تحقيق يكشف أمراء الحرب في “عدن” جنوبي اليمن (كتائب المحضار وأخواتها)
على متن شاحنات كبيرة ومتوسطة، سُيق أكثر من ألف يمني إلى خارج مدينة عدن، عاصمة البلاد المؤقتة، ليعودوا إلى مواطنهم في المحافظات الشمالية، في أسوأ عملية تهجير قسرية عرفتها المدينة المسالمة. يمن مونتيور/ وحدة التحقيقات/ من عمار زعبل
على متن شاحنات كبيرة ومتوسطة، سُيق أكثر من ألف يمني إلى خارج مدينة عدن، عاصمة البلاد المؤقتة، ليعودوا إلى مواطنهم في المحافظات الشمالية، في أسوأ عملية تهجير قسرية عرفتها المدينة المسالمة.
وعرفت عدن، كبرى مدن جنوب اليمن، بأنها مدينة التعايش لفئات عديدة من المجتمع، وبها نشأ مجتمع متمدن ومتعدد ومتنوع، وفي بعض أحيائها يقطن سكان من أصول بريطانية وهندية وجنسيات أخرى تنحدر من مستعمرات بريطانية أخرى.
توسعت المدينة باتجاه الشمال، ونشأت أحياء رئيسة هي الشيخ عثمان والمنصورة، ودار سعد، وكانت جزءاً من سلطنة لحج العبدلية قبل أن يتم ضمها إلى عدن بعد الاستقلال؛ ومعظم سكان هذه الأحياء ينحدرون من المحافظات الشمالية.
تم تهجير هؤلاء اليمنيين بدعاوى عدم وجود إثبات لهوياتهم، وبدلاً من إيداعهم السجون الرسمية، وضعوا في ناقلات الشحن خارج الحدود الشطرية التي كانت قبل 26 عاماً، اللافت أن هؤلاء رفعوا هوياتهم الشخصية لكل من قابلهم ونشرت صورهم على شبكات التواصل الاجتماعي.
لاقت الحادثة استهجاناً كبيراً من قبل الرئاسة والحكومة اليمنية، إضافة إلى مئات المقالات والمنشورات التي كتبها الناشطون تنديداً بهذا التصرف.
يحاول (يمن مونيتور) في هذا التحقيق أن ينقل صورة مبسطة لما يجري في عدن، وعن الشخصيات والمجموعات التي باتت تلعب دوراً رئيساً في عمليات الترحيل، والتحكم بأمن المدينة، تحت غطاء الحكومة الشرعية.
بسام المحضار
“بسام المحضار”، صار اسمه شاغلاً لأبناء عدن، جنوب اليمن والمحافظات المجاورة، بل صار عابراً لليمن إلى دول الإقليم والعالم بعد حادثة الترحيل، التي لم يوجد لها مثيل إلى اللحظة في أي بلد عربي، حتى تلك التي شهدت انقسامات، وإن حدثت ليست بهذه الصورة، كما يقول متابعون وناشطون يمنيون شغلتهم الصورة، والموضوع الذي صار حديث الساعة في مواقع التواصل الاجتماعي والشارع أيضاً.
إذ زاد غلياناً واحتقاناً في الآن نفسه، لأنه جاء من العاصمة الاقتصادية للبلاد، والمؤقتة للحكومة الشرعية، التي تحاول إلى اللحظة إيجاد قدم لها فيها، ما بالك بالمواطن البسيط الباحث عن لقمة العيش لا شيء غيرها.
ينحدر “المحضار”، وهو ليس اسمه الحقيقي كما أوضحت مصادر خاصة لـ”يمن مونتيور”، من محافظة شبوة، جنوب شرق اليمن، كان بعيداً عن السياسة ولا حضور يذكر له في المجتمع العدني.
كان “المحضار” ينسحب تدريجياً نحو التدين والتشدد، إذ صار سلفياً وانضم للمقاومة الجنوبية إبان غزو قوات الحوثي وصالح للمدينة في مطلع العام الفائت، وكان تابعاً لأحد القيادات الكبيرة في المقاومة.
سكان محليون أوضحوا في إطار حديثهم لـ(يمن مونتيور) أن المحضار وجد تربة خصبة للعب دور ما، وقد جاء في إطار ترحيل مواطني المحافظات الشمالية “تعز وإب” على وجه الخصوص، فقد أسندت له المهمة، لإلصاق التهم بفصائل معينة بأنها تعمل على تفكيك النسيج الاجتماعي، وتعمل على إذكاء الفتنة.
الأمن في عدن مسؤولية مَنْ؟
أشارت المصادر إلى أن قضية حفظ الأمن كان من الأجدر أن يتحملها المجلس المحلي لعدن والأمن فيها، وبطرق أخرى، لا تثير مثل هذه الحساسيات، التي قد تمتد آثارها إلى أجيال قادمة، فهم، أي المحضار، ومن على شاكلته قد ضربوا عرض الحائط بالأعراف والتقاليد والمثل والأخلاق، وانحازوا لصوت العنف والقتل والتغييب والإلغاء، الذي خرج من أجله كل أبناء الجنوب حسب قولهم.
الغريب في الأمر أن “بسام المحضار” سيطر على مديرية الشيخ عثمان، وسط عدن، وهي المديرية الوحيدة، التي لم تسيطر عليها قوات الحوثيين وصالح إبان غزوهم للمحافظة، ومع ذلك “المحضار” وفصيله يعدُّ من أكثر الفصائل تسليحاً بعد تحريرها، ويمتلك السلاح الثقيل منها الدبابات التي شارك فيها مؤخراً في أحداث المنصورة، في إخراج تنظيم القاعدة منها في مارس/ آذار الماضي.
التيار السلفي
يقول الناشط الشبابي “بندر العقربي”، إن مثل هذه الجماعات تثير الكثير من التساؤلات، منها من تخدم، أو تتبع، خصوصاً أن هناك من يحاول إلصاقها إلى التيار السلفي، الذي انقسم إلى اتجاهات عديدة في بداية الحرب، منها من شارك، ومن وقف على الحياد، ومن شارك في صف الانقلابيين بصورة أو بأخرى.
ويرى “العقربي” في حديثه لـ”يمن مونتيور” أن التيار السلفي معروف عنه السلم والسلام ويتعايش مع الجميع، مع الحاكم، بل نستطيع أن نقول إنه مع الوحدة، لكنه اليوم بتصرفات المحضار وغيره يبدو وكأنه يميل لأطراف في الحراك الجنوبي الساعي للانفصال وجهات أخرى خارجية تدندن حول الموضوع نفسه، من فصل جنوب اليمن عن شماله.
أحد السلفيين ممن درسوا في مركز السنة في الفيوش الذي كان يرأسه عبدالرحمن العدني، الذي اغتيل في ظروف لا تختلف كثيراً عما يحدث اليوم، أوضح لـ”يمن مونتيور” أن المحضار كان تابعاً لهاني بن بريك الذي دخل في خلافات كبيرة مع الشيخ العدني واتهمته أطراف متعددة بالضلوع في اغتياله، وأكد ذلك كما يقول إن دولة الإمارات أخذت الجاني وتم إخفاؤه إلى اليوم، ولم تتم محاكمته..
حادثة ذوباب الساحلية
في 10 فبراير المنصرم تقلى المحضار اتهامات بقتل 25 جندياً من لواء زايد العسكري في منطقة ذوباب الساحلية، وهي المعركة التي استطاع فيها الحوثيون وقوات صالح من السيطرة على مواقع استراتيجية، المحضار كان يقود مجاميع مسلحة، وأسلحة ثقيلة لكنها انسحبت من المكان مما سهل على الانقلابيين المهمة كما أوضح ضابط كبير في لواء زايد، الذي تم تشكيله عقب تحرير عدن، بعد أن تم دمج عدداً من الفصائل المقاومة.
الضابط، الذي تحدث لـ(يمن مونيتور) مفضلاً عدم كشف هويته، أكد أن المحضار حينها سحب مدرعات إماراتية كانت بحوزته وحوزة مقاتليه من جبل الإرسال المطل على المجمع الحكومي لمديرية ذوباب، كانت القوة التي معه تكفي لصد هجوم الحوثيين، فحدثت المجزرة وحدث الانسحاب حينها، وكان مؤلماً جداً لكل أبناء اللواء والقبائل المساندة للجيش الوطني.
أمراء وإقطاعيون
شخصيات أخرى لا تقل غموضاً، لها اليد الطولى في ترحيل العمال والطلاب من مدينة عدن، هناك من يعمل على أن تكون صاحبة الصوت الأعلى في مدينة، من المفترض أن تحمل عناوين التعايش والمواطنة كأنموذج للمدن المحررة من مليشيا الانقلاب، وهو ما لم يحدث حتى اللحظة كما يرى الصحفي مفيد حسن، ويؤكد أن أسماء كثيرة صارت تثير الرعب في أزقة وأحياء عدن المسالمة.
مازن الجنيدي، نبيل المشوشي، مالك هرهرة، وآخرون، غدوا أمراء حرب، عملوا مع المحضار على مداهمة المحلات والبيوت في مناطق مختلفة في حملة ما زالت مستمرة، لا أحد يعرف شيئاً عن حياتهم السابقة، بعد أن توارى عن المشهد القادة الحقيقيون بضغوط لا أحد يستطيع التحدث عنها في عملية سميت بدمج المقاومة في تشكيلات الجيش الوطني، عملت على نفي الكثيرين منهم، إلى خارج البلاد واغتيال البعض الآخر.
أسماء أخرى شاركت في الحرب ضد الانقلابيين، لكن الأغلب منهم كما يقول “مفيد حسن” ظهروا، مؤخراً، بعد تحرير المحافظة، هناك من يتبع قيادة المجلس المحلي وآخرون يعملون أعمالاً أحادية كما في حادثة اقتحام مصنع الغزل والنسيج بالمنصورة والسيطرة عليه بقوة السلاح.
خارطة السيطرة
في استقراء بسيط غدت عدن إقطاعية حرب، لأشخاص لا يعرف المواطن إلى ماذا يسعون، غير السيطرة، وأن تكون لهم الأوامر في الأماكن التي يسيطرون عليها. فبسام المحضار، مثلاً، بات المسيطر على كبرى مديريات عدن، من حيث السكان وهي الشيخ عثمان، والشيخ السلفي محمد البوكري على دار سعد، أنس العولي على مديرية التواهي، أيمن عسكر على البريقة، سليمان الزامكي على خور مكسر، ذاب بعضهم في جهاز الأمن بقيادة شلال شائع، الذي عين بقرار جمهوري كمدير لأمن عدن، وما زال البعض الآخر هو الحاكم الفعلي في إمارات غير معلنة.