كيف تتحكم شركات التكنولوجيا في خطاب مستخدمي الإنترنت بأميركا؟
يمن مونيتور/ قسم الأخبار
عندما أصبحت شبكة الإنترنت العنكبوتية العالمية (World Wide Web) متاحة للاستخدام العام في 1991، أعلن أنصارها بداية عهد جديد من حرية التعبير بلا ضوابط.
كان ذلك قبل أن تثبت شبكة الإنترنت بشكل عام، ومنصات التواصل الاجتماعي على وجه التحديد، فاعليتها في نشر المعلومات الخاطئة بشأن موضوعات مهمة، مثل فيروس كوفيد واللقاحات، والمعلومات المضللة عن عمد عن السياسة والانتخابات، إلى جانب كل أشكال نظريات المؤامرة وخطاب الكراهية، بما في ذلك التحرش والتنمر.
واجهت منصات التواصل الاجتماعي تدقيقاً هائلاً بشأن المحتوى الذي تُسكته، وذلك الذي تبرزه. قد تغير القضايا التي تنظر فيها المحكمة العليا في الولايات المتحدة شكل المشهد القانوني لشركات التواصل الاجتماعي، وقد يكون لها تداعيات على الخطاب السياسي والانتخابات الرئاسية في 2024.
1) ألا يعطي التعديل الأول للدستور الأميركي الجميع الحق في حرية التعبير على الإنترنت؟
الإجابة هي: نعم، لم يفعل. يحظر التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة الرقابة من قِبل الحكومة لا الشركات الخاصة، مثل مزوّدي منصات التواصل الاجتماعي.
إضافة إلى ذلك، توفر المادة 230 من قانون آداب الاتصالات لعام 1996 حماية واسعة النطاق لساحات التقاء الآراء على الإنترنت، مثل “تويتر”، و”فيسبوك” التابعة لـ”ميتا بلاتفورمز”، من المسؤولية القانونية عن التشهير أو التحرش، إلى جانب توفير منفذ يتيح إدارة النقاشات وإلغاء المنشورات أو تركها.
2) ما سبب تبنّي المادة 230 في قانون آداب الاتصالات؟
روّج رعاة القانون من الحزبين للمادة في تسعينيات القرن الماضي بوصفها قانوناً يؤدي دور “فاعل الخير” على شبكة الإنترنت، التي كانت في مهدها آنذاك.
تحمي أحكام المادة الرئيسية شركات الإنترنت من المسؤولية القانونية في ما يتعلق بأغلب المواد التي ينشرها مستخدمو هذه الشركات، كما تمنح الشركات حصانة قانونية من أي إجراء تتخذه طواعيةً بحسن النية لحذف مواد من منصاتها.
لكن هناك بعض الاستثناءات، فالمادة 230 لا تحول دون المحاكمة الجنائية في ما يتعلق بالمواد الإباحية التي تتضمن الأطفال وتجري مشاركتها على منصات التواصل الاجتماعي مثلاً.
3) ماذا تفعل المحكمة العليا الأميركية؟
نظرت المحكمة في قضيتين بشأن ما إذا كان ممكناً مقاضاة شركات التواصل الاجتماعي لاستضافتها وترشيحها محتوى يرتبط بالإرهاب. تشمل إحدى القضيتين دعوى ضد “غوغل” التابعة لـ”ألفابت” رفعتها عائلة نوهيمي غونزاليس، المواطن الأميركي الذي قُتل وهو في الـ23 من عمره خلال هجمات منظمة شنها تنظيم داعش في باريس خلال 2015.
قالت عائلة غونزاليس إن خدمة “يوتيوب” التابعة لـ”غوغل” خرقت، من خلال خوارزمياتها، قانوناً فيدرالياً لمكافحة الإرهاب، وذلك بترشيح مقاطع فيديو لتنظيم داعش لمستخدمين آخرين، وإن المادة 230 لا تحول دون مقاضاتها.
في مذكرتها للمحكمة تقول “غوغل” إن “ترشيح” وصف خاطئ لما تفعله، وهو اختيار المعلومات التي ستُعرَض وكيفية عرضها بشكل متواصل، حتى لا يغرق المستخدمون في سيل من المعلومات غير المهمة أو غير ذات الصلة.
منصات التواصل الاجتماعي تخسر أكثر من 100 مليار دولار من قيمتها السوقية
في القضية الأخرى، تسعى “تويتر” وشركات تواصل اجتماعي أخرى لتضييق نطاق قانون مكافحة الإرهاب نفسه في قضية ترجع إلى حادث إطلاق نار في ملهى ليلي بإسطنبول في 2017. وإلى جانب ذلك، تودّ كل من ولايتَي فلوريدا وتكساس موافقة المحكمة العليا على قوانين طبقتها الولايتان في 2021 لتقييد حرية المحررين في التصرف بشكل كبير على أكبر منصات التواصل الاجتماعي.
4) كيف تتحكم شركات التواصل الاجتماعي في لغة الخطاب؟
تحذف “تويتر” و”فيسبوك” و”إنستغرام” و”يوتيوب” بصفة دورية المنشورات التي تُعتبر مخالِفة للمعايير بشأن العنف والمحتوى الجنسي والخصوصية والتحرش وانتحال شخصية الغير وإيذاء النفس.
حدث كثير من عمليات الحذف هذه بشكل تلقائي من خلال الذكاء الاصطناعي، رغم أن شركات التكنولوجيا لديها أيضاً آلاف الموظفين والمتعاقدين الذين يساعدون الشركات على التدقيق في المخالفات المحتملة.
تبرم “غوغل” و”فيسبوك” شراكات مع أطراف خارجية من المدققين لتمحيص المنشورات والمواد الإخبارية التي تحوم حولها الشبهات. تصنِّف “تويتر” بعض المنشورات التي تحتوي على مزاعم مضللة أو تُعتبر موضع خلاف في بعض الفئات، مثل فيروس كوفيد أو الانتخابات.
في حالات أكثر ندرة، تحظر المنصات المستخدمين، مثل مُقدِّم البرامج الإذاعية المُحرِّض ألكس جونز، الذي حُذفت حساباته من “فيسبوك” و”تويتر” و”يوتيوب” و”أبل” لاستخدامه خطاب الكراهية. جرى تجميد حسابات الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب على “فيسبوك” و”تويتر” بعد أعمال الشغب التي قام بها أنصاره عند مبنى الكونغرس الأميركي في 6 يناير 2021.
ماسك يصعّد الهجوم ضد مسؤول السلامة السابق في “تويتر”
حظرت “تويتر” ترمب بشكل دائم، لكن بعدما اشتراها إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لـ”تسلا” الذي يصف نفسه بأنه من المؤمنين بحرية التعبير المطلقة، أعاد ماسك تشغيل حساب ترمب. كما قالت “فيسبوك” أيضاً إنها ستتيح لترمب استخدام حسابه الذي يتابعه كثيرون من جديد.
5) مَن الأطراف المستاءة بشأن التحكم في محتوى منصات التواصل الاجتماعي؟
كثير من الأشخاص على جانبي المشكلة مستاؤون. أدت الانتخابات الرئاسية في 2016، حينما استخدم ترمب “تويتر” منبراً للتعبير عن آرائه، إلى سيل من الانتقادات الموجّهة إلى منصات التواصل الاجتماعي بشأن ما رأى كثيرون أنه سياسات إباحة كل الأمور التي يتبعها السياسيون.
ازدادت تلك الانتقادات مع استخدام ترمب -بعدما أصبح رئيساً- لمنصة “تويتر” لإطلاق التهديدات والاستهزاء بالمعارضين والتلاعب بالحقيقة (وجد باحثون بجامعة “كورنيل” أن ترمب يُرجَّح أنه كان أكبر مُحفِّز للمعلومات المضللة بشأن الجائحة). كما أمدّت فرانسيس هوغن، التي عملت مديرة إنتاج في “فيسبوك” لقرابة عامين، المنتقدين بذخيرة جديدة عندما أفشت معلومات خاصة عن الشركة في 2021.
“تويتر” وترمب وكيف يُدار المحتوى عبر الإنترنت
زعمت هوغن أن “فيسبوك” قامت بتغييرات في خوارزمية الملكية الخاصة بها في 2018، بما عزز من ظهور محتوى سام وموضع خلاف ومستهجَن يثير الاستياء الشديد والغضب بين القراء، ما يؤدي إلى مزيد من التفاعل مع الخدمة. لدى ترمب وغيره من المحافظين في الولايات المتحدة شكاواهم الخاصة.
6) مِمَّ يستاء المحافظون؟
أدان ترمب منصات التواصل الاجتماعي لإسكاتها أصوات المحافظين وإخفاء المعلومات والأخبار الجيدة. وبعد انتهاء فترة رئاسته، أطلق ترمب منصته الخاصة “تروث سوشيال” (Truth Social).
من المسائل التي تُعَدّ مثار خلاف مستمرّ بين المحافظين، هي كيفية تعامل “تويتر” و”فيسبوك” مع مقال سلبي نشرته جريدة “نيويورك بوست” (New York Post) في 2020 عن هنتر بايدن، ابن الرئيس الأميركي جو بايدن. وقيّدت عملاقا التواصل الاجتماعي قدرة المستخدمين على مشاركة منشور “نيويورك بوست”، استناداً إلى مخاوف تتعلق بالطبيعة الخاصة بالمادة وما إذا كان المنشور قد تعرض للاختراق.
“تويتر” تحظر انتحال الهوية غير المصنف بأنه محاكاة ساخرة
دعمت التقارير اللاحقة الصادرة عن مؤسسات إخبارية أخرى صحة المادة التي استندت إليها “نيويورك بوست”، ما أجّج الانتقادات أن منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الرئيسية أسكتت أخباراً مشروعة. وكان أحد أسباب شراء ماسك لـ”تويتر” هو اختلافه مع قيود المحتوى التي تُطبق في الموقع.
7) كيف تتعامل دول أخرى مع هذه المشكلة؟
في الصين وروسيا ودول أخرى تخضع للحكم الاستبدادي، تفرض الحكومات رقابة على الإنترنت بشكل نشط، بما في ذلك حظر أو تقييد الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي تملكها شركات أميركية بشكل كبير.
يتحرك بعض الأنظمة الديمقراطية لفرض قواعد أكثر صرامة على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أسرع من الولايات المتحدة. وضعت الهند “تويتر” و”فيسبوك” وأمثالهما تحت إشراف حكومي مباشر، مُطبِّقة بذلك قواعد تتطلب من منصات الإنترنت مساعدة جهات إنفاذ القانون في تحديد هوية من ينشرون معلومات “خبيثة”.
يتيح قانون الخدمات الرقمية، الذي سنّه الاتحاد الأوروبي، للدول الأعضاء سلطة جديدة لحذف المحتوى غير القانوني، مثل خطاب الكراهية والدعاية الإرهابية، ولدفع المنصات لاتخاذ خطوات إضافية للتعامل مع المواد المؤذية.
على شركات مثل “تويتر” تقديم تقارير سنوية للاتحاد الأوروبي تشرح فيها كيفية تعاملها مع المخاطر النظامية التي يفرضها محتوى مثل التعليقات العنصرية، أو المنشورات التي تُمجِّد اضطرابات الأكل.
بلومبرغ