بعد أسابيع من مقابلته الشهيرة المطولة مع مجلة «أتلانتيك»، حط أوباما الرحال في الرياض، تاركا وراءه عاصفة من الجدل في أوساط الكونجرس بخصوص ما يُعرف بقانون هجمات سبتمبر الذي يسمح بمقاضاة السعودية ودول أخرى بتهمة التورط في الإرهاب، فيما كانت المحكمة العليا الأميركية تصدر في ذات اليوم حكما بتغريم إيران حوالي ملياري دولار بذات التهم. بعد أسابيع من مقابلته الشهيرة المطولة مع مجلة «أتلانتيك»، حط أوباما الرحال في الرياض، تاركا وراءه عاصفة من الجدل في أوساط الكونجرس بخصوص ما يُعرف بقانون هجمات سبتمبر الذي يسمح بمقاضاة السعودية ودول أخرى بتهمة التورط في الإرهاب، فيما كانت المحكمة العليا الأميركية تصدر في ذات اليوم حكما بتغريم إيران حوالي ملياري دولار بذات التهم.
في المقابلة المذكورة، ظهر أوباما ساخطا على «الشرق الأوسط» برمته، لكن موقفه من السعودية كان الأكثر سلبية على الإطلاق، فقد حمَّلها على نحو ما مسؤولية الخطاب الإسلامي المتشدد السائد في العالم العربي والإسلامي.
لا يختلف كلام أوباما عن خطاب كثيرين في الغرب، بل ومناطق أخرى، تتصدرها إيران ومنظومتها، من تلك التي تحمّل مسؤولية خطاب تنظيم الدولة للسعودية كراعية عملية للفكر السلفي، وذلك في معرض التنصل من مسؤوليتهم السياسية عن إنتاج الحالة الجهادية في طبعتها الأخيرة وقبل الأخيرة (أميركا بغزوها للعراق وإيران، بما فعلته في العراق وسوريا، ولاحقا في اليمن).
يتحدث الأميركيون عن أوراق سرية في وثائق 11 سبتمبر، تشير إلى تورط مسؤولين سعوديين ليسوا من الصف الأول في تمويل القاعدة، لكن أي منطق لا يمكن أن يقبل ذلك. وحتى لو حصل أن أميرا ما أو مسؤولا من الدرجة الثانية أو الثالثة قد تعامل مع القاعدة، فإن ذلك لا يعني اتهام دولة بكاملها كانت في حالة اشتباك مع التنظيم، قبل انتقاله إلى «العدو البعيد»، وللمفارقة في ظل تنظير يقول إن ذلك العدو هو المسؤول عن «دعم الطغاة».
ربما كان من العسير توصيف نوايا واشنطن محاكمة السعودية بتهمة التورط في هجمات سبتمبر، خارج إطار منظومة «عهر القوي»، وهي منظومة وجدت صداها مرارا ضد مؤسسات معينة، كما هو حال البنك العربي الذي دفع مبالغ مهولة في تسويات تتعلق بقضايا رفعها أهالي قتلى أميركيين إسرائيليين سقطوا في عمليات للمقاومة الفلسطينية، بخاصة حركة حماس، بدعوى أن البنك يسهل نقل أموال للحركة، مع أنه متشدد في ضبط معاملاته لتجنب هذه الشبهة.
لكن تذكّر القصة في هذا الوقت بعد 15 عاما على الهجمات، يعبر بدوره عن حجم الأزمة بين البلدين، الأمر الذي وجد صداه في الرد السعودي القوي على النوايا الأميركية، عبر التلويح ببيع الأصول السعودية في أميركا (حوالي ثلاثة أرباع تريليون دولار)، ثم عبر استقبال باهت لأوباما في الرياض.
هنا يبرز جانب مهم، ربما يتبع انحياز واشنطن لطهران في الأعوام الأخيرة، يتمثل في قدرة كثيرين على التمرد على أميركا بعد حالة الضعف التي انتابتها وتصاعدت منذ غزو العراق ولغاية الآن، والسعودية هنا ليست استثناءً، لاسيما أن خلاصة خطاب واشنطن للحلفاء العرب هي أن عليهم أن ينزعوا شوكهم بأيديهم.
أيا تكن نتيجة هذه الجولة من الجدل، وما إذا كان القانون سيمر (أوباما رفضه وتوعد باستخدام الفيتو، مشيرا إلى أن شيئا كهذا قد يُستخدم ضد الأميركان أيضا، وهو يعلم أنهم الأكثر إجراما، بخاصة في متعلقات غزو العراق).. أيا تكن النتيجة، فإن المؤكد أن العلاقة الأميركية السعودية لن تعود إلى سابق عهدها، بل ربما تذهب نحو تدهور أكبر في حال فاز ترامب، من دون أن يعني أن الأمر سيكون أفضل بكثير إذا فازت كلينتون.
الوجه الآخر الإيجابي هو أن ضعف أميركا النسبي قد يتيح تفاهمات إقليمية لمصلحة الجميع بين إيران وتركيا والعرب، لكن ذلك ما زال في حاجة إلى رشد إيراني، وتراجع عن أحلام التوسع المجنون، وهو ما لم تظهر عليه ملامح جدية إلى الآن، ربما لأن المحافظين يخشون تداعياته على وضعهم الداخلي، بوصفه شكلا من أشكال الاعتراف بفشل مشروع دُفعت فيه الأموال الطائلة، وتُدفع فيه الآن أرواح أيضا.
نقلا عن جريدة العرب القطرية