا مثل :الله أكبر لقد حقق الشباب في جبل جرة المعجزة!
كان الجبل يعصب  عمامة  الحرب والتحدي  ليلا مقطبا جبينه ليفردها عند فجر كل صباح مبتسما يتنفس النصر بشباب هم قوة الزمان وخلاصة القوة.
وفي كل هذه الأحداث كان العم عبده حاضرا في قلب المقاومة صديقا مألوفا لدى الجميع يقدم خدمات متعددة ..يقدم الماء للمقاومين في المواقع ..والأكل إذا وجد،ويخص بعضهم بحليب الماعز،فقد كان يوزعه على طريقته التي لاتلفت النظر كصدقة السر ويختار زبائنه بعناية بحسب الحاجة وكأنه مشرف الخدمات يساهم بجمع الحطب عندما تحول إلى مادة أساسية وأفضل شيئ كما قال المقاوم “عبد الرحمن” ابتساماته التي كان يوزعها وبأسلوب يرسل الطمانينة والثقة ويوحي بالنصر ويشعرنا بالفخر والاطمئنان.  
ومع هذا فقد كان العم عبده غريب الاطوار فهو بقدر حماسه لخدمة المقاومين وتسديد النصائح العابرة والثمينة كان منطويا وغامضا وفي عينيه حزن ظاهر وتقاسيم أشبه بقصيدة بكاء وشجن مخلوطة بقهر مزمن!
ومايزيد من غموضه خروجه أحيانا عن سجية الراعي إلى شخصية الخبير العسكري وصاحب تجارب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى