كتابات خاصة

مشكلة الشر

عبدالله القيسي

مشكلة الشر هي أحد أهم الأسئلة التي تطرحها نظرية الإلحاد على نظرية الإيمان، وهو سؤال قديم تشير المراجع أن أول من طرحه -من منظور منطقي- هو الفيلسوف الإغريقي إبيقور 341 ق م. مشكلة الشر هي أحد أهم الأسئلة التي تطرحها نظرية الإلحاد على نظرية الإيمان، وهو سؤال قديم تشير المراجع أن أول من طرحه -من منظور منطقي- هو الفيلسوف الإغريقي إبيقور 341 ق م، ويمكن تلخيص محاججته بما يلي: إذا كان يوجد إلهٌ كامل القدرة والمعرفة والخير بالعالم، إذاً لن يوجد الشر. وما دام الشر موجودا، إذاً، فإنَّه لا يوجد إله كامل القدرة والمعرفة والخير في الآن ذاته. والشر المقصود هنا نوعان: الشر الطبيعي، ويطلق على كل نقص، مثل الضعف والتشويه في الخلقة والمرض والآلام؛ والبراكين والزلازل. الخ. والشر الأخلاقي، ويطلق على الأفعال المذمومة، وعلى مبادئها من الأخلاق، وعلى كل ما يحق للإرادة الصالحة أن تقاومه كالرذيلة والخطيئة والكذب والعدوان.
هذا السؤال القديم الحديث حول مشكلة الشر هو أحد أسئلة الوجود التي حار فيها الإنسان ولم يجد فيها إجابة حاسمة من كلا الفريقين، وهو من الأسئلة التي يفترض باللاديني أن لا يتكئ مرتاح البال بعد أن رمى بها في ملعب الديني، فأسئلة الوجود تقض مضجع الجميع، وما أجابت عليه النظرية المادية من أسئلة تبقى منه الكثير الذي لم تجبه، وباعتقادي فإن الإيمان بإحدى النظريتين يكون بفارق النقاط فقط، فالأكثر اتساقا وتفسيرية هو الأرجح، وهذا ما يجعلنا نرجح نظرية الإيمان على غيرها، فبرغم ما يطرح عليها من الأسئلة إلا أن الأسئلة والإشكالات في غيرها أكثر، وهكذا طبيعة المعارف الإنسانية لن تجد فيها ما تجده في المعمل والمختبر، وليس لك من خيار غير اختيار الأكثر اتساقا وجمالا وتفسيرية لهذا الكون.
هذه بعض نقاط أضعها على من يطرح سؤال (مشكلة الشر) من الملحدين:
أولا: لماذا يعتقد الملحد بأن الناس ينبغي أن لا يتألموا؟ من أين استقى قيمة العدل؟ أوليس الملحد يؤمن بقانون الانتخاب الطبيعي التطوري الذي يعتمد على القتل والإفناء والعنف من جانب القوي تجاه الضعيف؟ فعلى أي أساس يحكم بأن في العالم ظلم؟
برأيي أنه ليس لديه أساس ليكون ساخطا على اللا عدل، فإذا اعتقد بأن في هذا العالم ظلم وشر فهو يفترض حقيقة معيارا ما خارج الطبيعة، وهو بهذا يثبت أن هناك أشياء خارج الطبيعة، يعني أنه يثبت وجود إله.
يقول الكاتب والباحث الإيرلندي سي إس لويس: “وقد كانت حجتي ضد الله أن العالم بدأ في منتهى القساوة والظلم، لكن كيف حصلت أنا على مفهوم العدل والظلم هذا؟ إن المرء لا يصف خطاً بأنه غير مستقيم إلا إذا كانت لديه فكرة عن ماهية الخط المستقيم. فبماذا كنت أقارن هذا العالم عندما دعوته “غير عادل”، وإذا كان العرض كله سيئاً من الألف إلى الياء إن جاز التعبير فلماذا وجدت نفسي في ردة فعل عنيفة هكذا تجاه الله، مع أنه من المفترض أن أحسب نفسي جزءاً من العرض! إن الانسان يشعر بالبلل عندما يسقط في الماء، لأنه ليس حيواناً مائياً، أما السمكة فما كانت لتشعر بذلك إطلاقا. وكان من شأني طبعا أن أتخلى عن مفهومي للعدل بمجمله بقولي إنه ليس شيئا سوى فكرة خاصة من بنيات أفكاري. ولكن لو فعلت ذلك لانهارت حجتي ضد الله، لأن ركن تلك الحجة جانباً يدفعني للقول بأن العالم “غير عادل”، وليس أنه يصدف أن يرضي ميولي فقط. وهكذا ففي محاولتي إثبات عدم وجوده (الله) تبين لي في ذلك حقيقة وجوده، لأن الانسان بإنكاره وجود العدل في فعل ما، فإنه يرغم نفسه على التسليم بوجود مفهوم للعدالة وهو الله! وبناء على ذلك يتبين أن الالحاد ساذج جدا، ولوكان الكون كله عديم المعنى لما كان قد تبين لنا أنه عديم المعنى كما هو حال السمكة في الماء فالوضع شبيه بهذا تماماً: لو لم يكن في العلم نور ولم تكن في العالم مخلوقات لها عيون، لما كنا نعرف قطعاً أن الظلمة مسيطرة ولكانت الظلمة كلمه فارغه المعنى”.
لقد كان داعية الإلحاد ريتشارد دوكنز أكثر من غيره اتساقا في هذه المسألة وعرف التناقض في هذه المسألة فأنكر مطلقا وجود الخير والشر، يقول دوكنز: “لا يوجد شر ولا خير، لا يوجد تصميم، لا يوجد هدف للحياة، هنالك فقط اختلافات عديمة الرحمة، نحن فقط آلات لنشر الحامض النووي (DNA)).
ثانيا: هل يدرك الإنسان قوانين العالم كلها كي يحكم على الإله الذي خلق القوانين؟ إن الإنسان في الأرض أشبه ببطل رواية يريد معرفة كاتب الراوية.
بالنسبة لي كمؤمن أؤمن بنوعين من القوانين، قوانين دنيا ندركها ونكتشفها وقوانين عليا لا ندركها وهي من تحكم القوانين الدنيا، وتعمل فيها ما تعمله التروس الأولى بالتروس التالية، فالتغيير فيها يغير القوانين الدنيا دون أن نشعر، وهو ما أشارت له سورة الكهف بقصة العبد الصالح مع موسى أن هناك قوانين ندركها في ظاهرها الشر ولكنها تحت قوانين أكبر منها لا ندركها يكون فيها الخير.
وهذا إلى حد ما يشبه إجابة القديس أوغسطين حول هذه المعضلة ولكن من منظور إسلامي أراه أكثر تفسيرية واتساقا، فأوغسطين يرى أن جميع الأشياء التي خلقها الله خيرة، وأن ما نعده شرا ليس جوهرا، لأن لو كان جوهرا لكان خيرا، فإن ما نعده شرا ليس جوهرا، لأنه لو كن جوهرا لكان خيرا، فهو في حقيقته عدم الخير، ومن ثمة هو لا وجود. وهذا يعني أن الوجود والخير متساوقان. وبناء على ذلك، لا يمكن أن نقول إن الله هو سبب شيء غير موجود أو سبب غياب الخير.
ثالثا: خلق الله الإنسان بميزة تختلف عن بقية المخلوقات فقد وهبه الله الحرية، والحرية تقتضي أن يوجد الخير والشر ولو كانت الحياة كلها خيرا لانعدمت الحرية، وهذا خاص بالشر الذي يكون الإنسان هو من أحدثه.
وهذه هي الإجابة التي ركز عليها الفيلسوف الإنجليزي جون هيك فهو يرى أن وجود الله منسجم مع وجود الشر. إذ ليس لنا إلا خياران: إما أن يخلق الله عالما يحتوي على كائنات تتمتع بحرية الإرادة تفعل الخير كما تفعل الشر، أو أن يخلق عالما يحتوي على كائنات تبرمج على فعل الخير دائما. إلا أن هذا العالم الثاني، مع أنه خال من الشر، ستفتقد الكائنات البشرية فيه حرية الإرادة، وهي القيمة السامية بالنسبة لله وبالنسبة لنا. ولهذا كان العالم الذي يتضمن كائنات ذات إرادة حرة هو أفضل من أي عالم آخر ليس فيه كائنات من هذا النوع. وعلى هذا الأساس اختار الله أن يخلق هذا العالم الذي يتضمن مخلوقات تتميز بالإرادة الحرة. ووفقا لذلك فإن الشر الأخلاقي، وهو الشر الذي تكون الكائنات البشرية مسئولة عنه، يرجع إلى سوء استخدام الإرادة الحرة. ومثل هذا الشر يمكن التخلص منه فقط بواسطة الله، وذلك بتحويلنا إلى دمى لا تملك الاختيار الحر الذي يقودها إلى الضلال.
أما وجود الشر الطبيعي، وهو الشر الذي لا تكون الكائنات البشرية مسئولة عنه، فإنه يفهم –برأيي- في ضوء ما طرحته من قبل من وجود قوانين عليا ودنيا، ندرك الدنيا ولا ندرك العليا وما هو شر في القوانين الدنيا قد يكون خيرا في العليا وبهذا يكون ما نراه شرا هو في أصله خير ولكننا لا ندركه.
يرى الفيلسوف الألماني ليبنتز أن الشرور الطبيعية كالفيضانات تدفعنا إلى أن نطور بعض النتائج المفيدة، بصورة تجعلنا بشكل من الأشكال، نربح من تلك الخسارة. ويرى أيضا أن الشرور الطبيعية لها أثر ملحوظ في نواحي متعتنا، لأن أجمل الألحان لا يمكن أن تخلو من بعض الأنغام المتنافرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى