كفيفتان ضمن “أوائل الجمهورية في اليمن”
يمن مونيتور/قسم الأخبار
في ظل واقع يمني أكثر مأساوية جراء الحرب المستعرة هناك منذ ثمان سنوات، جاء خبر تصدُّر كفيفتين قائمة أوائل الجمهورية في نتائج الثانوية العامة للقسم الأدبي للعام الدراسي 2021/ 2022م، تأكيدًا إضافيًّا أن صناعة النجاح ممكنة متى ما امتلكت الإرادة، حتى لو كنت كفيفًا وفي بلد حرب.. فأماني صادق وسُمية أحمد كفيفتان تجاوزتا بنتائجهما العلمية مبصرين على الرغم من الواقع المرير المحيط بهما كمعظم اليمنيين!
ليست ظروف الحرب وحدها ما تؤكد خصوصية هذا النجاح الذي أحرزته الكفيفتان، بل في كونه يأتي في ظل معاناة كبيرة لشريحة ذوي الإعاقة، ومتمثلة في محدودية وسائل التعليم الخاصة بهذه الشريحة، وعدم مواكبة الموجود منها التطور الحاصل في وسائل الرعاية والتعليم الخاصة بالمعوقين، بما فيهم المكفوفين، وبالتالي فنجاحهما وتفوقهما على مستوى الجمهورية، وتقدمهما على طلاب وطالبات أصحاء يجعل من تفوقهما موضوعًا لهذه القصة.
حصدت الطالبة (أماني)، من منتسبات مدرسة القدس في مديرية الوحدة بأمانة العاصمة، المركز الأول على مستوى الجمهورية في الثانوية العامة (القسم الأدبي) للعام الدراسي 2021/ 2022، بمجموع درجات 644، وبنسبة 94.86%، فيما حصدت زميلتها (سمية) من مدرسة الثورة في مديرية المشنة بمحافظة إب، المركز الثامن، بمجموع درجات 628، وبنسبة 89.71%، حسب نتائج الامتحانات التي أعلنت عنها وزارة التربية والتعليم لحكومة صنعاء التابعة لجماعة “الحوثي من معهد للكفيفات بصنعاء
الأولى على مستوى الجمهورية – أماني صادق: عدم توفر مراجع مساعدة ونماذج اختبارات مطبوعة بلغة برايل.. أبرز المشكلات التي واجهتنا.
الثامنة من أوائل الجمهورية – سمية أحمد: جمعية الأمان بنَت لي جسرًا من الأمل على نهر من اليأس.
ماذا قالت مديرة مدرسة في رسالة لطالب معاق بعد نجاحه؟
انتزاع الطالبتين (أماني وسمية) التفوق رغمًا عن الظروف غير المواتية، يؤكد أن بإمكان الطلاب اليمنيين من ذوي الهمم العالية تجاوز أيّ تحديات، إذا ما توفر لهم الدعم والتشجيع المناسبَين من الأسرة والدولة والمجتمع والمدرسة، حسب والد الطالبة (أماني) الحاصلة على المرتبة الأولى من أوائل الجمهورية، صادق صالح، متحدثًا لـ”اليمني الأميركي”.
يتحدث صادق بفخر، أن ابنته «لم تصل إلى ما وصلت إليه من نجاح إلا بعد عملية كفاح طويلة، بدأت بالتحاقها بمدرسة خاصة بالمكفوفين لمدة خمسة أعوام، تعلمت فيها القراءة والكتابة بطريقة برايل [طريقة يستخدمها المكفوفون للقراءة والكتابة بواسطة نقاط بارزة] قبل أن تنتقل للاندماج بمدارس أهلية وحكومية، وتتمكن من الحفاظ على مستواها العلمي المتميز ببذلها جهود مضاعفة في التعلم، وشغفها الدؤوب بالمعرفة».
ويشير صادق، الذي يعمل موظفًا حكوميًّا، إلى أن ابنته أماني – أيضًا – استطاعت بإرادتها الجسورة تجاوز الانعكاس السلبي للظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الأسرة، نتيجة انقطاع المرتبات وغياب فرص العمل.
وترجع أماني، في حديث لـ”اليمني الأميركي”، سبب تميّزها في مشوارها الدراسي، إلى الدعم والتحفيز اللذين لاقتهما من أسرتها، ورغبتها في تحقيق أحلامها في المستقبل، التي يأتي في مقدمتها أن تصبح مديرة أعمال يُشار إليها بالبنان، على حدّ تعبيرها.
في ما يتعلق بالمشكلات والصعوبات التعليمية التي واجهتها خلال اجتيازها المرحلة الثانوية، تذكر أماني «أن عدم توفر مَراجع مساعِدة ونماذج اختبارات وزارية مطبوعة بلغة برايل كان أبرز المشكلات التي واجهتني وتواجه جميع طلاب الثانوية، من المكفوفين في اليمن، حيث لا يتوفر لنا سوى المنهج المدرسي العادي بطريقة برايل، مما يحرمنا من الإثراء المعرفي وتبسيط المعلومات وتحقيق المتعة بالقراءة، الذي قد يحصل عليه أي طالب آخر».
بالنسبة لآلية أدائها الاختبار داخل المركز الامتحاني، في ظل إغفال وزارة التربية والتعليم توفير نماذج أسئلة بلغة “برايل” للطلاب من ذوي الإعاقة البصرية، تشير أماني إلى أن رئيسة اللجنة في المركز الاختباري كلفت إحدى المراقبات لتقرأ عليها الأسئلة، وبدورها تختار الإجابة التي يتم وضعها في منطقة التظليل على ورقة الاختبار.
يشار إلى أن وزارة التربية والتعليم تُسقط على الطلاب المكفوفين اختبار مادة الرياضيات في الثانوية العامة (القسم الأدبي)، وهو القسم المتاح في الثانوية العامة للطلاب ذوي الإعاقة البصرية، وهو ما حال بين سمية أحمد الحاصلة على الترتيب الثامن في قائمة أوائل الجمهورية وبين الالتحاق بالقسم العلمي.
وتتذكر (سمية)، التي ولدت مُبصرة قبل إصابتها بضعف بصر وشعورها بفقدان جزء كبير من حاسة البصر عند دخولها الصف الخامس، معاناتها مع مادة الرياضيات في مدرسة 22 مايو، في مسقط رأسها بمديرية الظهار – محافظة إب، قائلة: «كنت متميزة في جميع المواد ما عدا الرياضيات لعدم قدرتي على رؤية ما تكتبه المعلمة على السبورة، مما كان يعرضني أحيانًا للعقاب من قِبل المعلمة، التي لا تعرف أنني لا أبصر بسبب قراري التكتم على الأمر حينها حتى على أفراد أسرتي الذين ظلوا يشترون لي دفاتر للكتابة طوال المرحلة الأساسية قبل أن يعرفوا في الصف التاسع أنني كفيفة، فيما لم يعرف أحد في المدرسة أنني كفيفة حتى غادرتها إلى السكن الخاص بالكفيفات بمدينة إب، في الصف الثاني الثانوي».
وعن سبب إخفاء فقدانها للبصر كل تلك الفترة أجابت سمية متحدثة إلى “اليمني الأميركي”: «لم يكن خوفي من فقدان الدراسة بحد ذاته السبب الوحيد في ذلك، بل كان السبب في حرصي على عدم جرح مشاعر أسرتي عندما يعرفون أنني فقدت البصر!».
لم تؤثر الصعوبات التي واجهتها سمية في تقديرها الدراسي، فقد ظلت هذه الطالبة تحقق تقديرًا متميزًا طوال مرحلة التعليم الأساسي، معتمدة على إصغائها لشرح المدرسين في الفصل الدراسي كوسيلة وحيدة للتعلم حتى الصف التاسع الذي حصلت فيه على أشرطة مسجلة للمنهج الدراسي من جمعية الأمان لرعاية الكفيفات.
تقول سمية: «جمعية الأمان بنَت لي جسرًا من الأمل على نهر من اليأس، ومنذ التحاقي بها بدأت مرحلة انطلاقتي الحقيقية في العلم».
وتلفت سمية إلى أن انتقالها إلى السكن الخاص بالكفيفات التابع لجمعية الأمان بمدينة إب، بعد إتمامها الصف الأول الثانوي، أتاح لها تعلم القراءة والكتابة بطريقة برايل، الأمر الذي مكّنها من حصاد الترتيب الأول في مدرسة الثورة النموذجية في الصف الثاني الثانوي، وهو ما كان سببًا في تتويج مسيرة تميّزها بحصاد المرتبة الثامنة في قائمة أوائل الجمهورية.
(أماني) و(سمية) ليستا الوحيدتين من الطلاب ذوي الإعاقة في اليمن، اللتين حصدتا مراكز متقدمة في الثانوية هذا العام، إذ حصل الطالب علي نصر من ذوي الإعاقة السمعية على المرتبة الأولى في قائمة أوائل الجمهورية للثانوية العامة (القسم الأدبي)، حسب النتائج التي أعلنت عنها وزارة التربية والتعليم التابعة للحكومة (المعترف بها دوليًّا) في عدن.
كما أن ما تمارسه جمعية الأمان لرعاية الكفيفات من دور جعلها بحق مصنع للمتميزات، فخلال السنوات العشر الماضية تصدرت خمس طالبات من منتسبات الجمعية قائمة أوائل الجمهورية في القسم الأدبي.
تأسست الجمعية في منتصف عام 1999م، بجهود ثلة من التربويات تتقدمهن الرائدة في العمل الخيري الراحلة فاطمة العاقل، لتكون أول جمعية لرعاية وتأهيل الكفيفات على مستوى البلد، وتمتلك ستة مرافق تعليمية وتدريبية في أربع محافظات يمنية، وينتسب لها أكثر من 2000 عضو. ويتمثل هدفها الأساسي في الاهتمام بالجانب التعليمي وإيجاد بيئة تعليمية مناسبة للكفيفات، حسب رئيس الجمعية، صباح حريش، متحدثة لـ”اليمني الأميركي”، مشيرة إلى العديد من الصعوبات التي تواجه الجمعية، أبرزها: قِدم وتهالك الآلات التي تمتلكها، والخاصة بطباعة المناهج بالخط البارز، كونها الجهة الوحيدة في البلد التي تتكفل بطباعة مناهج المكفوفين، وهو ما يعرّض الجمعية لخسائر مادية كبيرة.
وقالت صباح جريش، «نواجه أيضًا صعوبات تتعلق بعدم توفر بعض المستلزمات التعليمية، مثل معامل الحاسوب في المركز الثقافي، ومعهد الشهيد فضل الحلالي للكفيفات، بالإضافة إلى قلة الدعم المخصص لمرافق الجمعية، الأمر الذي يمثّل عائقًا أمام توفير بيئة تعليمية مناسبة للكفيفات، ناهيك عن اقتصار خدمات الجمعية على محافظات معينة ونطاق محدود نتيجة لعدم توفر الإمكانيات».
ودعت جريش «الجهات المعنية في الدولة ورجال الأعمال والمجتمع إلى تحمل مسؤولياتهم بالوقوف مع الكفيف اليمني لتمكينه من الانطلاق وتحقيق النجاحات والمشاركة الفاعلة في عملية البناء والتنمية».
في كل عام يحقق ذوو الإعاقة، على اختلاف نوع الإعاقة، نجاحًا في مختلف المراحل التعليمية في اليمن، وهو البلد المكسور بالحرب والحصار… كتأكيد على ما يملكه المعاق من قوة خفية تجعله يتحدى واقعه المثقل بالمعوقات، وينتصر لحلمه بالنجاح والتفوق.. وهو ما عبرت عنه رسالة لمديرة مدرسة بالعاصمة صنعاء لطالب متعدد الإعاقة نجح في الثانوية، مهنئة إياه بالنجاح، قائلة: «أنت الطالب الذي تحدى العالم بإصراره.. اليوم نحتفل بنجاحك وإصرارك، ونفتخر بوصولك لهذه المرحلة باجتهادك وحدك.. حاولت وتعثرت كثيرًا، لكن في النهاية وصلت… ومن سيسألني كم نسبة نحاجك، سأقول: 1000%».
في الأخير.. من حق ذوي الإعاقة في اليمن أن ينالوا حقوقهم الكاملة من الرعاية والتشجيع والتعليم والعمل…، وهذا لن يتأتى إلا من خلال إعادة النظر في منظومة التعليم والخدمات المقدمة لهم وتحديثها بما يضمن حصولهم على تعليم نوعي، حسب ما نصت عليه الاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة، التي صادق عليها اليمن.