آراء ومواقف

أهي ثورة ثالثة؟!

محمد علي محروس

مر عام ونحن نقتتل،لا،بل نُقاتل،وأولئك أيضاً يُقاتلون،لكن هناك فرق بين قتال وقتال،قتالٌ لدرء مظلمة وصد مفسدة وإخماد فتنة،وقتالٌ لفرض أهواء،واستعباد الناس،ونشر خزعبلات،وصنع هوّات،وإحداث شروخ وفجوات في المجتمع…

 
مر عام ونحن نقتتل،لا،بل نُقاتل،وأولئك أيضاً يُقاتلون،لكن هناك فرق بين قتال وقتال،قتالٌ لدرء مظلمة وصد مفسدة وإخماد فتنة،وقتالٌ لفرض أهواء،واستعباد الناس،ونشر خزعبلات،وصنع هوّات،وإحداث شروخ وفجوات في المجتمع…
نعم،هناك بون شاسع وفرق كبير بين قتال الدفاع،وقتال الهجوم،فقتال الدفاع  يعمد لنأي الأنفس عن الخوض في جحيم المفاسد التي كانت تحملق صوب الأبرياء والكادحين في هذا الوطن،وقتال الهجوم يفرض غرائز الحيوانات المفترسة،بل يتعداه إلى أكبر من ذلك حين يفتك بضحيته ويحوّل جثته بعد تفخيخها إلى وسيلة فتك بضحايا آخرين..أهناك جريمة تفوق هذه الجرائم؟!
هي سلسلة واحدة للعذاب،صدرت من طهران،وعُمّمت على أجهزتها وأدواتها المُنَفذة في المنطقة،ولا عجب من ذلك،فسوريا مُورس في حق أبناءها أبشع الجرائم بواسطة قوات الباسيج والحرس الثوري الإيراني ومليشيات حزب الله اللبناني التابع عقائدياً وإيدلوجياً للدولة الخمينية،وذات الصور من العذاب تكررت في العراق بواسطة كتائب الموت المنتشرة هناك بمسميات عدة أبرزها مليشيات الحشد الشعبي التي هي الأخرى تُدين بالولاء والتبعية لطهران،وكذلك في اليمن تُمارس المليشيات التابعة للنزوة الإيرانية القتل بدم بارد،لاستئصال شأفة من تسميهم بالدواعش في حين يظهر عكس ذلك تماماً حيث كل ما تقوم به لا يعود ريعه ونفعه وفائدته إلا بما يخدم المصالح الإيرانية ذات النزعة الطائفية الصرفة وبما يُعمّق جراح المنطقة ويجعلها أكثر ثخونة بدمائها ووجعاً بجراحها وأشلاءها.
ما الذي يجري؟!
سؤال ضيق الأفق في سياق طرحه،لكنه لسان حال الكثيرين اليوم،في ظل اشتطاط المعمعة،وخروج الأحداث عن المألوف قولاً وفعلاً،وهو ما أبرزه كثيراً،ليصبح متداولاً بين الجميع..ما الذي يجري؟!
يكمل شق السؤال بثلاث كلمات،كلمات للإختيار أو للجمع بينها أو لانتقاء أصفاها محاكاة لما يجري..أهي ثورة،أم مواجهة،أم فتنة؟!
أرأيتم كيف نفذ الناس إلى هذه الخيارات ليكملوا بها سؤالهم،لا أكثر من كونهم يبتدعونها من صميم معاناتهم اليومية ومعاينتهم المستمرة من الأحداث ولها.
ثمة إجابات ترد على السؤال ذي الخيارات الثلاثة،لكنني حين أجيب عليه أجدني غير معنيٍ بخيارين منهم وأتجه طواعية للثالث وهو أن ما يجري يعد ثورة بكل مقاييسها،من حيث المسببات والمتواليات التي أدت إلى ما نحن فيه اليوم.
الثورة هي التي تقشع بكل شيء في الحاضر لا زال على صلة بالماضي،لِتُحدث تغييراً جذرياً وملموساً في الحاضر والمستقبل،وهو ما يجري اليوم حقاً،حيث لا مناص من التغيير،ولا هروب من إحداث طفرة على كل المستويات كي يلمس ذلك الناس في حاضرهم ومستقبلهم ويمتد إلى مستقبل ذرياتهم.
إننا في واقع صلب،تعدت مجرياته كل شيء،وفاقت كل التوقعات،ولذلك وجب التعامل معها بحزم وهو ما يجري على قدم وساق في كل أنحاء الجمهورية،لذا كان لزاماً أن تُدار عجلة التغيير منذ أول دقيقة لثورة سبتمبر التي وجدت نفسها بين مطرقة الملكية وسندان الجمهورية،تلك السندان المهترئة على الرغم من أن الإلتفاف حولها كان قوياً لكنه لم يجد من يسخره لتقوية الثورة ومحو آثار الملكية إلى الأبد،لذلك عاد الملكيون بصورة جمهورية وتبوأوا مناصب عليا في الدولة وتحكموا واستحكموا واستطاعوا إعادة إنتاج أنفسهم بأوجه أخرى حالت دون تحقيق أي هدف من أهداف الثورة الأم سوى الإلتزام بالمواثيق الأممية.
ثم أعادت الثورة الكرّة من جديد لاستعادة الجمهورية المسلوبة من أيدي الجمهوريين الصوريين،الذي تملكوا كل سيادي في البلد،فأسرنوا الجيش وشخصنوا المؤسسات ورهنوها بعائلات وقبائل تدين لهم بالخضوع والإستسلام،وهو ما أنتج وطناً برمته غير قادر على استيعاب أي متغير قد يطرأ دون مقدمات..وهو ما جاءت به الثورة السلمية الشبابية حين عرّت نظام صالح وكل من استظل بظله واتبع هواه،عرتهم عن بكرة أبيهم وجعلت منهم آيات لمن تسوّل له نفسه النيل من كرامة الشعب وحقوقه،لكنها خاضت بوجه آخر في السياسة،السياسة التي تعد العدو الأول للشعوب كمنتقصة للحقوق وقاسطة في الوقت ذاته وكذلك فعلت بثورة فبراير وبكل من علّق بها الآمال،لكنها لم تستطع تخديرها كما فعلت بثورة سبتمبر.
ها هو الشعب اليوم ثار،ثار بطريقته الخاصة بعد أن ملّ التسويفات التي قادته لمجابهة أعتى وأخطر الحركات فوضوية وهوشلية في تاريخ اليمن،تلك التسويفات والمُداهنات التي صنعت من سكان الكهوف وقاصري النظر وأعداء التفكير باحثين عن سيادةٍ ومجدٍ وزهوٍ لماضٍ فقدوا فيه كل شيء.
إن ما يجري اليوم ثورة ثالثة،تستعيد ما صُودر من ثورة سبتمبر،وتُعيد الألق والزهو لثورة فبراير،وتصنع المجد الحقيقي لهذا الوطن ولشبابه الذين سطروا أروع البطولات وجسدوا أضخم الأساطير في زمن لا يحتوي إلا أمثالهم ولا ينتمي إلا إليهم.
لن تستثنِ هذه الثورة أحداً شارك في تشويه الجمهورية،أو ثبت تورطه أو ارتباطه بأي نشاط يهدد هذا البلد لن تستثنهم أبداً،ولذلك عظُمت تضحياتها وهو ما يجب أخذه في الحسبان قبل التفكير في خوض أي حوار سياسي قد يفضي إلى إعادة تدوير نفايات من خذلوا ثورة سبتمبر وحاولوا مراراً التنكر لثورة فبراير،وتنطعوا للظهور مجدداً ليكون لهم دور في الثورة الثالثة التي في طريقها إلى النجاح.
إنها ثورة طاغية،كاسحة،لا مكان فيها لضعفاء النفوس ولا لمرضى القلوب،وإنها ستُكلل بالنصر العظيم،وستكون مؤذنة بشروق شمس اليمن التي طال انتظارها،هذا هو أملنا وما أظنه يخيب.
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى