تراجم وتحليلاتعربي ودوليغير مصنف

الخيانة في صميم السياسة الأمريكية

هناك شعور قوي بالخيانة يقود حملات الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016. كانت حملة دونالد ترامب غاضبة دائمًا، ونحن الآن بدأنا نرى نفس الغضب في حملة بيرني ساندرز. لا يوجد أي مرشح في هذا السباق يردد أصداء رسالة باراك أوباما في عام 2008 عن الأمل والتفاؤل. السيناتور ماركو روبيو وحاكم ولاية فلوريدا السابق جيب بوش حاولا ذلك، وفشلا فشلًا ذريعًا.

يمن مونيتور/ رويترز/
هناك شعور قوي بالخيانة يقود حملات الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016. كانت حملة دونالد ترامب غاضبة دائمًا، ونحن الآن بدأنا نرى نفس الغضب في حملة بيرني ساندرز. لا يوجد أي مرشح في هذا السباق يردد أصداء رسالة باراك أوباما في عام 2008 عن الأمل والتفاؤل. السيناتور ماركو روبيو وحاكم ولاية فلوريدا السابق جيب بوش حاولا ذلك، وفشلا فشلًا ذريعًا.
على الجانب الجمهوري، بدأ الشعور بخيانة قبل فترة طويلة من حملة ترامب. وظهر مع حركة حزب الشاي في عام 2010، والتي زعمت أن الجمهوريين في واشنطن فشلوا في تنفيذ مطلب الناخبين الجمهوريين، وهو وقف أوباما، ولا سيما سياسات مشروع الرعاية الصحية المعروف باسم “أوباما كير.” كما اتهم حزب الشاي قادة الحزب الجمهوري مثل زعيم الأغلبية السابق في البرلمان الأمريكي إريك كانتور، ورئيس مجلس النواب السابق جون بوينر، بخيانة القضية المحافظة.
لم تنبثق حملة ترامب من حركة المحافظين التي تفضل السيناتور تيد كروز. دعم ترامب بين الجمهوريين أوسع من المحافظين الأيديولوجيين؛ فهو يروق لكثير من الناخبين البيض من الطبقة العاملة، الذين يشعرون بالإقصاء من الحزب الجمهوري. وتمّ انتخاب قادة الحزب الجمهوري من خلال دعمهم، ولكنهم تجاهلوهم في قضايا مثل التجارة والهجرة والإنفاق على برامج الاستحقاقات والانعزالية. لكن ترامب يزيد من شكاواهم.
لقد غذى المحافظون هذا الشعور القوي بالخيانة. في فترة الخمسينات، قاد السيناتور جوزيف مكارثي حملة ضد سياسات ما عُرف حينها باسم “الصفقة الجديدة” عن طريق اتهام كبار المسؤولين في الحكومة بالخيانة ومساندة الشيوعية. وفي التسعينات، ترشح بات بوكانان للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة ضد جورج دبليو بوش الأب والسيناتور بوب دول، وادّعى أن رموز النظام كانوا يخونون إرث الرئيس رونالد ريغان.
وعلى الجانب الديمقراطي، وسّع ساندرز رسالة حملته من هجوم على وول ستريت إلى هجوم على الحزب الديمقراطي. وقال: “نحن نهاجم ليس فقط وول ستريت والمؤسسة الاقتصادية، بل نهاجم أيضًا المؤسسة السياسية.” واتهم وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون بأنها جزء من النظام بسبب دعمها لــ “اتحاد تنظيم الوالدية”. حتى أنّه انتقد “حملة الدفاع عن حقوق الإنسان”، وهي منظمة رائدة في مجال حقوق مثلي الجنس في البلاد، لدعم كلينتون لأنها مرشحة النظام.
يشنّ ساندرز حملة قوية ضد إرث الكلينتونية في الحزب الديمقراطي. في العام الماضي، قال: “أنا لا أتفق مع الرئيس السابق بيل كلينتون بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية وإقامة علاقات تجارية دائمة مع الصين. … وأختلف بشدة مع الرئيس كلينتون بشأن تحرير وول ستريت. أنا أعارض هذا بشدة.”
العديد من أنصار ساندرز يعتبرون الكلينتونية خيانة للقيّم الديمقراطية، ويشيرون إلى وول ستريت والصفقات التجارية، وقانون الدفاع عن الزواج، وإصلاح نظام الرعاية الاجتماعية، وصفقة الميزانية التي أبرمها كلينتون مع رئيس مجلس النواب آنذاك نيوت غينغريتش، ومشروع قانون الجريمة لعام 1994، أحد عوامل الاعتقال الجماعي للأمريكيين من أصل أفريقي.
واعترف بيل كلينتون أن قانون الجريمة لعام 1994 “كان مبالغًا فيه.” وقالت هيلاري كلينتون خلال المناظرة الأخيرة: “أعتذر عن العواقب غير المقصودة، والتي كان لها تأثير مؤسف للغاية على حياة الناس.”
كان بيل كلينتون أول ديمقراطي يتم انتخابه بعد أن خسر الحزب ثلاث حملات رئاسية متتالية – جيمي كارتر في عام 1980، والتر مونديل في عام 1984، مايكل دوكاكيس في عام 1988. ومع سلسلة من الخسائر المماثلة، فمن المرجح أن يخلص الحزب إلى ما يلي: “نحن حزب لا يمكن أن يستمر على هذا المنوال “. قاد كلينتون الديمقراطيين نحو السلطة مجددًا عن طريق التوصل إلى تسوية مع إجماع ريغان المهيمن حينها. وكان “ديمقراطيًا جديدًا” ومدافعًا عن “الطريق الثالث”.
وقد انهار إجماع ريغان الذي عُرف باسم “إجماع واشنطن” بسبب إخفاقات إدارة جورج دبليو بوش. واليوم، وبعد الدمار الذي تسببت فيه رأسمالية السوق الحرة في الانهيار الاقتصادي عام 2008، فإنَّ المرشح الذي يصف نفسه بأنه “اشتراكي ديمقراطي” لا يبدو متطرفًا للغاية. إنّها حقبة مختلفة، وكثير من الديمقراطيين يريدون التخلي عن التنازلات التي حدثت في عهد كلينتون باعتبارها خيانة للقيّم الحقيقية للحزب الديمقراطي.
قد يسبب ساندرز ضررًا حقيقيًا لحملة هيلاري كلينتون. قال واحد من بين ثلاثة من مؤيدي ساندرز الشهر الماضي إنه سيرفض التصويت لكلينتون لو أنها أصبحت المرشحة الديمقراطية. وحتى لو لم تفز بترشيح الحزب، يبدو ساندرز عازمًا على إثارة المواجهات في مؤتمر الحزب الديمقراطي حول قضايا (التجارة، وول ستريت) وقواعد (قوة كبار المندوبين).
لقد كانت قضية خيانة بارزة للغاية في فترة الستينات. وحوّلت كلا الحزبين السياسيين. وأعلنت حملة الانتخابات الرئاسية للسناتور باري غولدووتر في عام 1964 أنَّ الحزب الجمهوري قد تعرض للخيانة من قِبل “المؤسسة الشرقية”. ولم يكن الرئيس الجمهوري، دوايت ايزنهاور، بطلًا للمحافظين على الإطلاق. إنّه، مثل بيل كلينتون، كان يتكيّف مع توافق الآراء السائدة. وفي فترة الخمسينات، كانت “الصفقة الجديدة” هي الإجماع السائد حينها.
سُمعت صرخة الخيانة أيضًا على اليسار الديمقراطي في فترة الستينات. لم يكن لدى اليسار أي مشكلة مع التزام المؤسسة الديمقراطية بالرعاية الاجتماعية أو الحقوق المدنية. ولكنهم شعروا بالغضب بسبب حرب فيتنام وخالفوا التزام الحزب بالاحتواء المناهض للشيوعية الذي يعود إلى الرئيس هاري ترومان وبداية الحرب الباردة.
الخيانة هي قضية دائمة في السياسة الأمريكية، ذلك لأنَّ الدستور ينص على الضوابط والتوازنات والفصل بين السلطات. كل رئيس منتخب يجب أن يقدّم تنازلات من أجل إنجاز بعض الأمور، حتى مع أعضاء حزبه. وهذه هي الطريقة التي تعمل من خلالها الحكومة الأمريكية. “اقرؤوا الدستور”، هكذا قال بيل كلينتون في إحدى احتجاجات حزب الشاي. وأضاف: “ربما يمكن أن نسميه” هيا بنا نعقد صفقة جديدة.”
الأصوليون لا يحبون الصفقات، ويطلقون على الناس الذين يحبون إبرام الصفقات اسم “الخائنون”. إنَّ إبرام الصفقات قد تكون الطريقة التي يجب أن تُحكم من خلالها الولايات المتحدة، لكنها ستحمل في طياتها دائمًا خطر الخيانة.
 
المصدر الرئيس
Betrayal is at the heart of U.S. politics
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى