المتتبع للعب الإيراني في المنطقة منذ زمن بعيد، لا يعجزه أبدًا أن يفهم ماذا فعلت سابقًا في جنوب اليمن؟ وماذا تفعل؟ وماذا ستفعل؟!
المتتبع للعب الإيراني في المنطقة منذ زمن بعيد، لا يعجزه أبدًا أن يفهم ماذا فعلت سابقًا في جنوب اليمن؟ وماذا تفعل؟ وماذا ستفعل؟!
فإيران وضعت أملها في “علي البيض” وفصيله المرتبط بها، ليضمن لها السيادة على الجنوب، وأن يبقى تحت سيطرتها، كما أسندت منذ زمن بعيد مهمة السيطرة على الشمال للحوثيين، فلمّا تأخر البيض عن تحقيق أهدافها كلها، وأصبحت كل أعماله تهريج وشعارات في مهرجانات ومليونيات وهمية وواهنة لا تقدّم ولا تؤخّر، ولم تكن بمستوى الفعل الذي يقيم دولة تبسط سيطرتها، رأت إسناد تلكم المهمة للتحالف الحوثي العفاشي لتنفيذ ذلك، وقد حصل بالفعل فتم غزو الجنوب والسيطرة عليه، لكن بفضل الله فعاصفة الحزم عصفت بأحلام إيران جملة واحدة.
لم تيأس، ولن تيأس إيران في بث سمومها، ولديها مشروعها الفارسي الكبير في المنطقة، والتي ستظل تسعى لتحقيقه، وستظل تتماهى مع رياح العاصفة حتى تهدأ، وستراوغ في كل مكان يتيح لها فرصة الخراب والدمار، ولذلك هي من سمحت للحوثيين أن يقوموا بمهادنة السعودية على الحدود، وإعلان الاستسلام، ليضمنوا أمرًا مهمًا هو عدم خروجهم من المسرح السياسي منهزمين، وأن يعودوا لممارسة السياسة والخراب من جديد، والباقي على إيران ومن لفّ لفّها من الأمريكيين وغيرهم، أن يعيدوا هذه الفئة كما كانوا وربما أشد.
في الجنوب، إيران ما زالت أوراقها موجودة، وذنبها ما زال يتحرّك وبقوة، وأعني بذلك فقط “الفصيل الحراكي المرتبط بإيران دعمًا وتأييدًا”، والذي ظل طيلة حرب الحوافيش على الجنوب صامتاً لا ينطق بكلمة، ولا أعنى كل شباب الحراك الصادق الذي ناضل وقاتل، لأنهم في حقيقة الأمر لا يعلمون مخططات قياداتهم اللئيمة التي تسير خلف إيران منذ زمن بعيد، ولا يهمّنا ما صرّح به البيض بتأييده لعاصفة الحزم، فله أسبابه الخاصة به، وحساباته السياسية التي جعلته يقوم بهذا التصريح، والعبرة بالأفعال لا بالأقوال، والتقية الإيرانية يبدو أنها قد اختلطت بكثير ممن ارتبط بها، وقد أوضحت الحرب الأخيرة لنا حجم الكثير من القيادات التي كان يعدها الكثير من أبناء الجنوب قامات نضالية انجرفت مع تيار إيران، ولم يحرقها ما فعلت بالجنوب وأهله، وأعني هنا علي ناصر وحسن باعوم وابنه، وقاسم عسكر جبران، وباراس وأحمد القنع، وحسين زيد، وطابور طويل من الحراكيين.
الآن الجنوب يشتعل، وسبب اشتعاله يكمن في تسيّد العناصر القاعدية والداعشية المرتبطة بعفاش، وكذلك العناصر الحراكية المرتبطة بإيران، وهي التي كانت تسيطر على المشهد الأمني والعسكري في عدن ولحج وأبين على وجه التحديد بعد انتهاء الحرب مباشرة، وسيطرت على كل المؤسسات الحكومية، وهي التي قامت بكل أفعال الخراب والاغتيالات.
ولذلك لم نستطع التمييز بين الشباب الحراكيين المرتبطين بإيران من العناصر القاعدية أو الداعشية، حتى من ناحية اللبس والمظهر، وما حصل في عدن والمنصورة تحديدًا، وما حصل في الحوطة بلحج نموذج واضح على ارتباط تلكم العناصر بمشروع يُدفع به من خارج البلاد، ولذلك رفضوا التماهي مع نظام الدولة والاندماج في وحدات الجيش والأمن، وأرادوا أن يكونوا مليشيات مسلحة، لتحقيق أجندات خاصة تم الترتيب لها.
ثم تم تبرئة كل العناصر الحراكية المرتبطة بإيران من قيامهم بأي دور مع القاعدة، ليوهموا الخارج أن الجنوب “بؤرة إرهاب قادمة من الشمال”، وأن هذه العناصر الإرهابية مرتبطة بعفاش، وهذه حقيقة ساطعة كالشمس، لا مناص من تصديقها، لكن ذلك الأمر تم الترتيب له من قبل إيران وعفاش، بهدف إقناع العالـم أن أمن الجنوب والحفاظ عليه من الإرتماء بأحضان الإرهاب لا يكون إلا بالإنفصال، ولذلك سمعنا كثيرًا يردد قيادات الحراك أن الجنوب لم يكن بيئة حاضنة للإرهاب، والسؤال: هل العناصر القاعدية والداعشية والحراكية الإيرانية من الجنوب أم من الشمال؟! ومن لم يصدّق فليعُد بذاكرته قليلاً الى الوراء، ويفهم أن غالبية قيادات القاعدة وداعش كانوا من أبناء الجنوب، ناصر الوحيشي- أمير القاعدة في الجزيرة، وطارق الفضلي وغيرهم كثير، واستطاع عفاش أن يجعل الجنوب ميدانًا خصبًا لجرائم القاعدة، فقط ليضمن السيطرة عليه.
ولذلك وجدنا من دافع عن الشباب الحراكيين الذي شاركوا مع زعيم القاعدة بعدن “أبو سالم” في الاشتباكات الأخيرة، بحجة عدم علاقتهم بهم، والكل يعلم أن شخصيات قيادية مثل حلمي الزنجي وعلي الزيدي وأخو/ عبد الناصر البعوة “أبو همام” الذي قتل في الاشتباكات، هي عناصر حراكية مرتبطة بعناصر القاعدة، وملتحمة معها في كل أعمالها.
الآن ومنذ شهرين تقريبًا بعد أن بدأت الكفة تسير عكس ما تريده إيران في الشمال، بدأت تحرّك أذنابها الحراكيين فى الجنوب بصورة قوية، وتدفعها لأمور هي في الأساس تخدم أجنداتها الخاصة بها، وتعيد تنشيط فعالياتها السياسية فى الميدان الجنوبي، من خلال المهرجانات واللقاءات المستمرة لعناصرها وتصريحات قياداتها المستمرة، بمناسبة وبدون مناسبة ليؤكدوا وبصورة جلية أنهم مع الاستقلال التام والناجز للجنوب، رغم أن هذا القرار الطائش لا يخدم الجنوب، ولا يخدم أجندات التحالف العربي الذي يرى في ذلك القرار عودة إيران مرة أخرى تحت مسمى استقلال الجنوب، ولن يسمحوا به، ومع ذلك فكل الفعاليات والبيانات والتحركات السياسية تصب في وجه العاصفة.
لجأت هذه القيادات وبإيحاء من إيران، أن تغيّر خطاباتها في المهرجانات والبيانات إلى الإشارة بوضوح للحوثيين وإيران والمشروع الفارسي بالسب (تقية)، لهدف إبعاد هذا التيار -المعروف أصلاً- من ارتباطه بإيران، ثم تأييدهم العاصفة والسعودية والإمارات، لتكتمل الخطة بأن الحراك ليس له الّا الخروج من مظلومية الشمال، والمطالبة بالحقوق السياسية والمدنية والمطالبة بالاستقلال، أضف إلى ذلك مطالبتهم بأن يتم اشراكهم باعتبارهم طرف في أي حوارات أممية، وعدم استثنائهم منها، ونسوا أن قيادات الدولة الأولى هي من الجنوب.
وهنا لن نتحدث عن إهمال القيادات العسكرية الجنوبية لتحرير بعض المناطق الشمالية المحادة لكرش وذو باب والضالع، وما حصل فيها من انتكاسات عسكرية رهيبة، ومنع وصول السلاح الثقيل اليها، بحجة أن ذلك يقع ضمن دولة ما كانت تسمى بالشمال، ما جعل تلكم المناطق الجنوبية وبغباء عسكري مقيت تتلقّف ضربات المدفعية والهاونات، وكذلك الاقتحامات المسلحة، لكن المخطط الإيراني هو الذي كان ينفّذ، وليس مخطط التحالف، وهو السيطرة على الجنوب، وإعلانها دولة مستقلة، بمجرد سقوط النظام الحوثي العفاشي في الشمال، ليتم تنفيذ ذلك واقعًا على الأرض، ووضع التحالف أمام مشكلة أخرى معهم، وأنه لا مناص لديهم من أن يتم التعامل مع هذا الواقع بطريقة مرضية، أو أن التحالف يدخل مع هذه الفصائل العسكرية المسلحة في معارك تحقيق سيادة السلطة اليمنية الموحدة، مع العلم أن هذه التشكيلات العسكرية “عدا السلفيين” تم إشباعها فكريًا عبر أذناب إيران أن “الجنوب قادم”.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل تعي دول التحالف وعلى وجه الخصوص السعودية والإمارات ما يتم الترتيب له إيرانيًا في الجنوب أم لا؟ فقط.. مجرد سؤال.