لم يعد خفياً مستوى علاقة الحوثيين بإيران وتعويلهم عليها، على أن هناك ثمة مبالغة من قِبل بعض خُصوم الحوثيين في مدى الارتهان لإيران والتماهي مع مشروعها في المنطقة. الحركة الحوثية
في أواخر 2002م كانت مشاعر الناس مشحونة ضد أمريكا وإسرائيل نتيجة الحرب على العراق، فضلاً عما كان يجري في فلسطين ولبنان بين الحين والآخر، طلب الأخ حسين بدر الدين بعض الشباب الذين كانوا يترددون عليه في بيته بترديد شعار (الموت لأمريكا الموت لإسرائيل) في التجمعات ثم في المساجد، ثم نشره على شكل كتابات على الجدران وفي الطرقات.
وكان مضمون ذلك الهتاف الذي بات يُعرف مؤخراً بالصرخة يُردد في إيران وفي لبنان، مما جعل بعض المراقبين يرون أنه يحمل دلالة سياسية خاصة، وأنه مجرد حلقة في سلسلة تحركات تهدف إلى إعادة حكم الإمامة إلى اليمن، أو استنساخ النُّموذج الإيراني، خصوصاً مع ما كان يلاحظ على الحوثيين من تمسك بإيران، وتجنبهم رفع العلم الجمهوري، ووصف بعضهم ثورة 26 سبتمبر أنها مجرد انقلاب، وتأكيدهم على حقهم الإلهي في الولاية وقيادة الأمة، كما جاء في أكثر من موضع من ملازم الحوثي، وأكده أتباعه في وثيقة بعنوان: “الوثيقة الفكرية والثقافية”، صادق عليها عبدالملك الحوثي شخصياً.
وكان الأخ حسين الحوثي قد سافر إلى إيران في رحلة اتسمت بالسرية، ولكنها لم تُسفر فيما أعلم عن اتفاق على إنشاء حركة بالصفة التي تمت اليوم، ولم يكن الحوثي ولا الإيرانيين يتوقعون أن تصل إلى ما وصلت إليه. ولم تكن الترتيبات بين الطرفين بالحجم والمضمون الذي يقدمه بعض الكتاب والمحللين من فرقائهم.
ودخلت الحركة في مواجهة مع المجتمع ثم الدولة حينما أخذ طابع العنف اللفظي في مواجهة الآخرين، وتبنت مبدأ الاتهام لمن لا ينضوي تحت لوائها بأنه عميل للأمريكيين، وشيئاً فشيئاً دخلت الحركة في مواجهة مع الدولة بدأت بالتحدي وانتهت بحروب طاحنة وأنهت إلى ما هي عليه اليوم من خراب ودمار وحروب وتشرد.
وحينما انفجرت المواجهة لم يكن لجماعة الحوثي عنواناً معروفاً، وكان العنوان البارز يومها هو “الشباب المؤمن”، فأطلقه من لا يعرف حقيقة الوضع على الحوثيين، وصار ذلك هو ما تردده وسائل الإعلام، فاستهدف الشباب المؤمن بشكل عام وتمت ملاحقتهم والتضييق عليهم، مما دفع بعضهم إلى التحاق بحركة الحوثي دفاعاً عن نفسه، واختلطت الأوراق الحزبية والمذهبية والثقافية والاجتماعية، مما فاقم المشكلة وجعلها عصية على حل قريب.
وفي تلك الأثناء كانت إيران ترقب ما يجري في صعدة، وتؤكد في نفس الوقت ألا صلة لها بذلك، وفي المقابل كانت المؤسسات الأمنية اليمنية تقول إن لديها أدلة على تورط إيران في مسار الأحداث عبر شبكة العلاقات التي أنشأتها في الداخل والخارج.
وأصرت بعض وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية في اليمن على إعطاء المواجهات بعداً مذهبياً وأجندة إيرانية، حتى بدى للشيعة في العالم وفي مقدمتهم شيعة إيران أن الحرب قامت على الحوثي بسبب مذهبه، وبالتالي فالواجب الديني والأخلاقي يفرض عليهم مسانده بشكل أو بآخر.
وحينما شاركت القوات السعودية في الحرب على الحوثيين بشكل مباشر في 2009م، وجدت إيران نفسها في حرج ولم يمكنها أن تنأى بنفسها عما يجري وتقف مكتوفة الأيدي تجاه من تقول وسائل الاعلام: إن الحرب قائمة معهم بسبب علاقتهم بإيران، فأخذ الإيرانيون يتواصلون مع جماعة الحوثي في الداخل والخارج لترتيب ما يمكن فعله، وأثمر التواصل:
الدعم الإعلامي عبر مختلف الوسائل، والذي توج مؤخراً، بتمويل قناة المسيرة الخاصة بجماعة الحوثي وتدريب كوادرها الإعلامية.
استقدام مبعوثين من الشباب إلى إيران لأغراض مختلفة، وتقديم حركة الحوثي على أنها الممثل الشرعي للشيعة في اليمن.
التدخل السياسي المباشر من خلال ما ذكرت وسائل الإعلام أنها مساع إيرانية للمصالحة بين الدولة والحوثيين، فضلاً عن دخول رجال الدين السياسيين في كل من إيران والبحرين والعراق ولبنان على الخط بتأييد الحوثي والثناء على طبيعة نشاطه.
إرسال الأسلحة والذخائر إلى الحوثيين، وتدريب كوادرهم في معسكرات خاصة، “حسب تقارير الحكومة اليمنية”.
أما الحوثيون فإنهم لم ينكروا علاقتهم بإيران ولكنهم لخصوا موقفهم من ذلك:
•أنها علاقة طبيعية ومشروعة جاءت نتيجة لتعاطف الإيرانيين معهم بسبب الحملات الإعلامية والعسكرية التي تعرضوا لها.
•إيران دولة مسلمة يتفقون معها في إطار مقاومة التدخلات الأمريكية في المنطقة، وموالاتها خير من مولاة الصهاينة ومن يناصرهم.
•يقولون إن ما يشاع من تلقيهم الأسلحة من إيران غير صحيح، إذ السلاح موجود في اليمن بين أيديهم وبمختلف أنواعه، ولا يحتاج إلى جلبه من الخارج، وحتى إن بعض قياداتهم كان يؤكد: أن الدولة تعرف مصدره جيداً.
وبعد خروج ثورات ما يُعرف بالربيع العربي اختلفت كثير من الأمور، وكان منها اندفاع الإيرانيين لدعم الحوثيين والانفتاح عليهم بشكل غير مَسبوق، بما في ذلك تجاوزهم الالتزامات السياسية بالكف عن التدخل في الشؤون الداخلية لليمن.
وبعد جدل عن طبيعة الدور الإيراني ظهر جلياً بعد أحداث سبتمبر 2014م ودخول الحوثيين صنعاء أن الحوثيين كانوا يراهنون على إيران بشكل كبير، كما كشف الإيرانيون عن مدى أطماعهم في أن تصبح اليمن حَليفاً استراتيجياً وإن سلختها من محيطها العربي.
أما اليوم فلم يعد خفياً مستوى علاقة الجماعة بإيران وتعويلهم عليها، على أن هناك ثمة مبالغة من قِبل بعض خُصوم الحوثيين في مدى الارتهان لإيران والتماهي مع مشروعها في المنطقة.