الواضح، أن اليمن بعد هذه الحرب لن تكون كما قبلها أو كما ستؤول إليه بعد أن دفعت باتجاه أقلمة غير مباشرة للأرض، وبداية لخلق بيئات على أساس فرز هوياتي في المناطق الجنوبية تحت ذرائع الأمن.
الواضح، أن اليمن بعد هذه الحرب لن تكون كما قبلها أو كما ستؤول إليه بعد أن دفعت باتجاه أقلمة غير مباشرة للأرض، وبداية لخلق بيئات على أساس فرز هوياتي في المناطق الجنوبية تحت ذرائع الأمن.
بدأت هذه الظاهرة بعد أن توقفت عربات التحالف في كرش، ومكيراس، وبيحان، فهذه المناطق هي من تعيد رسم خارطة ما قبل 90، وإن كانت قد وصلت الحرب إلى مأرب ونهم، غير أن هذه جاءت كحرب تقليدية للدفع بعجلة التفاوض مع الحوثيين وإخضاعه للسلم.
ومع حضور التحالف بقوة في اليمن وبات هو الإطار للسلطة الحاكمة، انتقلت قيادات جنوبية من أحضان إيران كانت في الضاحية الجنوبية بلبنان إلى حضن التحالف، وتفهموا بشكل سريع أن ضجيج “استعادة الدولة الجنوبية” من طهران أو الضاحية الجنوبية مجرد صراخ في الهواء، ولا معنى، إذن، من مناصرة طهران لهم إلا بقدر استغبائها لهم لتمرير مشروع تواجدي في الجنوب بعد أن خلقت مشروعاً في الشمال.
وفعلاً خرج على سالم البيض عقب “عاصفة الحزم”، الرجل الذي كان لا يخفي تواصله مع إيران، خرج ليؤيد عملية عسكرية ضد الحوثيين وكلاء إيران في اليمن، كانت بالنسبة للكثير مفاجأة!!
ليس هذا فحسب، بل قبِل أبو بكر العطاس أن يكون مستشاراً للرئيس هادي، في ظل دولة وحدة كما هي عليه منذ ما بعد حرب 94م، واقتنع بالجلوس بجوار علي محسن الأحمر في طاولة في كل اجتماع رئاسي!
تغير مفاجئ في أعلى سلم الهرم الجسم الجنوبي، وحتى من قاد “حركة التحرير” أشهر الحركات المسلحة ضد نظام الوحدة، وضع يده على القسم الجمهوري في منصب محافظ عدن، ليتولى عيدروس الزبيدي مهام المحافظة، ومن بقي من قادة دعاة فك الارتباط لم ينخرط في هذا الوضع ابتلع لسانه وغاب خطاب التشنج وتهييج ساحة العروض..
لا أحد يتجه للقول إن الرئيس هادي هو صاحب فكفكة الحراك، واجتذابهم إلى حاضنة الشرعية، ولكن يبدو أنه بعد وصول تطمينات دولية تقول لزعماء الجنوب إن استعادة الدولة ليست كاسترجاع رقعة أرض في حارة، بل تتطلب تفاهمات دولية، تصل حد المقايضة كما يحدث في أسواق النخاسة.
بالأمس قال أركان حرب “الجيش الجنوبي” السابق اللواء قاسم عبدالرب عفيف لوسيلة إعلام خليجية “إن الأولوية في الوقت الحالي في الجنوب هي استعادة الشرعية في جمهورية اليمن، لكن في مرحلة لاحقة، سيسعى الجنوبيون لفك ارتباطهم بالشمال بعد استعادة الشرعية من ميليشيات الحوثي وصالح، لكن بطريقة سلسلة، وبالترتيب والتنسيق مع الدول الإقليمية والقوى العالمية”.
هذا الكلام ليس عفوياً، بل هو صلب فكرة التطمينات التي تأتي لهم من بعض دول التحالف، الأمر الذي جعل العطاس والزبيدي وغيرهم يرضخون لسلطات هادي وشرعيته، بمعنى أن بقاؤهم في السلطة حالياً هي التي ستعطيهم شرعية لإبراز المطالب الاستراتيجية في استعادة الدولة بالتدرج، بعد أن تتشكل ظاهرة الانفصال في أروقة المجتمع الدولي.
الذي جعل الحراك لا يصل إلى مظالمهم خلال السنوات الماضية هي الممارسات المراهقة وغير الدبلوماسية والاعتماد على الصراخ وخطابات الهواء، وهو ما لم يتمكن أصحاب “الانفصال” من تكوين غطاء إقليمي ودولي يدفع معهم باتجاه الانفصال، أما وإن قد ظهرت “خارطة الشرق الأوسط الجديد” فإن مسألة التقسيم لم تعد تحتاج سوى وقت، ليس إلاّ، لكن ما يجعل الأمر مؤجل في الوقت الراهن، هو ربما حفاظ دول التحالف على سمعتها باعتبار أن الصورة لدى المجتمع ستقول إن تدخل التحالف لم ينتج سوى تقسيم البلد، الأمر الذي لن يستفيد منه سوى إيران والحوثيون بالدرجة الأولى.
الآن وبعد هذه الحرب والفرز الهوياتي المناطقي في عدن، بات الحديث عن موضوع الوحدة أشبه بتجارة بناطيل “الجنز” في سوق “الطلح” بصعدة، لكن يبقى الجانب الأخلاقي لدول التحالف هو من سيغير هذا الواقع الذي تعيشه اليمن في أخطر مراحلها، رغم أن الواقع يقول، وبلغة العلاقات الدولية، لا شيء يعلو فوق المصلحة، حتى وإن أصبحت جزيرة سقطرى بيد قراصنة الصومال.