آراء ومواقف

حُسَين الحُوثِيّ .. زَعِيم الفتّنَة والتَمرُّد في اليَمن

سلمان العمَّاري

في الذكرى الـ 12 لمقتل مؤسس وزعيم جماعة الحوثيين، حسين الحوثي، حرصت الجماعة على احتفاء واسع بالذكرى في خضم التحوَّلات التي تمرّ بها، على الرغم من مواراة جثمانه في مايو/ آيار2003 م، وخلافة شقيقه الأصغر عبد الملك الحوثي له في إدارة دفة الجماعة إثر مصرعه في سبتمبر2004. في الذكرى الـ 12 لمقتل مؤسس وزعيم جماعة الحوثيين، حسين الحوثي، حرصت الجماعة على احتفاء واسع بالذكرى في خضم التحوَّلات التي تمرّ بها، على الرغم من مواراة جثمانه في مايو/ آيار2003 م، وخلافة شقيقه الأصغر عبد الملك الحوثي له في إدارة دفة الجماعة إثر مصرعه في سبتمبر2004م، عقب تمرده ومواجهة سلطات الدولة في الحرب الأولى بمحافظة صعده، لتعود للواجهة شخصية زعيم الحوثيين المثيرة للجدل.
وذلك من خلال قيام الجماعة بإنفاق ملايين الريالات من خزينة الدولة على طباعة ونشر صوره وتعليقها في معظم المدن اليمنية، وتقديمه كزعيم وقائد للأمة والشعب والوطن، ونعته بكثير من الألقاب والأوصاف، منها ” الشهيد القائد ” و “قائد ثورة المستضعفين في وجه المستكبرين”، وعبارات وشعارات من قبيل “بنيت بثقافة القرآن أمةً تعشق الشهادة”، فيما حملت بعض العبارات نَبرّةً انتقامية على سبيل “دمك الطاهر طوفان سيجرف عروش المستكبرين”.
وُلد حسين بن بدرالدين الحوثي عام 1956 في قرية آل الصيفي بمنطقة حيدان التابعة لمحافظة صعدة (250 كيلومتراً شمال العاصمة صنعاء) قبل نحو 6 سنوات من اندلاع الثورة اليمنية في 26 أيلول (سبتمبر) عام 1962م، التي قضت على الحكم الإمامي الذي شكل امتداداً للدولة الزيدية لأكثر من 11 قرناً.
نشأ وترعرع حسين بن بدر الدين الحوثي في بيئة علمية لكونه نجل أحد أبرز مراجع الشيعة الزيدية في اليمن، ويعتبر والده من القيادات والرموز الملكية الإمامية التي نزحت إلى المملكة العربية السعودية عقب ثورة 1962م، وعادت إلى اليمن في ثمانينات القرن الماضي مع توقيع المصالحة الشهيرة بين الجمهوريين والملكيين، ما يُفسرّ اهتمامات العائلة العلمية التي لم تفصلها عن الاهتمامات السياسية.
يُعتبر حسين بن بدر الدين الحوثي، من مؤسسي حزب الحق، وفاز بمقعد في البرلمان اليمني، ممثلاً عن الدائرة 294 عن محافظة صعده، ولم يحصل الحزب سوى على مقعدين اثنين فحسب، ما حدا به إلى اعتزال العمل السياسي في وقت مبكر والتوجه نحو العمل التنظيمي بعد تعثّره في إكمال مشواره التعليمي، الذي توقف عند نيل درجة البكالوريوس من جامعة صنعاء في قسم الشريعة والقانون.
 تعود فكرة اعتزال حسين بدر الدين الحوثي، بكون العمل السياسي المعاصر غير مثمر وموصل للسلطة والحكم حد تعبيره، وهذا ما أفصح عنه ومذكور في ملازمه، ومن ذلك قوله: ” لا ينقذنا ولاينجينا سوى الالتفات حول الولاية ومذهب أهل البيت”، ومنذ ذلك الحين بدأ حسين الحوثي في التأصيل والتقعيد والتأسيس لمفهوم ونظرية الولاية ” ولاية الحكم في البطنين” والاحتفاء بـ “عيد الغدير”، والحديث عن مظلومية أهل البيت، وأحقيتهم في الحكم والسلطة.
زار حسين بن بدر الدين الحوثي مع والده طهران غير مرة، وتتلمذ على كثير من المراجع والآيات في قم ودرس في معظم الحوزات وصَرّح في غير ما موضع ومقام إعجابه بالثورة الخمينية وحزب الله في لبنان، فلاتكاد تَخلُ ملزمة واحدة من ملازمه، من إشادة بالفكر الخميني، والإشارة له وحزب الله وأمينه العام حسن نصر الله، والتماهي مع الموروث الفكري والسياسي الاثنا عشري، الحافل بالحديث عن الإمامة وإثارة مقتل الحسين – رضي الله عنه-ومظلوميات أهل البيت، وأحقيتهم في الحكم والولاية وغيره.
توجه حسين بن بدر الدين الحوثي، عقب اعتزاله مباشرة واتصل بـ “منتدى الشباب المؤمن”، الذي يعود تأسيسه إلى العام 1992م، وكان يعتبر في بداية مأسسته محضن تربوي ثقافي إحيائي داخل المدرسة الزيدية، يقوم عليه نخبة من الدارسين للفكرالزيدي، الذين عمل على إقصائهم وإبعادهم والسيطرة على المنتدى، لأسباب متعددة من أبرزها الدعم اللامحدود الذي كان يتلقاه من أطراف محلية وخارجية.
وعقب صيرورة “تنظيم الشباب المؤمن” في متناوله عمد حسين بن بدر الدين الحوثي إلى التغيير الجذري في خارطة أهداف وأديبات ” تنظيم الشباب المؤمن”، الذي كانت وضعته النخبة الإحيائية المعتدلة، وتحويله من منتدى ثقافي تعليمي حركي إلى تنظيم مسلح، من خلال الإعلاء من قيمة اقتناء السلاح وحمله والتدريب على القتال وإعلان الحرب على الظالمين حد تعبيره.
لم يلتزم حسين بدر الدين الحوثي خطى من سبقه في ” تنظيم الشباب المؤمن “، بل أحدث وغيّر وبدّل في منظومة وبنيوية الجماعة العضوية والدينية والفكرية والسياسية، وحصر أمر موقع القيادة والتوجيه له دون أحد غيره، ما دفع أغلب علماء ومراجع الزيدية في اليمن للقول بخروجه عن المذهب وأصدروا في حقه وجماعته بيانات وفتاوى.
وعلى الرغم من المعارضة الزيدية المُبهمة له والتحذير منه ومن كثير أفكاره وطروحاته، استطاع حسين بن بدر الدين الحوثي في فترة وجيزة من إحداث حراك سياسي ثوري وثقافي في الفكر الزيدي التقليدي، وصدرت في حقه قبل سنوات بيانات عدة من مراجع زيدية كبيرة وبارزة في اليمن.
والجارودية، المدرسة الفكرية التي ينتسب لها حسين بن بدر الحوثي، بالتلقي عن والده بد الدين بن أمير الدين الحوثي، ليست بمعزل عن واقع فرقة الاثني عشرية تجاه مجموعة من الممارسات والسلوكيات والمعتقدات والأفكار، فالقاسم المشترك بينهما إضفاء القداسة على الأشخاص دون النصوص، والنظر إلى المرجعيات والزعامات كمخلصين وناطقين باسم الرب جلَّ وعلا.
كثيراً ما يطرح حسين بن بدر الدين الحوثي في ملازمه، وفي كثير من خطبه ومحاضراته ” أنه لابد من عَلم لـ هذه الأمة يكون من آل البيت، يُلهمه الله فهم القرآن الذي لا يكون الإلمن يتّمثله في الواقع، وبالاستقراء والتتبع نجد أن حسين بن بدر الدين الحوثي كان يهيئ ذاته عملياً للزعامة والحكم، وقدَّم نفسه لأتباعه كمُخلّص، وكان يرى أنه من المصطفين الأخيار، ويأتيه الإلهام ويتمثل القرآن قولاً وعملاً.
التف حول حسين بن بدر الدين الحوثي الكثير من الناس في محيط دائرته والشباب من قومه عن عصبيّةٍ وجَهلٍ منهم ودون وعي وإدراك لمقالاته، ومن يُطالع في سيّرة الرجل، ويقرأ خلاصة أفكاره وطروحاته يجده تلقائي وعفوي إلى حد كبير، وليس بالمنضبط منهجياً وفكرياً ومذهبياً وسياسياً لأي جهة وطرف، لديه أفكاره وآراؤه المتناثرة المستقاة من مختلف المشارب والمذاهب الفكرية وبالأخص المتشيّعة والمغالية، قدّمها بنَفس وخطابٍ تحرّيضيّ وثّوري.
اشتهر عن حسين بن بدر الدين الحوثي، في اليمن بتقديم نفسه كمرجعية حاكمة تأمر وتنهى، ولذلك لم يكن يقبل بالرأي والرأي الآخر وعرف عنه مناهضة التعدّد بكافة اشكاله وصوره، ويعتبره من الغزو الفكري، ويعتبر أمر المخالفة له وللحركة والجماعة التي وسمها بـ ” القرآنية ” بكونها ضد إرادة الله، وذلك بالمعنى الكهنوتي والثيوقراطي تماماً.
استمر حسين بن بدر الدين الحوثي، في نشاطه الثقافي والحركي قرابة 7 سنوات في اليمن، من خلال عملية الحشد والاستقطاب، داخل الأسر الهاشمية والبيئة الزيدية وعامة أبناء القبائل في شمال اليمن، الذين يغشاهم الجهل ويقبعون تحت نير الاستخذاء والتعصب، ويؤمنون بـ ” مقولات السيد” الذي ينتمون إليه، دون أن يرف لدى بعضهم جفنٌ ويرفع حاجبه أوترد لدى الكثير منهم له الأسئلة.
وفي بضع سنوات تمكن حسين بن بدر الدين الحوثي من تشكيل نواة حقيقية لحركة طائفية عنيفة مغلقة، تُقدس الموت في سبيل أفكاره وتعليماته، وتفتقد في أبرز تجلياتها للمرونة الفكرية وتؤمن بالخطابات الحدية والاعتداد بالذات ورفض وقتل الآخر، لتتخطى بذلك الحركة والجماعة في بضع سنوات حيز النشأة وولادة الفكرة، لتنتشر شعاراتياً في الفضاء العام من خلال اللافتات والملصقات واللوحات الدعائية، وديموغرافياً في السيطرة على الأرض بقوة السلاح.
عملياً تأتى لـ حسين بن بدر الدين الحوثي، أن يَحرُثَ في بيئةٍ خَصبةٍ كانت لوالده بدر الدين بن أمير الدين الحوثي، ونتيجة عثوره وحصوله على خامة فيما يبدو أشد وأكثر تأثراً وتأثيرا من خامة الكيمياء، بالنسبة للمجتمع المتعصب والمتشيع المغالي والمجتمع الجاهل الذي تغلب عليه العاطفة وتعظيم الدين ومحبة الرسول -صلى الله عليه وسلم -وآل بيته.
وصادف تولي حسين بن بدر الحوثي زمام قيادة الجماعة وقوع زلزال حدث الحادي عشر من سبتمبر 2001 م في الولايات المتحدة، الذي قذف به للواجهة واستثمار الحدث بشراهة، للخروج على الناس بشعار معاداة أمريكا وإسرائيل، ما أدى إلى وقوع خلافات بينه وبين الدولة انتهت بنشوب حرب بين جماعته وبين القوات الحكومية، أدت إلى مصرعه في سبتمبر2004م.
يتمتع حسين بن بدرالدين الحوثي، بكاريزما وشخصية قوية، ذات قدرات خطابية داخل الجماعة، الذي استطاع من خلالها نقل أدبيات الحركة والجماعة من فضاء التنظير إلى حيز الوجود. 
على المستوى النظري والفكري لم يأت حسين بن بدر الدين الحوثي بجديد، وغاية ما قام به هو استخراج واستكناه تراث الزيدية الجارودية في اليمن والمزج بينها وبين الاثنا عشرية في كثير من المسائل، والشيء الوحيد المأثور عنه مجموعة من “الملازم” صيِغت وجُمعت بُعيد مصرعه في يونيو 2004م، من أشرطة الكاست والفيديوهات المُسجلّة لدروسه ومحاضراته التي كان يلقيها على طلابه في “منتدى الشباب المؤمن” ووسط أتباعه ومريديه، بصعده شمال اليمن.
غير أن الرجل وبالرغم من عدم أهليّته العلمية، كان قد بَرع في استثمار ما كان حاصلاً من ذي قبل مع والده بدر الدين بن أمير الدين الحوثي، وذلك حينما كان يرى بعض القبائل تأتي من أطراف المدينة تُقبَّل ركبة أبيه وتقدّم بين يديه الهدايا والنعم والطاعة والولاء، باعتباره أحد المرجعيات والرموز الدينية في شمال اليمن، فقال لسنا بحاجة لكل هذا التقبيل والاحتفاء، ولابد من استثمار هذا الاستعداد في تأسيس وبناء حركة سياسية وتيار منظم.
وشرع بالفعل حسين بن بدر الدين الحوثي، وتأتى له بناء ما هو أكثر من تنظيم وحركة سياسية، ساعدته في ذلك المتغيرات الدولية في المنطقة العربية مطلع الألفية الثانية، التي ترافقت مع وقوع حرب افغانستان وأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وسقوط بغداد في 2003م، لتبدأ معها الأصابع الخارجية والتدخلات الدولية والإقليمية في اليمن، في العمل على تثوير وتشييع الزيدية، وبعث الروح في تيار الإمامة والملكيّة، وتصعيد وإبراز الحركة الحوثية.
ولم تكن “الحرب الأولى” التي اندلعت بصعده في يونيو حزيران عام 2004م سوى الشرارة لحروب ماتزال مفتوحة في أرجاء اليمن، بين قوات الجيش اليمني وأتباع حسين بن بدر الدين الحوثي، وترجع أسبابها في حقيقة الأمر إلى افتعال حسين بن بدر الدين الحوثي وأتباعه لمشاكل اختلقوها، بهدف إفراغ وظيفة السلطة المحلية يومها في محافظة صعده، وممانعتهم آنذاك بسط نفوذ ووجود الدولة، وذلك من خلال عمليات الاستهداف الممنهجة والمنظمة للقوات والنقاط والمقرات الأمنية الحكومية، والحلول بدلاً عنها باستخدام العنف وقوة السلاح.
تتركز جهود حسين بن بدر الدين الحوثي ويتلخص نشاطه في توجيه أتباعه ومريديه على التحريض والتعبئة القتالية ومحاربة الظالمين، ويراد بهم المخالفين له، والإعلاء من قيمة السلاح واقتنائه، لدرجة أن التدريب على السلاح وشراء الذخيرة يحتل حيزاً كبيراً في البناء الداخلي للجماعة والتيار والأفراد.
استجّر حسين بن بدر الدين الحوثي في مسيرته العدمية صراعات التاريخ والحاضر الإسلامي، وخرج فعلياً على كثير من الثوابت والقيم الدينية والوطنية، ومرد على كثير من المسلمات ليزرع بذرة وفتنة طائفية في اليمن، قادت لحروب مفتوحة في اليمن، مازال اليمنيون يرزحون تحت وطأتها، وكان للرجل في الحقيقة جُنوح ونزوع نحو السلطة وسُكرٌ وجُنونُ بها حدّ الثُّمالة.
ساعدت حسين بن بدر الدين الحوثي، في بزوغ نجمه الكثير والكثير من الظروف والمؤثرات السياسية من أبرزها وأهمها، اندراس وتراجع الفكر الزيدي بسقوط النظام الإمامي عام 1962م، ودورة الصراع السياسي بين منظومة الحكم القديم الجمهوري، والمتغيرات الدولية في الحرب على ما يسمى الإرهاب. 
وممّا ساعده في البروز والظهور انتماؤه للأسرة الهاشمية ورفع عقيرة مظلومية آل البيت وراية المذهب الزيدي وإحياؤه، والتحدث باسم الله والقرآن، وتقديم نفسه وفرضها في الفضاء العام السياسي والإعلامي، ورفع شعار معادة أمريكا وإسرائيل الذي تزامن مع الحروب الأمريكية في المنطقة العربية.
عدا استغلال حسين بن بدر الدين الحوثي للظروف السياسية وحاجات الناس وعوزهم وافتقارهم في بعض مناطق ومديريات صعده، والتضليل السياسي والإعلامي الرسمي للسلطة والنظام السابق والمكايدات السياسية والحزبية في اليمن، بالإضافة إلى تغطية الإعلام العربي التقليدي والعبثي بكل أدواته وسياساته القميئة، وتسليط الإعلام والقنوات الشيعية الضوء عليه وعلى تحركاته ونشاطه.
خلاف تحضير وتقديم المرجعيات والرموز الشيعية له من خلال تحوير بعض الروايات التاريخية والآثار النبوية، لمايجري في آخر الزمان من وقائع وأحداث وإسقاطها عليه، كالمرجع الشيعي على الكوراني، الذي اعتبره من رجالات آخر الزمان في كتابه ” عصر الظهور” ووصف حسين بن بدر الدين الحوثي بـ “اليماني ” الذي يحكم أهل اليمن ويمهد لظهور المهدي في كتابه الذي صدر مؤخراً ويحمل عنوان ” اليمانيون قادمون”.
وفي الجملة يعتبر حسين بن بدر الدين الحوثي زعيم سياسي أكثر منه شيء آخر، خدمته الظروف المحيطة به والمؤثرات والمتغيرات المحلية السياسية والدولية في اليمن، فلاهو بالمجدد في الفكر الزيدي ولا بالمرجعية والعالم المجتهد في المذهب كما يقدمه قومه واتباعه، ويعد هو وجماعته، التي تطلق على نفسها جماعة ” أنصار الله “حجر الزاوية في التدخلات الأمريكية والإيرانية في الشأن العام اليمني.
———-
*ينشر بالتزامن مع موقع مجلة البيان
 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى