كتابات خاصة

الجراحات النبيلة

أحمد الرافعي

في أيام حكومة الوفاق اتخذ المخلوع وإعلامه من قصص الجرحى الموغلة في البؤس مادة اقتنصها في غفلة تغاضينا السقيم؛ وتحولت قصص الإهمال والفوضى لملف الجرحى إلى أسهم في كنانة إعلام الثورة المضادة. يجيء الليل وهل مر يوم ما جاء فيه الليل!
يسبح الفكر في أعماق الذكريات
يتشكل في قلبي أنا الموثق بجراحي: محطات انتظار للمرارات القادمة..
لا شيء في الفضاء المسيج بالاحتمالات ت الواهنة للشفاء سوى هشاشة عبارات المواساة التي يضعها الزوار في أذني على عجاله، وسوى رجاءاتنا بالله الرحيم. وعزاءاتنا التي يمنحها وفاء الرفاق لنا.
أنا يا قارئي:
أحد من أدمت بنانه أشواك الطريق
 نحو فجر الوطن.
على السرير يقاوم جسدي منذ عام.
مع الجرح يصبح الكون هو السرير!
يقاوم!!
قدرك أيها الجريح أن تقاوم متجولاً في أرض المعركة وأن تقاوم وأنت طريح الفراش.
لمشاريع المقاومة ملفاتها الباهظة الكلفة بالمنطق المادي 
لكن أهمها بمنطق الشرف المقاوم: هو الرعاية المحتفية بمن سقطوا جرحى في ميادين الكفاح والنضال. هذه الرعاية التي نتوزع نحن اليمنيين في سبيلها الأدوار في كل مساحة ممكنه لخدمة هذه القضية.
وإن جاز أن نلتمس العذر لقيادات المقاومة في تقديرات أو سياسات المقاومة ومقارباتها في إدارة الصراع أو التماس الحل السياسي. فإن منطق التشديد الحازم الصارم هو ما ينبغي أن تسمعه قيادات المقاومة وصناع القرار فيها حين يتعلق الأمر بحساسية ملف الجرحى.
 وإن كان الجريح شخص أخطأت الرصاصة طريقها نحوه أو أنه نجا من الرصاص ببراعة التفادي أو ذكاء المناورة.
فهل يستقيم أن نلجأ هذا الجريح لهذا القول النادم (يا ليت الرصاصة لم تخطئ طريقها)!
عبر المتنبي بتكثيف موجع عن هذه اللحظات:
(كفى بك داء أن ترى الموت شافيا
وحسب المنايا أن يكن أمانيا)
من النصح والنقد ما يكون قاسيا ومباشراً خاصة وإن تعلق الأمر بشرف المقاومة وسمعتها وأخلاقها التي على رأسها الوفاء.
وهذه السوداوية في الخطاب التي قد تلقى من البعض تقييما لها بالمبالغة الا أن الإنذار من هذه المخاوف التي تتردد في نفس كل مهتم بشأن المقاومة. تجعل من المهم إيرادها بهذا التشدد.
 ولعله تكفي حالة واحده ليفزع المرء إثرها ويقرع جرس النذير.
في أيام حكومة الوفاق اتخذ المخلوع وإعلامه من قصص الجرحى الموغلة في البؤس مادة اقتنصها في غفلة تغاضينا السقيم؛ وتحولت قصص الإهمال والفوضى لملف الجرحى إلى أسهم في كنانة إعلام الثورة المضادة.
  وليس الذي نرتجيه ونحذر من إهماله يتجاوز قدراتنا الأرضية المادية فباستطاعة كل فرد مقاوم فعل الكثير. كما أن لجرحانا العظماء إيمانهم المتصالح مع أقدار الله ولعقولهم تقديراتهم السوية للحكم بالتقصير في حقهم من عدمه. ولهم ابتداء نفوسهم العظيمة التي تدرك أن هذه الجراحات ثمن انحيازاتهم النبيلة.
وفي خضم حديثنا عن هذا الملف: يتقدس اسم كل الذين احتفظوا بحسهم المرهف وشعورهم المتضامن المسئول في الفضاء المقاوم تجاه آلام التضحيات التي يسكبها جرحانا.
الجريح له نصف حياة يتشبث بها ويصارع من أجل الظفر بها.
وله نصف موت يتمنى أن ينحسر عنه ليعود إلى الحياة ويرى الصباحات التي نسجتها جروحه.
وفي إقرار المصطفى لعائشة حين استدركت (كلنا يا رسول الله نحب الحياة ونكره الموت)، ما يضئ الفهم لقبول هذا المنطق المتشبث بالحياة.
والواجب يحتم علينا إذاً ألا نألوا جهداً معينا للجريح يدفعه نحو الخيار الأول، ويبعده عن الخيار الثاني.
وذلك هو مقتضيات الولاء النضالي في اقتسام الأنين والمعاناة والسرعة في إنتاج الحلول لرفقاء درب الكفاح.
هذه الحلول التي ينتجها كل المؤمنين بخيار المقاومة في مساحاتهم التي يعملون فيها أو تمكنهم من الفعل الإيجابي المنصب في ترسيخ مفاهيم الولاء النضالي.
وسيصبح هذا الولاء هو كلمة السر التي تشعل حماسات كل السائرين في درب المقاومة، وستهون عندها التضحية وسترى الاندفاعات الوثابة للجيل المقاوم وقد قطعت كل الجواذب التي تشدها إلى الخلف وتكبح حنينها نحو الفداء.
يحتاج الجرحى والحال كذلك إلى توجه عريض في استراتيجيات المقاومة وإعلامها عنوانها الدعم النفسي والإحاطة الحانية والتردد الإيجابي والزيارات المساندة.
كما أن إظهار تضحياتهم الصامتة للعلن يعتبر جزء من رد الجميل تجاههم.
 لحظات الإقدام التي ساقت أبطالنا الى كهوف الجراح هي اللحظات التي تصنع الانتصارات وتغير المعادلة.
وهذه القصص تستحق منا بالغ الاحتفاء والوقوف أمام جلالها بخشوع.
لا أن نرمى بجرحانا في صحراء الوحدة فنفتح
عليهم أبوابا كثيره من الضياع. والحاجة الى الإعانة
وفقدان الإيمان والوساوس المثبطة.
الأوطان التي تنعم بالهدوء والسلام هي نتائج لمقدمات شكلتها مسيرات من التضحيات الباهظة.
يشل الجريح ليطير الوطن نحو المستقبل الوافر بالصحة.
الجريح الذي قدم نفسه بسخاء، هو الدرع الذي حمل الثقوب في جسده بديلاً عن الوطن..
يطلق الفدائي تصريحاته:
جروحا في فضاءات البأس والتحدي، ويغدو الجرح هو الناطق الرسمي باسم المقاومة!
جرحانا هم من حولوا أمنياتنا إلى واقع مقاوم يدافع عن خياراتنا التي لولا جراحهم التي تصرخ بالألم لتجلطت الأمنيات ودخلت إلى رفوف الأرشفة أو سقطت في بئر النسيان.
قفوا يا رفاق الكفاح في حضرة الجريح، وانهلوا من هذا الجسد الساكن، ما يمنحكم طهور الصلاة في محراب الكفاح.
 يتساقط الجرحى من الطرف الآخر، لكن نبل جرحانا يصنع الفرق.
الجراح النبيلة هي التي تخرس أصوات التشكي والأنين، لئلا تسلم مشاريع المقاومة للاستهداف والسخرية، والاستغلال المغرض.
وهي التي تختار الفناء على أن تصبح فتحة الجدار الذي يطلق منه العدو مدافعه نحو مشاريع الفداء والنضال.
رباه ما كل هذا النبل المترفع الواعي! 
ليس الجريح بحاجه إلى أن نتحول إلى قلوب مشفقة رحيمة، بل يحتاج منا أن نصبح قلوباً وفية؛ إذ أنه لا أمر على نفس من ضحى: من شعور الخذلان.
أتدرون عن الخذلان؟!
الخذلان هو السلاح المجاني الذي تمنحه لأعدائك. وهو صوت الفضيحة الذي يرجع صداه على هيئة تأخير نصر أو غلبة عدو أو عقوبة تضعها في طريقنا السماء العادلة.
لجيل المقاومة الممتد في طول اليمن وعرضها، ضمائرهم الحية ونباهتهم الواعية التي تجعلنا نثق في التعاطي الجدي المسؤول مع كل الأصوات التي تحذر من، أو تدل على مساحات الغفلة والانحراف.
ولكل جريح
وردة وفاء صادق.
واعتراف بالحب والفضل والامتنان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى