كارثة أو بحجم الكارثة، تلك التي أقدم عليها الحوثيون قبل يومين، عندما أعلنوا قائمة بأكثر من 60 أكاديمياً من المفصولين عن وظائفهم في جامعة صنعاء، أكبر الجامعات اليمنية. كارثة أو بحجم الكارثة، تلك التي أقدم عليها الحوثيون قبل يومين، عندما أعلنوا قائمة بأكثر من 60 أكاديمياً من المفصولين عن وظائفهم في جامعة صنعاء، أكبر الجامعات اليمنية.
هي على ما يبدو الدفعة الأولى من دفع لاحقة، قد تطال الأكاديميين الذين يتبنوا موقفها مناهضاً من الميلشيا، أو دفعتهم الظروف للابتعاد عن الجامعات منذ جائحة إسقاط صنعاء في 21 سبتمبر 2014.
لا يمكن لأي سلطة غاشمة أن تداري حمقها وهي تقتحم الجامعات، أو تقحمها في مجريات الأحداث أو تجعلها رهناً لإرادة سياسية شائهة، ناهيك عن أنها أصلاً سلطة أمر واقع لا شرعية لوجودها ولا يترتب على كل ما تقوم به أثر قانوني..
الجامعات هي المساحة المصانة من الحرم الوطني الكبير، وقديماً كانت “هجر العلم” مواقع محايدة في حروب الدول والعشائر.. لأن العلم قرين الحرية والاستقلالية.
ما يحدث هو محاولة لكسر شوكة الجامعات وإرغام لأنف الأساتذة والأكاديميين، وإلغاءٌ متعمدٌ ومدروسٌ للمسافة الفاصلة بين مهمة الأستاذ ومهمة القاتل المأجور، وهو إجراء يعتقد الحوثيون أن من شأنه أن يكافئ القتلة المأجورين الذي يحملون على أكتافهم المهترئة وبنادقهم الصدئة، دولة الأمر الواقع حتى وهي تتآكل وتفقد عناصر قوتها أمام هذه المواجهة الحاسمة بين الشعب وبين الميلشيا.
يتصرف الحوثيون كقوة طارئة في ساحة تضيق بوجودهم يوماً إثر يوم. فبعد أكثر من عام على وجودهم في صنعاء، يسيطر على الحوثيين إحساسٌ مر بالرحيل الوشيك.
لكن ذلك لم يمنعهم أبداً من التصرف وفق منطق الكهف، حيث يعتقدون أنهم لا يزالون يقومون بمهمة تفويض إلهية بتمكين المتشبثين بأستار السلالة بحثاً عن حق مزعوم في الحكم من دون أبناء هذا البلد.
هذا الادعاء المقيت الذي إن علم به حكماء اليونان عندما كانوا يشرعون للدولة الديمقراطية منتصف الألف الأولى قبل الميلاد، ربما تسبب في صدمة لا يتحملها أولئك الأحرار الذين استحقوا عن جدارة أن يكونوا أساتذة وحكماء الإنسانية.
ادعاء السلطة القائم على مبدأ الحق السلالي يعتبر في نظر هؤلاء مسوغ كاف لما ارتكبوه ويرتكبونه من جرائم حتى اليوم، وبالأخص هذا التجريف الذي يستهدف المؤسسات، ويشكل أحد مظاهر العقاب الذي يمارسه “الإمام” الموعود وهو يشق طريقه ويطوي المراحل لبلوغ هدفه في الحكم بأي ثمن.
وبالقدر نفسه يمثل الاستيلاء على موارد الدولة ومؤسساتها وتصفيتها من الكوادر العليا والوسطية، وإقصاء حتى الشركاء الأقرب في معركتهم وهم أعضاء المؤتمر الشعبي العام، أحد مظاهر الإيذاء الجماعي لليمنيين لمجرد أنهم قرروا ذات يوم الخلاص من سلطة الإمامة ودفنها إلى الأبد
الجامعات تشكل أحد مواقع المواجهة المتقدمة مع التخلف والماضي البغيض باعتباره أحد تجليات الإمامة المقبورة، ولهذا قرر الحوثيون على مشارف الهزيمة أن ينالوا من هذه الجبهة، وأن يوقعوا العقاب بأساتذتها وكوادرها.
وفي الحقيقة ما كان للميلشيا أن ترتكب هذه الحماقة لولا واشنطن التي بقيت مصرة على إبقاء سلطة الشرعية منقوصة، وتمكين الميلشيا من أهم مظاهر السيادة التي تمس حياة الناس وتتحكم بأقواتهم ومصائرهم، إنها السيادة الاقتصادية والتحكم بالمالية العامة.
تلك كانت هي الكارثة، التي أبقت الميلشيا ممسكة بصنعاء حتى اليوم ولولا هذه الحماقة الأمريكية وإن شئنا قلنا الأنانية لما حدث ما يحدث اليوم، ولما وجدت الميلشيا من يقاتل في صفها أو يباركها، ولكانت خزينتها والأموال الإيرانية التي تأتيها من إيران والحوزات قد نفدت، والحال كذلك بالنسبة لأموال المخلوع صالح.
خزائن البنك المركزي اليوم لم تعد تكفي الميلشيا، ما دفعها إلى إطلاق كلاب على الناس إلى حد يمكن القول معه دون مبالغة أن قسم من آلاف المعتقلين، تعرضوا للاعتقال لدوافع مالية وليس لدوافع سياسية، وهذا يفسر كيف تحولت حرية المعتقلين مجالاً للمساومة ولجني ملايين الريالات كفديات تتكبدها عائلات المعتقلين.