أخبار محليةاخترنا لكمالأخبار الرئيسيةتقارير

وفاة الشيخ “صادق الأحمر”.. مستقبل “قبيلة حاشد” والحرب وقراءة في الجنازة والتحشيد (تقرير خاص)

يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص:

احتشد جمهور غفير ملأ ميدان السبعين الأحد الماضي الثامن من يناير الجاري في تشييع جنازة الشيخ صادق الأحمر، شيخ قبيلة حاشد التي هزمت في مواجهة الحوثيين عسكريا نهاية2013 والنصف الأول من 2014. كانت القبيلة تقاتل تحت قيادة أسرة الأحمر، مثل حسين وحمير وصادق الأحمر. شاركت القبيلة بقوة في قتال الإمامة في ثورة سبتمبر في ستينيات القرن الماضي.

تجاهل عبدالملك الحوثي وفاة صادق الأحمر، ومثله معظم أفراد أسرته التي تهيمن على شمالي اليمن، منذ تسع سنوات، ولم يحظر قادة الحوثي جنازة الأحمر في ميدان السبعين بأمانة العاصمة. وحده مهدي المشاط (رئيس المجلس السياسي للجماعة) عزى في وفاته، لكن لم يحضر أياً من كبار قادة الحوثي مراسم تشييع الجنازة.

 

الحوثيون و”عائلة صالح” يتفقون مجدداً

لاحقا ذهب علي القحوم رئيس المكتب السياسي للجماعة إلى منزل الأحمر في صنعاء وعزى الشيخ حمير، كما ذهب يحيى الحوثي (شقيق زعيم الحوثيين) يوم الثلاثاء إلى ذات المنزل. لم تحظ هذه الزيارتين بأي تغطية إعلامية في وسائل إعلام الحوثي.

تجاهلت وسائل إعلام الحوثي الكثيفة، خبر جنازة صادق الأحمر تماما، وفحص يمن مونيتور أخبار وكالة سبأ التي يسيطر عليها الحوثي، وقناة المسيرة الناطقة باسم المليشيا، وعدد من الصحف الرسمية التابعة للجماعة، ولم يجد أي ذكر لها، أكد مسؤول في الجماعة أن توجيهات من قيادة الجماعة بتجاهل الخبر.

بالمقابل نعى معظم مسؤولي الحكومة “المعترف بها دولياً” الشيخ صادق الأحمر، وشاركوا ببرقيات عزاء أو حضور مخيمات عزاء في الخارج، بما فيهم عيدروس الزبيدي، الذي أرسل برقية عزاء ثم التقى حميد الأحمر بالرياض أمس الثلاثاء للعزاء. تخلفت أسرة الرئيس السابق “علي عبدالله صالح” عن العزاء، وكان طارق صالح التقى، بصادق الأحمر قبل أسابيع في العاصمة الأردنية عمان، لكنه لم يعز بوفاته، لم ينشر أي خبر بالتعازي من بقية أعضاء “أسرة صالح”.

كانت الأسرتان (أسرة الأحمر وأسرة صالح) تخوضان صراعا مريرا منذ بداية الألفية، عقب إيكال “صالح” لأفراد عائلته من الجيل الثاني مهام عسكرية وأمنية ومالية كبيرة، بوفاة عبدالله بن حسين الأحمر في 2007، تصدعت العلاقة بينهما، ودخلتا في نزاع حاد منذ 2011.

 

احتشاد كثيف لتشييع الشيخ صادق الأحمر

وأعلنت أسرة صادق الأحمر وفاته يوم الجمعة الماضية في العاصمة الأردنية عمان، وقالت إنه سيدفن ظهر الأحد في مقبرة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر بالسبعين، فور وصوله.

في يوم الجمعة نفسه، حشدت جماعة الحوثي أتباعها في عدة محافظات لإظهار شعبيتها وتأكيد التماسك في جبهتها الداخلية المتصدعة، وعملت بنشاط بمختلف الوسائل والإمكانات لإظهار كثافة أنصارها.

وظهر الأحد، امتلأ ميدان السبعين، أشهر ميادين صنعاء المرتبط في الوجدان الشعبي والذاكرة اليمنية بملحمة السبعين في مواجهة الإمامة، بالمشيعين، ليس هناك عدد محدد للحضور لكن وسائل إعلام محلية تقول إنهم بالآلاف وبعضا عشرات الآلاف.

خلت فعالية التشييع من أي شعار أو علامة تدل على الحوثي في التشييع، أكثر من ذلك كانت الجثمان مغطى بالعلم الجمهوري. لا تغطي مليشيا الحوثي أتباعها خاصة من الهاشميين بالعلم الجمهوري وإنما باللون الأخضر وشعار الجماعة. وصلى الناس “بالضم” صلاة الميت على صادق الأحمر.

 

عن أسباب الحشد الكبير ودلالاته

قال مصدر أكاديمي في صنعاء لـ”يمن مونيتور”، شرطة عدم الكشف عن هويته لأسباب تتعلق بأمنه إن هناك أسباب متعددة لهذا الحشد: “الأمر يرجع الى عوامل عدة لا إلى عامل واحد، تاريخ آل الأحمر ومكانتهم في حاشد وفي عموم قبائل اليمن، ليست خافية؛ منذ القرن ال ١٧ أو ال١٨ كانوا زعماء حاشد”.

يضيف هناك أسباب عدة لاكتساب الأسرة تلك المكانة: “اكتسبوا مكانتهم أحيانا من مقاومة الإمامة وأحيانا من التحالف معها، وأحيانا أخرى من مصاهرة بعض العائلات الهاشمية (القريبة من الإمامة)”.

يضيف الأكاديمي وهو من أحدى فروع قبيلة حاشد: “سيقول البعض إن الحضور الكبير هو تعبير عن الغضب من الحوثي، وذلك صحيح جزئيا، لكنه أيضا يدل على مكانة الأسرة التي شيعت بكثافة الراحل عبدالله بن حسين الأحمر، وصادق امتداد لوالده”.

ويؤكد المصدر أن مكانة “صادق”: لا يستهان بها لخصاله ولمواقفه الشجاعة من الإماميين الجدد (في إشارة إلى الحوثيين).

 

بعد قبلي آخر

الباحثة اليمنية ندوى الدوسري تعتبر في تصريح خاص لـ”يمن مونيتور” أن “تلك الحشود تمثل صرخة قوية في وجه الحوثي، الشيخ صادق وقف في وجه الحوثي حتى هزم، والجنازة صرخة كبيرة في وجه الحوثي وهي نوع من المقاومة”.

مع ذلك لا يقتصر الحشد على مكانة صادق وأسرته فقط، ولكن له بعد قبلي، كما يقول المصدر الأكاديمي: “حاشد تتضامن دائما مع زعمائها وتلتف حولهم”.

أما عن المحتشدين من خارج قبيلة حاشد فيعيده المصدر إلى عوامل عدة أهمها: “في أيامنا، الاحتشاد للتشييع هو الصورة الوحيدة المسموح بها، فكيف لا تحتشد حاشد ومعها قبائل كثيرة وأناس كثيرون محبون لصادق وآل الاحمر؟ احتشدوا حبا وتقديرا واعترافا من ناحية، وبغضا للإمامة الجديدة من ناحية أخرى”.

ويشير إلى عامل مشترك بين القبائل “تشعر القبيلة بمرارة بالغة جراء ما تعرضت له من قهر وإذلال في السنين الأخيرة وكذلك كل الناس، وبالتالي من الطبيعي أن يؤثر ذلك في مستوى الحضور لتشييع صادق”.

يقول الأكاديمي: “هناك شعور عام بأن كل ذات ونفس تعرضت للقهر في صنعاء، ومناطق سيطرة الحوثي، وترفض الاعتراف بذلك القهر، وتستغل أي مناسبة لرفض ذلك الاعتراف، ولن تقر بهزيمتها، وتشكل مظاهر التشييع أحد أبرز المنصات الممكنة، التي يستغلها الساخطون على الحوثي لإبراز موقفهم المناهض للحوثي، وقد رأينا ذلك في عدد من الجنازات مثل جنازة العلامة العمراني رحمه الله قبل أكثر من سنة ونصف”.

 

لا علاقة قوية بين الحوثيين و”قبيلة حاشد”

وتنفي “الدوسري” أن تكون القبيلة في علاقة قوية مع الحوثي إذ يستهدف الحوثي القبيلة بكل ما أمكن، وتعامل معها كأتباع وطبقة بلا احترام وتابعة لهم عنصريا وطائفيا، وسيواصل استهدافها وتفكيكها بكل الوسائل.

الدكتور عادل دشيلة الذي كتب عدة أبحاث ومقالات عن العلاقة بين القبيلة والدولة وبينها وبين الحوثي يقول في تصريح خاص ليمن مونيتور: العلاقة بين القبائل والحوثي ليست على ما يرام، وليست هناك بينها وبين الحوثي علاقة مصالح متبادلة كما كانت بينها وبين الدولة قبل سقوط الجمهورية، وإنما العلاقة الآن قائمة على منطق الغلبة والقوة والقمع والقهر”.

ويضيف دشيلة: ” الحشد الهائل في جنازة صادق الأحمر، زعيم قبيلة حاشد، دليل واضح على رفضهم لحكم الجماعة الحوثية بطريقة غير مباشرة، ولو لم يكن هناك رفض اجتماعي وقبلي لما خرجت تلك الحشود”.

أما الباحث نبيل البكيري فيقول في تصريح خاص ليمن مونيتور “جنازة صادق الأحمر والجنازات السابقة مثل جنازة المقالح والعمراني وحسين الأحمر عبارة عن استفتاء عام لرفض الحوثي”.

ويضيف “تبحث القبائل والمجتمع في صنعاء عن أي بصيص أمل للتعبير عن ذلك الرفض حتى من خلال جنازة ميت”.

يدفع ذلك للتساؤل: لماذا سمح الحوثيون بجنازة صادق الأحمر؟

مع تزايد الغضب والنقمة الشعبية الواسعة ضد الحوثي، لم تعرقل جماعة الحوثي المسلحة إقامة جنازة حاشدة لصادق الأحمر، مقارنة بعلي صالح، ومن المتوقع أن يكون هناك زيادة في النقمة الشعبية القبلية لو كانت منعت الحشود من الوصول إلى صنعاء، خاصة الجانب القبلي منه، وفق ما يقول الدكتور دشيلة.

 

إمكانية خروج القبيلة ضد الحوثي

وعن إمكانية الخروج القبلي ضد الحوثي يقول دشيلة: “هناك ضعف عام مازال يعتري القبيلة مثلها مثل باقي مكونات المجتمع السياسية والقبلية، ومرت بمنعطفات كبيرة، على المستويات عدة، وهزمت القبائل في أكثر من جبهة أمام جماعة الحوثي نظرا للفارق الهائل في العقيدة والتنظيم والسلاح والموارد، ولكن الحشود مؤشر إيجابي ما تزال ترفض حكم جماعة الحوثي، ولا يمكن أن تقبل به إلى الأبد، وسيكون في نهاية المطاف تحرك على المستوى القبلي والاجتماعي والسياسي لإنهاء هذا الحكم، وقد نسمع في أي لحظة بأن تتحول الأمور رأسا على عقب”

ويشترط دشيلة توفر عوامل محددة لاندلاع انتفاضة قبلية ضد الحوثي: لو وُجدت القيادة القبلية والسياسية المحنكة مع دعم معين من الدولة، لكانت قد خرجت قبل اليوم ضد الحوثي”.

من جهتها أشارت “الدوسري” إلى أن طبيعة العلاقة بين حاشد والحوثي وكذلك بين القبيلة والحوثي عموما ” تمادى الحوثي في إهانته للقبيلة، وذهب بعيدا في علاقته بها، وبالتالي  القبيلة ليست في صف الحوثي بالغالب ولم تتقبل الحوثيين حتى وإن طأطأت رأسها حاليا، هناك مقاومات قبلية ضد الحوثي في عدة محافظات، وعندما خسرت القبيلة الحرب ضد الحوثي، انحصرت أولويات ومحددات علاقاتها معه بأن تحافظ على الأمن في مناطقها وأن تجنبها الصراع، خاصة بعد تدمير الحوثي لعدد من مناطق وقرى قبائل وقفت ضده وخسرت المعركة مثل ما حدث لقبيلة حجور وغيرها”.

ويقول البكيري: “حاشد تدير علاقاتها بالحوثي وفقا للواقع على الأرض هي رافضة للحوثي رغم أنها خسرت المواجهة عسكريا قبل ذلك في وجه الحوثي، ولكنها لن تتدخر فرصة للانقضاض عليه متى ما رأت ذلك مناسباًَ”.

 ماذا عن دلالات اختيار حمير الأحمر شيخا لحاشد؟

حمير الأحمر هو شقيق صادق الأحمر، كان يعمل عضوا في مجلس النواب، وتقول مصادر قبلية إن الشيخ حمير الأحمر كان آخر المنسحبين من جبهات القتال ضد الحوثي في معاقل حاشد وتحديدا من منطقة الخمري مسقط رأس العائلة مطلع سنة2014، وترجح مصادر قبلية أن يكون الشيخ حمير قائدا كفؤا لحاشد التي تواجه هجمة حوثية مكثفة لتكفيكها.

وتقول الدوسري إن سرعة اختيار حمير الأحمر شيخا جديدا للقبيلة يدل على وحدة القبيلة وإدراكها التام بخطر الحوثي الذي يسعى لتفكيكها، وبالتالي تسعى للتماسك أكثر. واختيار حمير الأحمر أحد أهم المظاهر في مواجهة الحوثي والإمامة، باعتبار القبيلة أحد أهم المؤسسات الاجتماعية التي ستبقى في مواجهة الحوثي، لكن خطر تفكيك القبيلة قائم إن استقر الحوثي في حكم تلك المناطق، وسيعمل على إنشاء جيل طائفي عنصري تابع له.

 

الضم في صلاة جنازة صادق

كثيرة هي الرسائل التي وجهتها القبائل ضد الحوثي، سواء من حيث كثافة الحشد، أو من حيث التوافق سريعا على اختيار حمير الأحمر شيخا لحاشد، لكن هناك دلالة رمزية مكثفة أخرى شهدتها جنازة صادق الأحمر، أثير بشدة الجدل حولها، وهي ضم المشيعين في صلاة الجنازة على الضد من الحوثيين، وفي هذا السياق يقول عبده سالم في منشور له على فيسبوك وهو باحث يمني كبير في شؤون اليمن والقرن الإفريقي وكان يعمل في الدائرة الاجتماعية لحزب الإصلاح: “الكل يضم يديه في الصلاة ، لاأحد اسدل يديه…(هذا) مشهد رمزي يحمل الدلالات الكثار”.

ويضيف عبده سالم: “هنا تبرز أهمية هذا التشييع الكبير لجنازة الشيخ صادق”.

لكن سالم غير متفائل بكيفية رد الفعل من قبل القوى السياسية والاجتماعية والعسكرية المناهضة للحوثي سواء في الحكومة أو التحالف على رسالة القبائل الرمزية في جنازة الشيخ صادق؛ “من لم يقتنص هذه الفرصة ويتسلم هذه الرسالة الرمزية من القبائل فعليه وعلى قضيته وعلى نضاله السلام”.

بينما قال الكاتب مروان الغفوري تعليقا على ضم الحشود والقبيلة يديها في صلاة الجنازة: “كما لو أن (القبيلة) اكتشفت أن الزيدية لم تكن سوى حصان طروادة لآل البيت. الخديعة لم تكن بالشأن اليسير، كانت عملية تاريخية بالغة التعقيد، تكشفت مؤخرا بكل تفاصيلها. لم يعد ممكنا أن يجمل الوجه الهاشمي ولو غسلته السماء بالزعفران، هذا ما قالته القبائل الضامة”.

لكن هذه التعليقات وجهت لها انتقادات حادة من عدد من الكتاب باعتبار أن ذلك التحول قد مضى عليه زمن طويل، منذ قيام الجمهورية، ويردون عليه بأن صنعاء وفقا لمعيار الضم والسربلة في الصلاة فهي مصنفة على الضم، وكذلك معظم محافظات عمران وحجة والجوف، باستثناء الأسر الهاشمية الجارودية أو الشيعية الاثني عشرية، وقال معلقون: شهدت هذه المناطق تحولات هائلة، خرج منها جميع أنواع الطيف السياسي والفكري الإسلامي بجميع أنواعه بما فيها السلفي وحتى الجهادي، بالإضافة إلى انضمام الكثير منهم لأحزاب ليبرالية ويسارية وقومية وعلمانية. بينما قال معلق آخر إن العصيمات أحد أقوى بطون حاشد، خلت من أي وجود زيدي وصارت “سنية”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى