تجدد المواجهات بين أرمينيا وأذربيجان: نقاط الخلاف ومبادئ الحل
يمن مونيتور/ قسم الأخبار:
تجددت، ليل الإثنين ـ الثلاثاء، الاشتباكات الحدودية بين أرمينيا وأذربيجان، وسقط فيها 49 جندياً أرمينياً على الأقل، فيما لم تعلن أذربيجان عن خسائرها.
وفيما أعلنت وكالات أنباء أذربيجانية والخارجية الروسية أن الطرفين توصلا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، بدأ صباح اليوم الثلاثاء، أكد رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، في جلسة أمام البرلمان صباح اليوم، أن الهجوم الأذربيجاني متواصل وإن بوتيرة أقل.
أرمينيا تطلب المساعدة من روسيا
وترافقت هذه التطورات مع طلب يريفان مساعدة منظمة “معاهدة الأمن الجماعي” التي تقودها روسيا. وتضم المنظمة كلًّا من روسيا وأرمينيا وكازاخستان وقرغيزستان وبيلاروسيا. ووفقاً للبند الرابع من المعاهدة، فإن المنظمة تقدم دعماً عسكرياً إذا “تعرضت إحدى الدول المشاركة لعدوان (هجوم مسلح يهدد الأمن والاستقرار والسلامة الإقليمية والسيادة)”.
وهي المادة التي اعتمدت عليها المنظمة لإرسال قواتها إلى كازاخستان مطلع العام الحالي، بعد الاحتجاجات التي اندلعت على خلفية ارتفاع أسعار الغاز، وتحولها إلى اشتباكات بين متظاهرين وقوى الأمن.
وأجرى باشينيان سلسلة اتصالات عاجلة شملت الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين، والفرنسي إيمانويل ماكرون، إضافة إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن. ودخلت أكثر من دولة على خط الأزمة، بما في ذلك تركيا وإيران وفرنسا، التي أعلنت أنها ستعرض مناقشة المواجهات الأخيرة، على مجلس الأمن الدولي.
وعلى الرغم من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين البلدين برعاية روسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 برعاية روسية، بعد حرب دارت نحو شهرين في إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه، إلا أن الاشتباكات المتقطعة لم تتوقف طوال العامين الماضيين.
وجاءت الاشتباكات الأخيرة بعد نحو أسبوعين على آخر قمة بين زعيمي البلدين باشينيان، والرئيس إلهام علييف في بروكسل برعاية رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال.
وتباينت تقديرات الطرفين لنتائج القمة. ففي حين أعرب علييف في تصريحات لمحطة تلفزة إيطالية في مطلع الشهر الحالي عن ثقته بإمكانية التحضير لمعاهدة سلام وتوقيعها في غضون أشهر، أبدى وزير خارجية أرمينيا أرارات ميرزوريان شكوكاً في استعداد أذربيجان لقبول السلام.
وكشف علييف حينها أن الجانبين اتفقا على أن يجتمع وزيرا خارجية أذربيجان (جيهون بيراموف) وأرمينيا في غضون شهر، لبدء مفاوضات عملية تتعلق باتفاقية سلام.
ومع تأكيد علييف أن أهم نتيجة لاجتماع بروكسل هي اتفاق الجانبين على الحاجة للسلام، شدّد على أن “الكثير سيعتمد على مسار محادثات السلام، ويمكن توقيع اتفاقية سلام في غضون بضعة أشهر إذا أظهر الجانب الأرميني إرادة سياسية”.
وحسب الرئيس الأذربيجاني، فقد طرحت بلاده خمسة مبادئ أساسية يجب أن يقوم عليها اتفاق السلام، وقبلتها أرمينيا، تتضمن الاعتراف المتبادل بالسلامة الإقليمية، والتخلي المتبادل عن المطالبات الإقليمية، وعدم استخدام القوة أو التهديد، وترسيم الحدود، وفتح الاتصالات.
وأوضح أن الخطوة المهمة في تحسين العلاقات هي إنشاء بنية تحتية تربط بين أذربيجان وأرمينيا ودول أخرى.
وقال علييف إنه “يجري تنفيذ مشاريع بنية تحتية كبيرة في الأراضي المحررة (ناغورنو كاراباخ). وتم تشغيل مطار دولي، ويتم بناء الطرق والجسور والسكك الحديدية، ونهدف إلى الانتهاء من بناء ممر زانجيزور الرابط بين أذربيجان وجمهورية ناخيتشفان المتمتعة بالحكم الذاتي والمحاطة بالأراضي الأرمينية”.
في المقابل، تحمّل أرمينيا أذربيجان المسؤولية عن إفشال عملية السلام.
وأوضح وزير الخارجية الأرميني، في بيان بداية الشهر الحالي، أن الجانبين الأذربيجاني والأرميني لا يمكنهما الاتفاق على مسألتين، بينما يتفقان حول النقاط الأساسية الخمس التي اقترحتها أذربيجان لتوقيع معاهدة السلام.
وأشار ميرزوريان إلى أن أرمينيا طرحت نقطة سادسة وهي تحديد وضع ناغورنو كاراباخ، غير أن الجانب الأذربيجاني يعتبر أن قضية الإقليم منتهية ويجب عدم الخوض فيها. كما أن أذربيجان تصرّ على إنهاء دور “مجموعة مينسك” التابعة لمنظمة “الأمن والتعاون” برئاسة مشتركة بين روسيا وفرنسا والولايات المتحدة، والتي رعت جولات التفاوض قبل حرب الـ 44 يوماً الأخيرة في خريف عام 2020، بعدما أخفقت طوال 30 عاما في إنجاز مهمتها. وتدعو باكو إلى مفاوضات مباشرة مع يريفان. في المقابل، يؤكد الجانب الأرميني أن عمل “مجموعة مينسك” يجب أن يستمر.
موسكو مُحرجة
وتضع الاشتباكات الأخيرة موسكو في موقف صعب، نظراً لانشغالها في موضوع الحرب على أوكرانيا وتأثيراتها السياسية والاقتصادية. ومما يزيد من حرج روسيا طلب أرمينيا مساعدة منظمة “معاهدة الأمن الجماعي”، ما يدخلها في حال الموافقة على إرسال قوات في صراع مباشر مع أذربيجان، ومن خلفها تركيا الحليف الأساسي للأذربيجانيين.
وتتمتع روسيا بعلاقات طيبة مع أذربيجان، وتتفق مع موقف علييف حول عدم الحاجة لـ”مجموعة مينسك”.
وعارضت موسكو مطلع الشهر الحالي استئناف أنشطة المجموعة، معتبرة في بيان أنه “من المستحيل التعاون بهذا الشكل مع واشنطن وباريس اللتين تعارضان بشكل قاطع ما تقوم به روسيا في أوكرانيا”، ما أثار حفيظة باشينيان الذي استهجن فحوى بيان الخارجية. وأشار إلى أنه متفق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن قضية المجموعة.
وتفتح المواقف المختلفة من عمل “مجموعة مينسك” على تقارب أكبر بين موسكو وباكو من جهة، ويريفان وواشنطن من جهة أخرى، خصوصاً بعد تكثيف الولايات المتحدة محاولاتها لإحياء نشاط المجموعة، وعيّنت الشهر الماضي الدبلوماسي فيليب ريكر رئيساً مشاركاً جديداً للمجموعة، على الرغم من احتجاج أذربيجان بشدة على هذا التعيين.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأذربيجانية، ليلى عبد اللاييفا، تعليقاً على القرار الأميركي، إن “تعيين ريكر مفاجئ، لأنه يوضح نهجاً بعيداً عن واقع ما بعد الصراع في المنطقة”.
وفي 9 نوفمبر 2020، نجح بوتين في وضع حد للحرب الأرمينية ـ الأذربيجانية التي بدأت في 27 سبتمبر/ أيلول من العام عينه، بعد قمة افتراضية جمعته بباشينيان وعلييف.
ووقع الزعماء الثلاثة على اتفاق لوقف إطلاق النار اعتباراً من 10 نوفمبر 2020، وتضمن تسعة بنود، أهمها وقف إطلاق النار عند خطوط التماس الفاصلة بين الجيشين في ذلك التاريخ، إضافة إلى انسحاب أرمينيا من سبع مناطق مجاورة لناغورنو كاراباخ، ونشر قوة حفظ سلام روسية من 1960 فرداً، وتوفير المعدات والآليات اللازمة لهم، وإشراف روسيا على طريق يصل بين الإقليم وأرمينيا يمر عبر منطقة لاتشين.
ولم يتطرق الاتفاق إلى تحديد مصير الإقليم المتنازع عليه، لكن التصريحات الروسية اللاحقة أكدت أن الإقليم أرض أذربيجانية بمقتضى القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن.
وفي يناير/ كانون الثاني 2021، تعهّدت أرمينيا بضمان النقل بين المناطق الغربية لأذربيجان وجمهورية ناخيتشيفان ذات الغالبية الأذرية، والمتمتعة بالحكم الذاتي، المحاطة بالأراضي الأرمينية، مع السماح ببناء خطوط نقل جديدة بين المنطقتين، على أن يخضع التنفيذ لمراقبة حرس الحدود الروسي.
(العربي الجديد)