السلام … الدعم الأكبر المنتظر للاقتصاد اليمني
يمن مونيتور/العربي الجديد
منتصف مارس/ آذار 2023 تكون قد مرت تسعة أعوام على اندلاع حرب التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، ورغم طول هذه المدة، لم يتم التوصل إلى حلول تحسم هذا الصراع، سواء عبر الآليات السياسية، أو الصعيد العسكري، وخلال الفترة ازداد اليمن تمزقًا.
وصاحب هذه الحرب المستمرة بين مكونات الداخل اليمني، أو بين جماعة الحوثيين من جانب والسعودية والإمارات من جانب آخر، اتساع رقعة الفقر، وزيادة أعداد النازحين والمهاجرين، وتعطل مسيرة العديد من الأنشطة الاقتصادية.
وقبل أيام أودعت السعودية مليار دولار لدى البنك المركزي اليمني بعدن في إطار حزمة دعم تعهدت بها الرياض وأبوظبي لليمن بحدود 3 مليارات دولار من أجل حماية عملتها المحلية. وتعد خطوة الدعم السعودي الإماراتي لليمن مهمة، ولكنها ليست الأولى من نوعها، فغير مرة تم تقديم الدعم عبر ودائع من الدولتين بالبنك المركزي اليمني.
ورغم أهمية الدعم المالي إلا أن الأهم أن يعود السلام لليمن، وأن تعمل أنشطته الاقتصادية وفق منظومة واحدة لانتشال البلاد من الفقر وسوء التغذية، فضلًا عن عودة المهاجرين والنازحين، وإفادة اليمن من رؤوس أموال أبنائها التي أخرجوها مع تصاعد الأزمة منذ مارس 2015.
هدنة الأمم المتحدة في رمضان
في إبريل/ نيسان 2022 دعت الأمم المتحدة إلى هدنة لمدة شهرين في اليمن – بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم آنذاك – أعقبها تعهد من قبل السعودية والإمارات بتقديم حزمة مساعدات بنحو 3 مليارات دولار لدعم العملة المحلية وتقوية الاحتياطي النقد بالبنك المركزي اليمني، وكذلك تقديم 300 مليون دولار في شكل دعم إنساني.
فهل ستتكرر دعوة الأمم المتحدة في مارس 2023 لهدنة جديدة، مع اقتراب حلول شهر رمضان؟
الحقيقة أن اليمن يستحق أن يعيش حالة سلام، تعم ربوعه بعد تسع سنوات من الحرب والتدمير أثرت بشكل كبير على أوضاعه الاقتصادية، التي كانت متواضعة أصلاً قبل الأحداث.
وبنظرة لتقرير البنك الدولي عن آفاق الاقتصاد اليمني 2022، نجد أنه يقدم صورة عن حجم مأساة المجتمع اليمني على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، فالتقرير يبيّن أن تهدم البنية المؤسساتية والتحتية في البلاد أدى إلى تعثر خطوات القطاع الخاص.
كما أوضح التقرير أن أكثر من نصف سكان اليمن – البالغ عددهم 29 مليون نسمة – من الفقراء، كما يؤثر الفقر على نسبة تتراوح ما بين 71% و78% من السكان.
والأدهى والأمر أن 40% من الأسر اليمنية تعجز عن توفير متطلباتها الأساسية من الغذاء، ونحو 16.2 مليون إنسان يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وهناك 24.1 مليون إنسان معرضون لخطر المجاعة، منهم 14 مليون إنسان يحتاجون لمساعدات ملحة، ولذلك يعتمد جزء كبير من اليمنيين على الإعانات وتحويلات المغتربين في الخارج.
وليس هذا فحسب، فالمجتمع اليمني يضاف إلى معاناته الاقتصادية والاجتماعية جراء الحرب المستمرة لقرابة تسع سنوات، أصبح يواجه مشكلة أو معضلة صحية تتمثل في انتشار الأوبئة، مثل (الكوليرا، والدفتيريا، والحصباء، وحمى الفتك).
وكان طبيعيًا في ظل أجواء الحرب، وتصاعد حدة التداعيات السلبية اقتصادية واجتماعيًا، أن تتراجع قيمة العملة المحلية، التي صاحبها كذلك تراجع تحويلات المغتربين، مما جعل معدلات التضخم تتصاعد بشكل كبير، وتؤدي لزيادة رقعة الفقر في المجتمع.
حاجة اليمن للسلام
يصنف اليمن، حتى قبل ثورة فبراير 2011، على أنه من الدول الأشد فقرًا أو الأقل نموًا، وكان يعتمد بشكل رئيس على المساعدات الخارجية، وتصدير كميات متواضعة من النفط، إلا أن صادرات النفط، كانت أهم موارد النقد الأجنبي للبلاد.
وأدت الحرب التي اندلعت في مارس 2015 لعرقلة تصدير النفط، كما أن تهدم البنية الأساسية، وتعطل كثير من مؤسسات الدولة، نتج عنه تعطل التجارة، وهي نشاط رئيس داخل الاقتصاد، ولذلك بقدر حاجة اليمن إلى مساعدات نقدية وعينية، من قبل السعودية والإمارات وغيرهما من دول الخليج، فهو كذلك يحتاج إلى الوصول لسلام، عبر إنهاء هذه الحرب في أقرب وقت ممكن، يحفظ لليمن وحدته، وأن يكون هناك مؤتمر مانحين، يتبنى برنامجًا لإعادة الإعمار، بحيث تنتهي مأساة ملايين البشر الذين يواجهون خطر الجوع وانعدام الأمن الغذائي.
اقتصاد عربي
وفي ظل أجواء الحرب، تنتشر ممارسات الفساد، ويتعرض المواطنون لسرقة قوتهم، وتستمر عمليات تهريب الثروات، وتغيب رقابة الدولة عن الأسواق، ويصبح كل شيء خارج نطاق القانون، لذلك صنف اليمن ضمن أفسد 10 دول على مستوى العالم، وفق مؤشر مدركات الفساد في عام 2022، حيث احتل المرتبة 176 من بين 180 دولة شملها مؤشر مدركات الفساد في عام 2022، وحصل على 16 درجة فقط من 100 درجة، هي مجموعة درجات المؤشر.
التكلفة البديلة
نحسب أن ما مضى من وقت في الحرب والنزاع، الداخلي باليمن، أو من خلال مشاركة السعودية والإمارات ضد الحوثيين في هذه الحرب، كفيل بأن يعيد الجميع حساباته، فليس اليمن فقط من يتعرض لخسائر، بل رأينا كيف أثرت ممارسات الحوثيين على أمن الداخل السعودي، واستهداف بعض المنشآت والسفن الإماراتية.
والفرصة البديلة لاستمرار الحرب هي توفير مليارات الدولارات التي تنفقها كل من السعودية والإمارات في هذه الحرب، فضلًا عن إنهاء حالة الاحتقان وتهديد الأمن القومي للبلدين، ومن ناحية أخرى فإن اليمن بحاجة للإفادة من كل دولار ينفق في هذه الحرب الخاسرة، فأهل اليمن يعانون الجوع والفقر والمرض.
وبلا شك فإن حالة السلام التي يمكن أن تتحقق في اليمن، إن خلصت النوايا السياسية، يمكن أن تسهم بشكل كبير في استقرار منطقة الخليج، وبخاصة إذا وجهت لها بعض الاستثمارات المباشرة في عمليات إعادة الإعمار، فدول الخليج النفطية حظيت بعوائد وفيرة خلال عامي 2021 و2022، مما أنعش أوضاعها المالية، ويمكنها أن توجه جزءًا من تلك الأموال لصالح الاستثمار في اليمن.
أما الإعراض عن مشروع السلام في اليمن، فيعني استمرار الحرب، ليزيد استنزاف ثروات أطراف هذه الحرب المحليين والخارجيين، وهو ما يصب بشكل رئيس لصالح أعداء المنطقة، خاصة أن إنهاء حالة الحرب في اليمن، قد يشجع على إنهاء حالات النزاع المسلح في باقي دول المنطقة، مثل سورية وليبيا والصومال.
نتفهم خريطة الصراعات المعقدة في اليمن، ولكن الأوضاع التي آلت إليها معيشة الناس داخل البلاد، تجعل الجميع يعيد حساباته، فلم يستطع أحد حسم الحرب سلمًا أو عسكريًا.
إن دعوة الأمم المتحدة لهدنة في رمضان 2022 لمدة شهرين، جديرة بالاحترام، وقد تتجدد في عام 2023، ولكن حري بأخوة الدين، أصحاب وحدة الجوار، أن يسعوا للإقدام على قرار إنهاء الحرب، لما فيه من خير للجميع، وإلا سيكون استمرار الحرب دلالة على غياب البعد الإنساني لدى كافة النظم التي ساهمت في اندلاع هذه الحرب واستمرارها.