معوقات تحوّل “جماعات العنف” إلى الحالة السياسية (1-2)
سأضع هنا بعضاً من المعوقات التي تقف في طريق تحول جماعات العنف (المليشيا) إلى الحالة السياسية، مما استطعت مقاربته في حالتنا اليمنية، خاصة ونحن هنا على أعتاب مرحلة مهمة كثيراً ما يروج لمثل فكرة الانتقال باعتبارها عملية مباشرة وسهلة. يمن مونيتور/ من حمزة المقالح
سأضع هنا بعضاً من المعوقات التي تقف في طريق تحول جماعات العنف (المليشيا) إلى الحالة السياسية، مما استطعت مقاربته في حالتنا اليمنية، خاصة ونحن هنا على أعتاب مرحلة مهمة كثيراً ما يروج لمثل فكرة الانتقال باعتبارها عملية مباشرة وسهلة.
على افتراض أن مليشيا الحوثي لديها القرار والرغبة في الانتقال من حالة العنف إلى الحالة السياسية، فإن أول معوقاتها التي تمنعها من هذا الانتقال هي معوقات ذاتية.
فالمعوقات الذاتية لها علاقة ببنية المليشيا الفكرية وبنيتها التنظيمية، وكذلك طبيعة وشكل التحالفات الحالية وعلاقتها محلياً واقليمياً وكذلك حجم المصالح التي تشكلت كلها في ظروف الحرب باعتبارها فرصة للاغتناء والتربح.
إن المليشيا الحوثية قد اعتمدت على خطاب لا يقل عنفاً عن الأدوات التي استخدمتها في فرض سيطرتها على كل مناحي الحياة، كان خطاب مبالغ في التشنيع والتبخيس بكل من يخالف مشروعها، وقد اعتمدته ضمن اطرها التنظيمية المسلحة في صفوف مقاتليها، بل تجاوز إلى أن أصبح ضمن خطابهم العام.
حاولت الأيدلوجيا الحوثية أن تؤصل لمنطلقاتها الخطابية على اسس متشابهة او متطابقة في أدبياتها مع الحركات المليشياوية الطائفية في المنطقة سواء في العراق او سوريا، وقدمت خطاباً عدائياً لمحيطها العربي، وقدمتهم كشعوب وأنظمة باعتبارهم “عملاء” و”خونة”، وحصرت الحق ضمن إطار ضيق ومحدود في أتباعها فقط وأنصارها، وبهذا ظهرت الحوثية باعتبارها أداة إقليمية خطرة ضمن أجندات غير محلية ولا وطنية.
ظل خطابها السياسي و الحقوقي في بدايات تحركها العسكري مجرد تكتيك ، و استمر في تغير و تقلب و انفعال ، لكنه ظهر بالنهاية كخطاب اقلية مذهبية بعد السيطرة على صنعاء اذ كانت تحاول شرعنة سيطرتها على البلد ككل مستمدة ذلك على الاسناد الخارجي الامريكي و الغربي تحديدا ، و ضمن (مشروع محاربة الارهاب _ الدواعش ) ، محليا كان خطاب مطاطي غير معرف ضمن قواعد قانونية او حتى ضوابط متفق عليها اجتماعياً او سياسيا ، فالجميع كان يعرف ان مصطلح الدواعش سياسي أطلق على كل من يعارض او يقف ضد مشروع هذه المليشيا المسلحة او استكمال سيطرتها.
بعد التدخل العربي تغير خطابها وغلب عليه مصطلح مواجه العدوان، وتحت هذا الخطاب قدموا كل من يقف ضدهم باعتباره “عميل” و”مرتزق” و”خائن”، وعلى ذمة ذلك امتلأت سجونهم ومعتقلاتهم بعشرات الآلاف من أبناء البلد من مختلف المحافظات والتوجهات.
اليوم بعد أن تغيرت الموازين على الأرض، وأصبح من المستحيل السيطرة على اليمن وحكمها بقوة السلاح، حدث الكثير من المتغيرات في اليمن والمنطقة وأصبحت الحوثية محاصرة محلياً بسوء تقديراتها فيما ارتكبته في حق المجتمع تحت زهو القوة وامتلاكها، وفي ظل تكتلات اقليمية ظهرت في مواجهة مخططات التقسيم وشرعنة حكم الأقليات تحت غطاء مكافحة الإرهاب وتشكل تحالف عربي وإسلامي ضمن تنسيق مشترك ما زال يتشكل في مواجهة المخاطر المشتركة بين دول المنطقة..
تغيرت لغة المليشيا الحوثية بعد عدة مباحثات وتفاهمات مع من كانوا يسمونها بـ”دول العدوان”، و ها هم اليوم يبحثون عن فرص بقاء في الكويت وهي دولة مشاركة في التحالف العربي الذي تدخل لتغيير موازين القوة لصالح الدولة التي يمثل فرضها وتقويتها مصلحة مشتركة تصب في تأمين محيط أمنها الاقليمي في الجغرافيا الأهم في المنطقة.
بعد أن استطاعت دول التحالف كسر قوة المتمردين وتجاوزت مخاطر أظفارها، اليوم تفتح عواصم دول التحالف نوافذ للتفاهمات والتباحثات مع قيادات هذه المليشيا في صنعاء أو في صعدة بشكل منفصل وغير رسمي برعاية دول معنية بصراعات المنطقة، وكما يبدو أن هذا يهدف إيجاد مخارج بحدودها الدنيا لرسم سلام فرضته القوة وتحميه القوة بما يحقق خطة التحالف في استكمال إعادة سلطة الدولة الشرعية وفرض سيادتها على كل الجغرافيا اليمنية.
المتتبع لخطابات المليشيا عبر ممثليها ومندوبيها يجد أن تحولهم الفج قد مثل حالة من الاحباط والانتكاسات بين صفوف أتباعها، وربما أنصارها.
فالخطاب المنفعل منذ البداية وغير المدروس، أصبح يمثل مأزق حقيقي يهدد كيان المليشيا و يخلق تصدعات بينية قد تصل معها الامور الى الانقسامات لأن هذا التغير في الخطاب ليس المشكلة بحد ذاتها و لكنه قد يغير خارطة المصالح التي انتظمت داخل كيان المليشيا باعتبارها جماعة عنف تعتمد على ترتيب مالي معين و ترتيب قيادي تنظيمي قد يدفع فريق ما ممن يشعر بالخسارة من هذا التحول الى اعلان موقفه في الوقت الذي لم تعد تجدي معه المواربة او المداهنات و قد يتحول هذا الفريق الى طرف معيق يفخخ الجماعة من الداخل ضمن صراعات بينوية انتجتها تحولات فجائية بظروفها المفاجئة ، و هذا لن يتيح لقيادات المليشيا اعادة ترتيب و انتظام هذه المصالح و القبول بها لأن الوقت أسرع من قدرتهم على التموضع الجديد.
في الجزء الثاني، سأحاول شرح المعوقات الذاتية والموضوعية التي تجهض تحوّل الحوثية من حالتها المليشاوية المسلحة إلى الحالة السياسية.