كيف يستعيد اليمن دولته ووحدته وسيادته؟
أحمد الأغبري
ما ذكره رئيس مجلس القيادة اليمني، رشاد العليمي، في خطابه عشية عيد الأضحى، من أن جهود السلام لم تحقق أي تقدم حتى الآن، يدفع للسؤال عن الأسباب التي تقف وراء الجمود الراهن والاتجاهات التي قد يذهب إليها البلد في حال استمر هذا الوضع، وقبل ذلك يجدر أن نطرح سؤال اللحظة: كيف يستعيد اليمن دولته ووحدته وسيادته؟
وهو سؤال صعب حقًا، لكن الإجابة عليه متاحة متى ما استشعرت أطراف الصراع أنهم جزء من مكونات وأطياف هذا البلد، وعليهم التنازل لبعضهم، وتحقيق المصالحة، وتقاسم السلطة وصولاً إلى الانتخابات، واشراك الجميع في الوصول إلى القرار، الذي يستعيد، من خلاله، اليمن دولته الواحدة وقراره السيادي.
في كلمة ألقاها في النسخة الثانية من منتدى اليمن الدولي، الذي انعقد في لاهاي خلال 12-15 حزيران/يونيو حدد المبعوث الأممي الخاص لليمن، هانس غروندبرغ، بعض ملامح الوضع الراهن في البلد، وما تعانيه عملية السلام، وما تتطلبه لتمضي للأمام؛ إذ أكد أن الطريق نحو السلام سيكون طويلا وصعبا «نظرا لعمق غياب الثقة بين الأطراف» معتبرا التفاوض هو الطريق إلى السلام، لكن هذا التفاوض يحتاج من أطراف الصراع إلى «تقديم تنازلات ضرورية وصعبة لوضع نهاية للنزاع» و«التحول من عقلية الرغبة بانتصار الطرف الواحد، إلى تغليب مصلحة اليمنيين واليمنيات ككل».
كما ذهب غروندبرغ إلى التحذير من تأثير ما يشهده البلد حاليًا من تصعيد في الحرب الاقتصادية، وما رافقها من اتخاذ تدابير تصعيدية مضادة بالإضافة إلى حوادث مزعزعة للاستقرار في عدة جبهات وما رافقها من تصعيد في حدة الخطاب، معتبرا ذلك «تذكرة واضحة بهشاشة مكتسبات السنة الماضية» مطالبا الأطراف «التحلي بالشجاعة والإحساس بالمسؤولية».
ثمة إيحاء فيما طرحه المبعوث الأممي ببعض اليأس، لكنه في ذات الوقت حمّل الأطراف مسؤولية التعثر المستمر في قطع خطوة حقيقية للأمام يمكن البناء عليها في الذهاب نحو السلام، وهذا أمر طبيعي مرتبط بتقديم تنازلات؛ فأطراف النزاع في اليمن متمسكون بما يريدون؛ وللأسف ما يريدونه هو عدم الاعتراف بالآخر، بمعنى أن الطريق للوصول إلى اتفاق مقبول لتقاسم السلطة مبدئيًا ما زال صعبًا؛ فالمرجعيات الثلاث التي يتضمنها خطاب الحكومة المعترف بها دوليًا لا تعترف بالحوثيين؛ والأخيرين أيضًا لا يعترفون بالحكومة ويرون أنهم مرتزقة يتبعون التحالف. هذا الأمر يضع التفاوض في مأزق، بل يمكن القول إنه لا توجد أي بوادر لتحقيق السلام في الوقت الراهن على الرغم من الهدنة شبه الرسمية المستمرة منذ تشرين الأول/اكتوبر الماضي، بل يبدو الأمر صعبًا للغاية في حال انطلقنا مما قاله المبعوث الأممي في كلمته المشار إليها آنفًا، إذ يؤكد أنه «لا يمكن تحقيق ذلك السلام إلا بإشراك مختلف أطياف المجتمع اليمني من جميع انحاء البلاد في العملية السياسية بمشاركة كاملة فعلية للنساء والشباب، ذلك السلام يتطلب منح اليمنيين واليمنيات المساحة اللازمة للتصدي للأسباب والمظالم الجذرية للنزاع سعيًا لإنهاء دوامة العنف» بينما يقول الواقع أن اشراك كل أطياف المجتمع اليمني من جميع أنحاء البلاد ما زال خارج رؤية الأطراف للسلام؛ فالسلام ما زال محصورًا في تحقيق ما يريده كل طرف؛ ما يعني أن الطريق ما زال طويلاً للوصول إلى تسليم مقاليد السلام إلى كافة أطياف المجتمع اليمني، باعتبارهم أصحاب القرار فيمن يحكمهم، ويدير أحوالهم، وصولاً إلى الانتخابات.
تصادم الإرادات وتعارض المصالح
هنا نسأل: ما الذي يعوق تحقيق السلام، فبعد تسع سنوات من الحرب ثمة احتمال بأن يدخل النزاع عقدا ثانيا مع أصرار كل طرف على شروطه التي لا يبدو معها أن ثمة سلاما قادما في مقبل الأيام، بل إن كل طرف ما زال يعتبر اليمن حقا حصريًا عليه، وكل يرفض تقديم أي تنازلات؟ يقول نقيب الصحافيين اليمنيين الكاتب والمفكر عبدالباري طاهر لـ«القدس العربي»: «المأساة أو المأزق أن أطراف الصراع كُثُر، وميليشياتهم أكثر، وهم موزعون على الخريطة الجغرافية، والسياسية، والجهوية، والقبائلية، والطائفية. وهذه الأطراف المحلية الكثيرة مرتهنة للتمويل، والدعم والمساندة من الأطراف الإقليمية: إيران، والإمارات، والسعودية، وأطراف الصراع الدولي، وبالأخص الرباعية الدولية: أمريكا، وبريطانيا، إلى جانب السعودية، والإمارات».
وأضاف: «خلال حرب الثمان سنوات تغولت الميليشيات، وبنت مواقع قوية، واكتسبت وحققت مصالح كبيرة، وأصبح لها النفوذ والامتداد والسيطرة؛ وكأي حرب يتسع نطاقها، وتتعدد أطرافها؛ يتعقد معها الحل بسبب تصادم الإرادات، وتعارض المصالح، وارتهان الجميع للعسكرة والغلبة».
ويعتقد طاهر أن الطرف الإقليمي أصبح الطرف الأقوى، وله مصلحة في بقاء الصراع، حتى يتمكن من حل قضايا تخص مصالحه، قائلا: «في اليمن جلي أن قادة الميليشيات هم الطرف الأقوى من العقل السياسي: الأحزاب، ومن الموجهين السياسيين. فالجندي في الموقع أقوى من القائد السياسي في المكتب، ثم إن الطرف الإقليمي الذي أغدق المال والسلاح أصبح الطرف الأقوى، وله مصلحة في بقاء الصراع؛ حتى يتمكن من حل قضايا تخص مصالحه، ورؤيته للصراع. أما الاتفاق الإيراني-السعودي، وإن حقق نتائج معينة كالتهدئة، وتبادل أعداد من الأسرى، وإنفراجة هنا وهناك، وتخفيف الحصار على مطار صنعاء، وميناء الحديدة- إلا أن جذوة الصراع ما تزال قابلة للاشتعال؛ لأن الحرب عمليًا لم تنته، والأخطر أن الصراع الإقليمي مرتبط هو الآخر بالصراع الدولي؛ فالتفاوض بين الأمريكان والأوروبيين من جهة، وإيران من جهة أخرى لم يحقق النتائج المرجوة حتى اليوم، وأمريكا وبريطانيا مشغولتان بالصراع في أوكرانيا، ثم إن أمريكا أولويتها الضغط على السعودية للتطبيع مع إسرائيل، وعدم الاقتراب أكثر من محور روسيا والصين الآخذ في التشكل».
وأردف مؤكدًا ما اعتبره ضعف الإرادة الوطنية الممزقة والمنهكة، قائلا إن «التعقيدات في الوضع الإقليمي، والصراع الدولي، يرتد سلبًا على اليمن الذي يُراد له أن يبقى عالقًا، حتى تحل مشاكل الآخرين. والمأساة ضعف الإرادة الوطنية الممزقة والمنهكة، والموزعة على أكثر من طرف، وفي غير مكان؛ فتعقيدات الصراع في اليمن تتغذى وتتقوى بالصراع الإقليمي والدولي، ويوظف الإقليمي والدولي هذه الصراعات، ويطيل أمدها خدمةً لمصالحه ونفوذه».
السلام الحقيقي
لكن لو وقفنا أمام إمكانية تحقيق السلام الحقيقي فإننا سنجد أنه لا يمكن تحقيقه إلا بمشاركة كل أطياف المجتمع المدني اليمني، وهو شرط لن تقبل به الأطراف المتنازعة التي ما زالت ترفض الاعتراف ببعضها، فكيف يمكن تجاوز هذه المعوقات وصولًا للسلام الحقيقي؟
يقول عبدالباري طاهر: «الأطراف المتصارعة لا تقبل ببعضها؛ لأن كل طرف منها يريد الاستفراد بالسلطة بالقوة والغلبة، والاستئثار بالمال. فالانفراد بالسلطة، وامتلاك الثروة، وعدم قبول التشارك ممتد في التاريخ اليمني الحديث؛ فهو حاضر في استبعاد الإمام يحيى إمام اليمن بعد انسحاب الأتراك عام 1918 حينما أبعد حلفاءه في الحرب، وفي الإمامة لصالح أبنائه».
خيار الوحدة
كذلك يرى وزير الثقافة والسياحة اليمني الأسبق، يحيى حسين العرشي، أن «الأطراف المعنية بالصراع بقوة السلاح، تدّعي أنها ممثلة للشعب المنكوب، وأنها التي تدافع عنه، وكيلاً شرعياً عنه».
وذهب إلى القول إن خيار الوحدة هو الخيار المتاح لاستعادة اليمن قائلا: «إن مَن وقع في حبائل الشيطان، وامتدت يداه إلى أي دولة خارجية، لا يمكن له أن يبني وطناً، ولن يلتف حوله الخيرون، وفئات الشعب، ويحول دون توحد الكلمة. كم هو رائع أن ترتفع الأصوات الوطنية المؤمنة بالوحدة متجاوزةً لمحنتها، وترفع تمسكها بالوحدة في كل أنحاء بلادنا، مدركةً أنه لا خيار لنا إلاّ الوحدة، وإصلاح سياسي، واقتصادي شامل، مانعاً للفساد، متصدياً للتدخل الخارجي في وطننا، وبالأسس التي يتفق عليها الجميع».
وتابع متوقفا أمام الديمقراطية باعتبارها الحل وصولَا إلى التداول السلمي للسلطة قائلا: «فلنتقِ الله في أنفسنا، يكفينا انشقاقاً وعذاباً، يكفينا شتاتاً، يكفينا أن لا يكون لنا دولتنا بمؤسساتها باختيارنا كلنا بأصواتنا الديمقراطية، تضمن لنا- جميعاً دون إقصاء- المشاركة والتداول السلمي للسلطة، وتكفل لنا حريتنا دون وصي علينا».
مما سبق نخلص إلى أن استعادة اليمن لدولته ووحدته وسيادته مرتبط باستعادة قراره الوطني لصالح كل اليمنيين بدءاً من الايمان بأن الوطن للجميع تحت مظلة التنوع والتعايش والمساواة؛ وهو ما يتطلب تقديم تنازلات والدخول في حوار بمشاركة كل أطياف المجتمع المدني وصولاً إلى تقاسم السلطة والتزام المشروعية الدستورية، وإعادة الاعتبار للدولة الوطنية الواحدة كممثل لكل اليمنيين، في سياق تكريس السلام والديمقراطية والعدالة كضامن لوحدة البلاد وسيادته.
نقلا عن القدس العربي