يفرحني دائما أن أشهد حالات تفتّح الزهور في حدائق الأدب، أن أسهم ولو بالقلق من الجهد في سقاية البذور والوقوف بجانب السياج لانتظار تفتّحها، أن أكون جزءا من مشروعاتٍ يبادر إليها الشباب على صعيد الكتابة، وأن يروا في ما يمكن أن يساعدهم على بدء الخطوات الأولى.
أتذكّر دائما بداياتي في الكتابة، وتجربتي في النشر، وأتذكّر من أخذ بيدي وآمن بكلماتي، وواجه القرّاء بها وبي، فأكتشف أن الأيام دول، وأن من ساعدني عليّ أن أردّ إليه جميل المساعدة من خلال شبابٍ جدُد يتلمسون طريقهم في غياهب الموهبة ولجج الإبداع.
عندما فاتحني الكاتب المبدع والمعلم النابه نواف الربيع بشأن مسابقةٍ يودّ تنظيمها لطلاب المدارس الثانوية في كتابة القصة القصيرة، أشفقت عليه، لأنني أعرف، لخبراتٍ تراكمت على هذا الصعيد، ثقل المهمة. فمسابقات من هذا النوع تحتاج جهودا كبيرة لا تغادر فيها صغيرة وكبيرة، خصوصا وأنها موجهة إلى شريحةٍ ما زالت على مقاعد الدراسة وتخلط عادة، وبعفوية، القراءات الأولى وتدفق المواهب الإبداعية، بين أصناف الكتابة وتنويعاتها المختلفة، فتحمل تلك التجارب أحيانا فوق ما تحمل، بل وتحمّل القائمين عليها المزيد من المسؤولية، لأنها تراها غالبا فيصلا مهما يدفعها للاستمرار أو للتوقف. ولذلك، اعتدنا أن تبادر مؤسّسات رسمية بمثل هذه المسابقات إما أن تكون المبادرة شبه فردية وبجهود ذاتية، فهذا ما جعلني أتردّد في الموافقة على أن أكون جزءا منها رئيسة للجنة التحكيم، حتى لا نكون سببا في إطفاء جذوة الحماسة والموهبة في نفوس شبابٍ وشابّات يبدأون خطواتهم الأولى، ويستحقّون بيئة مناسبة لاحتضان مواهبهم بلا حسابات للفشل والنجاح!
لكنني أمام حماسة المعلم الشابّ، وجدتُني جزءا من هذا المشروع الجميل، والذي سرعان ما آتى أُكلُه بهيئة قصص احترت ومعي بقية أعضاء لجنة التحكيم في اختيار الفائزين من بينها. كانت القصص المقدّمة أجمل من التوقعات، وأكثر اكتمالات من أن تكون مجرّد بدايات، أما اهتمامات المتسابقين فكانت هي الدهشة الحقيقية بالنسبة لي، والتي جعلتني أعيد النظر مجدّدا في الصورة العامة التي نرى الشباب من خلالها بعيدا عن اهتماماتهم الحقيقية وثقافاتهم المتّكئة على معطيات الزمن الذي يعيشون فيه. معظم قضايا الوطن والأمة تجسّدت في قصص مكتوبة بعناية وبأفكار مرتبة وتشي بوعي جميل واهتمام لافتٍ بالهموم العامة. والاجمل أن معظم القصص التي شارك بها هؤلاء الشباب الموهوبون من الجنسين كانت تستحقّ الفوز بالجوائز المرصودة للمسابقة والتنويه بمستواها، وهو ما أوقع لجنة التحكيم بحيرة شديدة ومراجعات كثيرة حتى نصل إلى نتيجة مرضية. ولذلك، قرّرنا أن كل من شارك في هذا المسابقة بكتابة قصة، وإن لم يعلن اسمه من بين الفائزين، فائز أيضا ما دام قد انحاز في هذه السنّ المبكّرة إلى الأدب شغفاً وإلى الكتابة هوايةً وإلى الإبداع هدفاً وإلى القصة القصيرة عنواناً.
وأنا الآن أمام كل هذا التدفّق القصصي الجميل والمفعم بالحماسة والباحث عن فسحةٍ تحت ضوء القراءة، أجدني منحازةً للشباب مبهورة بإنجازاتهم المبكّرة، وكلي أمل أن يستمر هذا التدفق والحماس والحرص على الإنجاز دائما، وأن تكون تلك المسابقة حافزا لهم على الانخراط في حقل الكتابة الإبداعية، مهما كانت طموحاتهم الأخرى وتخصّصاتهم المستقبلية.
شكرا لصاحب الفكرة ولمن تلقّفها ورعاها كما يليق بها، ويبقى الأمل كبيرا بهذه الزهور التي تفتّحت بين يدينا الآن لنراها في المستقبل القريب بإذن الله رافدا من روافد الحركة الإبداعية العربية.
*نشر أولاً في صحيفة العربي الجديد