ثمة إعلاميون يتعاملون مع المقاومة بمثالية مرضية تجور عليها كثيرا وتجعل منها هدفا للاتهام والإدانة والريبة والشك.
ثمة إعلاميون يتعاملون مع المقاومة بمثالية مرضية تجور عليها كثيرا وتجعل منها هدفا للاتهام والإدانة والريبة والشك.
تحتاج المقاومة إلى نقد متواصل لكنها تستدعي أولا التفهم والتعامل من قلب الحالة المقاومة لا من خارجها ابتداء.
هذه المادة تقف على صور من المواقف السلبية التي وسمت تعامل عديد من إعلاميي الثورة والقادمين من قلب الساحات والميادين الثورية الصاخبة
يدرك زملاء الكلمة وصناع الرأي أننا نتحدث عن العمل الصحفي والإعلامي في سياق استثنائي وخاص، وأن أداءنا الآن مرتبط بالثورة والمقاومة أو يفترض أن يكون هكذا إعلاما يتجاوز الأداء المهني المجرد إلى مهام تعبوية تنويرية وتثويرية مقاومة ذات طابع سياسي في المقام الأول.
بعض الزملاء للأسف تماهوا مع موقف “مناصفينا” المفروضين والذين حاولوا تعويض خسرانهم نصف الحكومة وهم في الواقع أكثر من ذلك بكثير حاولوا التعويض باحتلالهم المعارضة على نحو مبكر بالطبع
بعض زملائنا دخلوا مع هذا النصف الفاسد في تنافس على معارضة المرحلة بمكوناتها الحاكمة وتناسوا أنهم يدفعون لتعرية قوى التغيير التي انخرطت مضطرة في التسوية وتحملت الكثير من أعباء الفساد من أجل إنجاز ما اتفق على إنجاز اندفع الكثيرون لإثبات تجردهم المهني قبل أن نجرد قوى الاستبداد من قوتها وسلطتها ونفوذها الراسخ في بنية النظام ومفاصل الدولة والمجتمع.
وبدا الأداء الصحفي المعارض متجها صوب تعرية هذه المشاركة الجزئية لقوى الثورة وتكريس الوعي بفشلها وبخيانتها وتواطئها وصمتها على نحو أضعفها وأفقدها ثقة الشارع وجردها من كل شيء.
ظل البعض يلح على عدم التماهي مع الحكومة والنظام وكأن هذه المنظومة الطارئة قد صارت حالة ناجزة يمكن معارضتها من أي موقع كان.
أدخلنا إعلام صالح والحوثيين في معركة ليست معركتنا واستجبنا لتحدي إثبات المصداقية وعدم التحيز من قبل كائنات موصومة بلا شرف عاشت تطبل للاستبداد والفساد عقودا مديدة.
وتناسينا أننا قبلنا بالتعامل مع فساد هو ليس فسادنا وأعباء هي ليست أعباؤنا وفشل عميق قديم لا يسهل نبشه وتحريكه بما لدينا من إمكانات وحضور يكاد يكون هامشيا إذا قورن بحضور المنظومة العتيقة،
وتورط البعض في مثالية ساذجة ترى الأخطاء الإجرائية جرائم كبرى
تستوجب اللعن متناسين أن كل هؤلاء الذين يشنون الحملات على بعض وزراء المشترك لأتفه الأسباب هم سبب رئيس في كل هذه الأزمات التي خنقتنا وأعاقت المسار عموما.
نريد عملا صحفيا وإعلاميا يستبطن تحديات المرحلة الراهنة
عملا لا يقطع صلته بالثورة ومفاعيلها ولا يتخلى عن مواصلة دوره التغييري بتحوله إلى معارضة قبل أن تصل الثورة والمقاومة إلى القليل مما تؤمل.
نريد عملا لا يستهدف تعرية الأحزاب التي مثلت الحامل الحقيقي للثورة والضامن الأكبر للتسوية السياسية. والحامل الأساس للمقاومة المجتمعية
ما كان يقوينا بالأمس كصحف معارضة وإعلام هو وجود الأحزاب
كنا نحن مصدر قوتها في القول وكانت هي ترجمان قوتنا في فضاء الفعل. وحين نستهدف الإجهاز على هذه الأحزاب وهي تؤدي مهمة استثنائية فرضتها الضرورة ولا تصلح معيارا للحكم عليها ولا مختبرا حقيقيا لها على صعيد الحكم. عندما نجهز على أدوات الفعل هذه ونحن مكشوفون أساسا وننطلق من فراغ هائل فمن نخدم يا ترى؟ غير الإنقلابيين ومن ياترى. غير المجموعات البدائية الرثة المستفيدة من تخلخل الثقة بالأحزاب السياسية التي ندبناها لمهمة تستدعي الإسناد والتعزيز؟
دافع إعلام صالح عن أخطاء وخطايا ثلاثة عقود من الحكم ولم نكن مستعدين للدفاع عن أحزاب معارضة التشارك جزئيا في إدارة بعض المؤسسات ضمن مرحلة هشة صعبة وخطيرة.
الثورات وحركات المقاومة تستدعي إعلاما مؤازرا مساندا داعما يكشف الحقائق بما يقوي فعل التغيير لا بما يضعف المسار برمته. إن النظر إلى هذه الظروف بمثالية أمر يجافي العقل والمنطق وسذاجة مضرة لا تنتصر إلا للفوضى ولا تقوي غير العبث واليأس العام.
أنا أسأل هل يمكننا أن نقدم أداء صحفيا وإعلاميا ناقدا وكاشفا يدافع عن الحياة السياسية بمكوناتها الرئيسية الفاعلة والمناهضة للانقلاب ويحاذر تقديم روافع التغيير هذه كحالات خيانية تواطئية وبما يوسع الهوة بينها وبين الجماهير ويضعف الثقة بها تمامًا؟
هل يمكننا أن نقدم عملا متناغما ومتوازنا نؤدي فيه أدوارا تصب في صالح تقوية المسار وإضعاف وإسقاط الانقلاب وإحباط كل المؤامرات المضادة؟
هل يمكننا وقد ضحينا بالعدالة مقابل الحل السياسي أن نضحي بقليل من المثالية الضارة؟
كان المشترك في أدبياته وخطابه العام يحذر على الدوام من المشاريع الصغيرة وأصحابها والمقلق اليوم أن نشهد عودة المشاريع الصغيرة والحقيرة والمدمرة إلى الواجهة بكل صلف وعنفوان مستغلة حالة الفراغ التي تبدو عليها الساحة حيث يخلي المشترك مكانه على صعيد المعارضة لتقفز تلك المشاريع إلى الواجهة وتراها فرصة سانحة للصعود يساعدها المزاج الحاد الناتج عن هذا المخاض العسير والمضني، يعينها كذلك الأداء السياسي المشلول والضعيف غير المستوعب للتحديات الكبرى كما يسندها إعلام هزيل يغرق في الجزئيات ويرى أنه ربما يشكل المعادل الموضوعي للمعارضة المنتقلة قسرا إلى مربع الشرعية في مواجهة انقلاب غاشم على الأرض وهنا يبدأ الإشكال. إذ نقف إزاء معادلة مختلة ضمن ظروف صعبة وركام من المشكلات العصية وانقسام مجتمعي حاد وارتهانات خارجية وبقايا نظام وخرائب دولة ومنظومة قديمة تتحكم في العمق بصورة تستعصي على الفهم في كثير من الأحيان
هنا على إعلام الثورة والمقاومة ألا يتخلى عن مهماته الوطنية عليه أن يحمي خيارات التغيير وأدوات الفعل، قوانا الوطنية يجب ألا تتحول إلى هدف لم يحن الوقت لكي تدركها لعنة الحكم، هي الآن لا تزال في مسار التضحية تعاني من تبعات الدور الذي قبلته بمبررات وطنية محضة
وهي الآن في هذا المربع قابلة للاستضعاف حيث تتقلص خياراتها في الرد والدفاع عن ذاتها بمقتضى الضرورة. وهي الآن أقل قدرة من أن تعطي وتمنح الناس كل ما يأملونه، وهي الآن في اختناق شديد تبعا للاختناق العام وكل استهداف لها أو لشركائها الفاعلين إنما يصب في صالح إنعاش المشروعات المدمرة الناقمة وتسويقها لشارع يائس وجاهز للارتكاس المعادلة صعبة.
حلف الانقلاب والمشاريع الانفصالية الفوضوية داعش والقاعدة والوسائل الإعلامية المضادة والأخرى الممولة من دول وجهات خارجية والانحيازات المجتمعية الفادحة، جبهات حرب مفتوحة ومخاطر تحوم حول وطن مثخن ينتظر عداته فقط إزاحة حراسه وحماته الحقيقيين كي يتم الإجهاز عليه بالكامل.
نقلا عن الشرق القطرية