كتابات خاصة

الفن كمحطة انطلاق (1)

محمود الحافظي

الفن فكرة أصيلة دوما، قد تراود الظن فكرة أن الفن يأتي بعد الوصول إلى الأساسيات، والحصول على الاحتياجات.. وهي فكرة في شكلها الأول تبدو صحيحة. الفن فكرة أصيلة دوما، قد تراود الظن فكرة أن الفن يأتي بعد الوصول إلى الأساسيات، والحصول على الاحتياجات.. وهي فكرة في شكلها الأول تبدو صحيحة، لكن الملفت في مسألة الفن أنه لابد منها وخصوصا في لحظات التأسيس وتأمين الضروريات.. أو هكذا بدأت أتعلم.
ذلك أن الفن هو المورد الأساس للخيال والإبداع، وبغيره تغدو كل منطقة غير متصلة بالواقع البحت جرداء خاوية على بؤسها! والشعوب في أزمنة التأسيس ليس لهم سوى الخيال والإبداع كي يتمكنوا من اللحاق أو الاقتراب ومحاولة الوصول، أما السير على ذات الخطى السابقة فهو تخلف مخادع، إذ يجعله الواقع تقدما، وحين الوصول إليه تتكشف حقيقة السراب فيه لأن المقارنة لا تكون بالواقع وإنما بمن سبق.. المقارنة بالواقع تجعل المرء يحث الخطى من ماضيه إلى ماضي الآخرين، والمقارنة بالمفترض والينبغي تجعل المرء يحث الخطى تجاه المستقبل الذي هو المستقبل، ولأجل هذه الأخيرة لابد على المتخلف الآن أن يشتق قنواته الخاصة التي تختصر المسافات نحو المستقبل مستفيدة من ماضي الآخرين.. هذا الاشتقاق الجديد هو شغل الخيال والإبداع، وهما نبتتان ينميهما الفن، وتذويان على تخوم الانهزام أمام الواقعي والواقع وما تم.
الفن الذي أقصده هو الفن الحقيقي، الأصيل الذي ينطلق من سابقه وعلى سابقه نحو الأعلى لا الأدنى، ونحو القيم الرفيعة لا النيل من القيم/ المشترك الإنساني، ذلك أن الأول مواصلة ونمو، والآخر خداع وتكريس للهبوط، دعونا نتذكر أن “فن الواقع مرتبط بمراحل التراجع الحضاري”، ذلك أن تكريس الواقع هو إسهام في تأصيل التراجع، وتعطيل الملكات المنوط بها معاودة النهوض والإقلاع!
الفن إذن هو نقطة بدء وانطلاق أيضا، ازدهاره وتوليده ممزوجا بالهوية الخاصة/ اللمسة الوطنية، والإبداع فيه ربما يكون نقطة متأخرة تأتي بعد تأمين ما لابد منه كي ينشغل الإنسان بما هو أعلى.. ولكنه – عموما- متطلب حتمي، ولن أكون مبالغا لو تساءلت كيف يمكن استنبات وتوسيع وتأصيل الإبداع والخيال بغير الفنون، بغير المجردات والاستعارات والمجازات والأعمال اللامتناهية الإيحاء والتحدي؟! كيف يمكن خلق فكرة جديدة على الواقع وفاعلة فيه دون نماء لمواضع المخاتلة والانفلات والعائم والنسبي والقلق والمنظور المختلف والبحث عن الأكمل والأجمل على الدوام؟!
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى