الأخبار الرئيسيةغير مصنفكتابات خاصة

العلاقة اليمنية الإيرانية (3)

محمد عزان

التاريخ المشترك للإمامة الزيدية (في اليمن وإيران) التاريخ المشترك للإمامة الزيدية (في اليمن وإيران)
بعد خروج الإمام زيد بن على في الكوفة ثائراً على حكم بني أمية سنة (121ه) قُتل في 25/ محرم 122هـ. وكان يحيى بن زيد بن علي أول من قصد المشرق بعد مقتل أبيه ومن هنالك خاض معارك ضد الأمويين حتى قتل عام (126هـ) بعد أن أسس جبهة معارضة للحكم الأموي استمرت حتى سقوط الدولة الأموية سنة (132هـ) على يد التحالف العلوي العباسي.
وبعد عام (170هـ) ذهب الإمام يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب – الثائر الخامس بعد الإمام زيد بن علي – إلى اليمن وأقام بصنعاء عدة أشهر، ثم توجه نحو بلاد «الديلم» و«خراسان» حوالي سنة (171ه) وهنالك أسس للزيدية وجهة نحو المشرق.
وعام (250هـ) ظهر في بلاد الديلم وطبرستان الداعيان الزيديان: الحسن ومحمد ابنا زيد بن اسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي سنة (250هـ)، وسيطرا على أجزاء واسعة من خراسان وطبرستان وجرجان، وأسسا الدولة الزيدية هناك، وذكر عالم الآثار البريطاني «استانلي لين بول»: أن الدولة العلوية أقيمت على ولايات جنوب بحر الخزر وأن النقود ضُربت باسمها. وقال رتولد اشبولر: «أسس الزيديون في السواحل الجنوبية لبحر الخزر في سنة 864م دولة تركت في التاريخ أثراً بارزاً».
ويذكر المؤرخون أن يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي المعروف في اليمن بالإمام الهادي، ذهب إلى طبرستان قبل أن يذهب إلى اليمن وأقام بها عند أبناء عمومته حتى شعر منهم بالوحشة من بقائه وخافوا أن ينازعهم ملكهم، فعاد إلى المدينة. 
وظلت الزعامة في بلاد المشرق للحسن بن زيد حتى توفي سنة (270ه) فبويع أخاه محمد بن زيد حتى قتل في معركة مع معارضيه سنة (287ه) وانهار حكمه.
وعادة دولة الزيديين في طبرستان وديلمان على يد الحسن بن علي بن عمر المعروف بـ«الإمام الأطروش» سنة (301ه)، وبعد وفاة الاطروش سنة (304ه) استمرت الإمامة الزيدية في بلاد الديلم وطبرستان وخراسان وما جاورها، حتى استولى «البويهيون» على الزعامة السياسية سنة (334ه).
وفي اتجاه موازي لنشاط الدعاة الزيديين في بلاد «طبرستان»، خرج يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي من «المدينة» متوجها نحو اليمن – بعد عودته من زيارة لدولة بني عمه في خراسان وجرجان –  فوصل إلى «صعدة» سنة (283ه) واستوطنها وعمل على تأسيس دولة جعل بلاد صعدة ونواحيها مركزها، وطلب من الناس البيعة، وتلقب بـ«الهادي إلى الحق»، وبنى نظام حكمه على أصول دينية وفق نظرية «الخروج على الحاكم الظالم»، واشترط لشرعية الثورة أن تكون منضوية تحت راية يتزعمها أحد الأشخاص المنتمين إلى سلالة أبناء الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب، وهو ما عرف في أوساط الهادوية بـ«حصر الإمامة في البطنين»، وحول هذه المسألة ثار جدل فكري وسياسي كبير لايزال قائماً حتى اليوم.
وقصد جماعة من الديلم اليمن وظلوا مع الهادي وابنائه واختلطوا باليمنيين حتى صاروا جزء من التركيبة الديموغرافية اليمنية، ولا يزال حي من أحياء صنعاء القديمة إلى اليوم يعرف بـ«حي الطبري».
وبعد وفاة الهادي سنة (298هـ) توارثت أسرته من بعده الإمامة الهادوية ولو بدون حكم فعلي على الأرض، وظلت زعامتهم السياسية – كغيرها من أنماط الحكم في اليمن – تظهر أحيانا وتختفي أخرى، ويتسع نفوذها حتى يصل إلى الحجاز ومكة، أو ينحسر حتى لا يتجاوز بعض القرى في ضواحي صعدة أو صنعاء، كل ذلك حسب الظروف والمتغيرات، وقوة المنافسين وضعفهم.
ومن المهم أن أشير هنا إلى أن أحكام وفتاوى وسياسات وآراء أئمة الزيدية – في كل من اليمن وبلاد فارس – كانت تسري على جميع المنتمين إلى المذهب الزيدي في كلا البلدين، وأينما كان للزيدية وجود، باعتبارها صادرة عن مدرسة دينية واحدة، عابرة لحدود الأقاليم، وخصوصية المكونات القومية والقبلية.
وكانت كتب علماء الزيدية في اليمن تدرس وتشرح في بلاد الديلم وخراسان وجرجان والري، كما كانت كتب علماء الزيدية في تلك البلدان تأتي إلى اليمن فتحظى بالقبول والاهتمام، ولا يزال عند الزيدية في اليمن كثير من ذلك التراث المشترك، كما اطلعت أثناء زيارتي لإحدى المكتبات الخاصة بالمخطوطة في مدينة «قم» الإيرانية على كتب ومراجع زيدية كتبت باللغة العربية وأخرى بالفارسية ولغات أخرى.
وكان من الطبيعي أن تتم الدعوة والبيعة في كلا البلدين لأي قائم إن كان مستوفى شروط الإمامة الزيدية، فإذا صار إماما يبعث عماله لمتابعة شأن الداخلين تحت ولايته.
حتى أن أشخاصا من اليمن ذهبوا إلى بلاد المشرق فكانت لهم هناك مناصب سياسية ودينية رفيعة، وكذلك جاء إلى اليمن أشخاص من بلاد فارس فكانوا أئمة في اليمن، كالإمام أبو الفتح الديلمي الذي بويع له بالإمامة بعد مجيئه من ناحية الديلم في عقد الثلاثين وأربعمائة، وحكم صعدة واختط ظفار، ودخل في حروب مع الصليحيين حتى قتله الصليحي في عشر الخمسين وأربع مائة هجرية، بمكان يسمى (نجد الجاح) من بلاد رداع، وقبره بردمان من بلاد عنس وسط اليمن، في قاع يسمى اليوم: «قاع الديلمي».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى