أداة انفصال وإنهاء للشراكة وتهديد الأمن القومي لشبه الجزيرة العربية.. ما الذي يفعله “الرئاسي اليمني”؟
يمن مونيتور/ وحدة التحليلات/ خاص:
عندما بدأ مجلس القيادة الرئاسي عمله قبل أشهر لم يمتلك الكثير ليصبح شرعياً عدا وثيقة السابع من ابريل/نيسان التي نقلت بموجبها سلطة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، إلى مجلس رئاسي يتكون من خليط من الجماعات والأطراف المناوئة للحوثيين ويعتبر مسألة صموده والاتفاق بداخله تحدياً.
كانت السنوات الأخيرة للرئيس هادي، مخيبة لآمال اليمنيين: انهارت العملة، وفقد اقتصاد البلاد قدرته على معاودة النهوض، وصلت المعارك مع الحوثيين إلى طريق مسدود، كما وصلت علاقة الحكومة الشرعية مع حلفائها في دول الخليج العربي.
تشير المائة اليوم الأولى إلى قدرة أي سلطة جديدة على تحقيق تحولات جديدة في مساراتها، آمل اليمنيون الاستقرار في مناطق سيطرة الحكومة مع جهود تنفيذ اتفاق الرياض (2019) بإعادة هيكلة القوات شبه العسكرية في وزارتي الداخلية والدفاع، والتي تصطدم برفض المجلس الانتقالي منذ ذلك الحين.
عادة ما تكون المراحل الانتقالية لأي سلطة صعبة ومؤلمة على المجتمع، وعادة ما يتم تجنب المراحل الانتقالية في حالة الحرب لكن بحسب المسؤولين السياسيين فإن تغيير هادي كان ضرورة لتحريك المياه الراكدة في المعركة ضد الحوثيين وتحقيق شراكة وتوافق مع الأحزاب والمجتمعات السياسية في البلاد.
لكن ما أوقع المجلس المكون من سبعة أعضاء ورئيس المجلس رشاد العليمي -وهو وزير أمن سابق في حكومة علي عبدالله صالح- في استياء اليمنيين والأحزاب السياسية يعود إلى عدة أمور تبدو مجتمعة فشلاً للمجلس الرئاسي ودفعاً لإنهاء العمل السياسي وتقسيم البلاد.
اقرأ أيضاً.. مهمة استعادة ثقة اليمنيين.. أربع أولويات وتحديات أمام مجلس القيادة الرئاسي (تحليل خاص) |
استهداف الهوية الوطنية الجامعة
هناك ثابتان رئيسيان لأي سلطة دولة أو لمشروع الوطني لخوض الحروب الداخلية: وحدة التراب الوطني وحماية النظام والذي يتمثل في اليمن بالنظام الجمهوري؛ وهي بمكوناتها هوية الوطن الجامعة. القفز على هاذين الأساسين يمزق جغرافيا البلاد ويدخلها في دوامة من الحروب الصغيرة؛ وتمكين لحامل المشروع الكهنوتي الإمامي. حافظ هادي خلال فترته في مسؤولية السلطة على هاذين الثابتين.
يقيم مجلس القيادة الرئاسي في محافظة عدن الخاضعة لسيطرة أمنية من المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يمثله في المجلس عيدروس الزُبيدي الذي يقود “الانتقالي” وهو مجلس سياسي يملك أكثر من 90 الف مقاتل أسسته أبوظبي في 2017م، ويهدف هذا المجلس لانفصال جنوب البلاد عن شمالها.
هناك ثابتان رئيسيان لأي سلطة دولة أو لمشروع الوطني لخوض الحروب الداخلية: وحدة التراب الوطني وحماية النظام والذي يتمثل في اليمن بالنظام الجمهوري؛
حذرت الأحزاب السياسية والمراقبين للوضع في اليمن من أن بقاء المجلس الرئاسي في عدن دون هيكلة ودمج القوات وجعلها تحت سلطة وزارتي الداخلية والدفاع، يخاطر بجعل المجلس الرئاسي تحت سلطة المجلس الانتقالي ودعم أهدافه للانفصال.
مارس أعضاء “الانتقالي الجنوبي”، منذ تأسيس المجلس الرئاسي حملات ترهيب لأعضاء المجلس، وتأكيد أن الهدف الرئيسي لوجوده هو تعيين أعضاء المجلس وقياداته، لتحقيق انفصال البلاد وتقسيمها.
مثّلَ سلوك المجلس الرئاسي خلال أربعة أشهر فجوة رئيسية مع المجتمع واحتياجاته، إذ فشل في تحقيق وعوده بتوفير الخدمات ومعالجة الاقتصاد وتدهور العملة الوطنية. استمرت التظاهرات ضد المجلس والحكومة منذ بدء الصيف في البلاد في معظم المحافظات؛ كما تجاهل المجلس الرئاسي ضرورة زيارة المحافظات الخاضعة لسيطرته، وتأكيد مشروعية وجوده؛ أدى ذلك إلى فشل المجلس الرئاسي في الحصول على مشروعية شعبية. واكتفى بزيارات خارجية توضح شرعيته من الخارج لا من اليمنيين.
فشل المجلس الرئاسي في الحصول على مشروعية شعبية
كما يرى معظم اليمنيين المجلس الرئاسي كأداة لاستهداف وحدة البلاد وإقلاق الأمن والاستقرار وإثارة الخلافات، بالابتعاد عن الشراكة والتوافق. بما فيها قرارات التعيينات في الحكومة ومؤسسات الدولة الأخرى بما في ذلك السلطة القضائية وفي المحافظات، والتي لا تخضع للثابتين الرئيسيين؛ لقد منحت المجلس الانتقالي بتلك القرارات سلطة كبيرة تنتقص من كل المكونات الأخرى في المجلس (سياسية/وجغرافية)، وتستهدف صب الزيت على نار الوضع الدقيق للمرحلة الانتقالية التي يفترض به حسن إدارتها.
قال مصدر مقرب من أحد أعضاء المجلس الرئاسي لـ”يمن مونيتور” إنه “يجري تجاهل وثيقة السابع من ابريل لإقرار القرارات والتعيينات، فلا يمكن اتخاذ قرار دون موافقة الزُبيدي”؛ الذي يستمر بعقد لقاءات مع محافظي المحافظات الجنوبية والقادة العسكريين التابعين للانتقالي في مكتبه الخاص في عدن؛ وما تزال وسائل إعلامه تصفه ب”الرئيس القائد”.
وأضاف المصدر: كل شيء يُدار في عدن يتحكم به المجلس الانتقالي، لا يوجد أي سلطة للحكومة اليمنية في المدينة والمحافظات الخاضعة لسيطرة الانتقالي.
المجلس تحوّل إلى أداة وظيفية لصالح المجلس الانتقالي الجنوبي، والجماعات الوظيفية الأخرى الممولة والمدارة من الخارج.
التجرد من “الإعلان الرئاسي” وإنهاء الشراكة مبكراً
يشير المجلس الرئاسي إلى أن القرارات تتخذ بناءً على الشراكة بين مكونات المجلس، المختلفة. وعلى الرغم من أن الشراكة لا تعني تجاهل الثابتين الرئيسيين “الوحدة والجمهورية”، إلا أن المجلس تحوّل إلى أداة وظيفية لصالح المجلس الانتقالي الجنوبي، والجماعات الوظيفية الأخرى الممولة والمدارة من الخارج.
حدد الإعلان الدستوري الذي نقل السلطة من “هادي” إلى “العليمي” عدة أمور رئيسية أخفق المجلس الرئاسي فيها. على سبيل المثال: انتخاب رئاسة لهيئة المشاورات والمصالحة، فلم يحدث انتخاب كما يشير الإعلان، بل جرى تعيينها لتمنح رئاستها لشاب فاقد للخبرة السياسية ينتمي للمجلس الانتقالي الجنوبي، رغم وجود عضوية آخرين أكبر سناً وخبرة سياسية من رئيس اللجنة. ولم تعقد الهيئة أي اجتماع منذ ذلك الحين. والهيئة جزء من مشروعية المجلس الرئاسي.
اقرأ ايضاً.. تخبرنا شبوة أن الأسوأ قادم.. كيف فَقد “الرئاسي اليمني” مشروعيته السياسية والشعبية؟! |
كما أخفق المجلس الرئاسي مرة أخرى في إقرار القواعد المنظمة له، رفض “الزُبيدي” الموافقة على مشروع القانون المنظم لعمل المجلس وقراراته، وحسب الإعلان الرئاسي فإن إقرار المسودة المقدمة كان يفترض إقرارها منتصف يونيو/حزيران الماضي. لذلك يعمل المجلس دون قواعد منظمة! رغم اختلاف وجهات النظر بين أعضاءه.
وقال مسؤول في الحكومة: وجود القواعد المنظمة واللجنة القانونية، ضرورية لقانونية القرارات المتخذة من قبل المجلس الرئاسي، ووجود لجنة هيئة المشاورات والمصالحة ضرورية في حالة الخلاف والتشاور معها وتهدئة المخاوف من النوايا الشريرة، وتنبيه المجلس للمحظورات التي سيرتكبها.
يضيف لـ”يمن مونيتور”: اتخذ المجلس قرارات غير قانونية، وتجاهل كل الأطراف الأخرى، ونفذ أجندة طرف واحد على حساب الأطراف الأخرى، في غياب لهيئة المشاورات، وغياب للبرلمان، فما الذي يمكن توقعه غير غضب اليمنيين.
للمزيد اقرأ.. هوس السلطة وسلوك “الميليشيات”.. كيف يجرّ المجلس الانتقالي “الرئاسي اليمني” نحو الفشل؟! |
وتحدث المسؤولان شريطة عدم كشف هويتهما لأنهما غير مخولين بالحديث لوسائل الإعلام.
في القضاء -المؤسسة العدلية التي تملك تشريعات وقوانين منفصلة- منح المجلس الرئاسي معظم التعيينات لطرف واحد هو المجلس الانتقالي الجنوبي بما في ذلك المؤسسة القضائية، بينها: النائب العام، ومنصب رئيس مجلس القضاء الأعلى، ورئيس هيئة التفتيش القضائي. بعض هذه التعيينات تخالف القوانين. ولم يتراجع المجلس الرئاسي عنها رغم تنبيهه مبكراً بضرورة الالتزام بالقانون وبعد مضي القوانين “وعد بالالتزام بها مستقبلاً”!
تحدد معظم المناصب الهامة الممنوحة للانتقالي أو -ما يوصفون بالمستقلين من المحافظات الجنوبية- من منطقتين الضالع، مسقط رأس الزُبيدي، ومنطقة يافع/ردفان (لحج) ومعظم أفراد وأعضاء المجلس وقياداته من هاتين المنطقتين. ما يخلق فرزاً رأسياً على المستوى السياسي، وأفقياً على أساس المنطقة، وهو سلوك متحيز يعزز الانقسام ويثير الصراعات، وعدم الرضى.
فيما يترك لبقية الأطراف اليمنية -بما في ذلك الشركاء في المجلس- “لا شيء” أو مناصب أقل أهمية تخضع لسلطة “المجلس الانتقالي” والمقربين منه؛ يمضي هذا الاقصاء إلى التعيينات في باقي المحافظات واللجان المشتركة. ومعظم من تم تعيينهم يعلنون بشكل لا لبس فيه أنهم سيحققون الانفصال، ويدينون الحكومة ويحرضون على مواطنيهم من سكان المحافظات الشمالية أو من لا يروقون لهم؛ فيما يجري إقصاء واستهداف القيادات الوطنية ورجال الدولة الآخرين.
حدد الإعلان الدستوري الذي نقل السلطة من “هادي” إلى “العليمي” عدة أمور رئيسية أخفق المجلس الرئاسي فيها.
تثير التعيينات خارج الثوابت الرئيسية، ومن جغرافيا واحدة، غضب اليمنيين بما في ذلك القبائل والسياسيين؛ يحييّ الأمر مخاوف من إثارة الانقسام في المحافظات الجنوبية للوصول إلى اقتتال بناءً على تعزيز الانقسام بناءً على الهويات الفرعية التي أوصلت إلى الحرب الأهلية بين شركاء العمل السياسي عام 1986م.
يمنح الشعور بالمظلومية للأقاليم الأخرى والأحزاب وأنصارها في البلاد، رؤية قاتمة لمسارات خطرة تواجه مستقبل المجلس الرئاسي. فبدلاً من أن يكون المجلس الرئاسي أداة قوية لمواجهة انقلاب الحوثيين وتقديم صورة ناجحة لصورة الشراكة، يصبح عبئاً على اليمن ودول المنطقة، وأداة لتعزيز حضور الحوثيين في أي مشاورات قادمة، يدفع المجلس لتنازلات أكبر والتي ستذهب لصالح إيران وضد المنطقة.
انحراف المجلس الرئاسي ودخوله في دورات من الحروب الصغيرة، تهديد أمن قومي مباشر على المدى القصير للسعودية، وهو ليس كذلك بالنسبة للإمارات التي تدعم وتموّل هذا السلوك.
تشجيع الجماعات المسلحة والتمرد
منح المجلس الرئاسي، قادة الجماعات المسلحة والمتمردين السابقين فرصة الحصول على مناصب إذا ما اختارتهم أبوظبي أو إيران كأدوات.
كما شجع تجاهل المجلس الرئاسي للتوافق وللقوانين السلطات المحلية على اتخاذ قرارات خارج صلاحياتهم الدستورية والقانونية باعتبارهم حاكمين؛ كما حدث في حضرموت بتعيين المحافظ السابق فرج سالمين البحسني (وهو عضو في المجلس الرئاسي) لمسؤولين محليين في وادي وصحراء حضرموت أدت إلى توتر كبير مع المجتمع، وصدام مع وزارة الداخلية والحكومة. حتى تم إقالته قبل تطور الأمور، واستبداله بمحافظ موالي للمجلس الانتقالي الجنوبي.
شجع سلوك المجلس الرئاسي وانتهاك القانون، محافظ شبوة عوض بن الوزير العولقي التابع للانتقالي والإمارات، وأصدر قرارات توقف قادة أمنيين وعسكريين ومسؤولين محليين، ثم إقالتهم؛ خارج صلاحياته القانونية؛ ثم أشعل حرباً مستخدما ميليشيات تديرها وتمولها الإمارات بعد أن بدأ بتصفية قادة في الجيش، وأدت المعارك التي استمرت أياماً إلى مقتل وإصابة العشرات.
اقرأ أيضاً.. |
تأثير على الأمن القومي للمنطقة
خلال سنوات الحرب، عندما تصل الأطراف إلى طريق مسدود، تتدخل الحكومة السعودية بصفتها قائدة التحالف لمواجهة الحوثيين لتجنب الوصول إلى صدامات وتوسيع الشرخ؛ واستعادة التوافق داخل معسكر الحكومة المعترف بها دولياً.
تمثل الوحدة اليمنية -في الوقت الحالي- ثابتاً في السياسة السعودية. إن وجود حلول وسط يتم التخلي فيه عن وحدة أراضي اليمن والنظام الجمهوري هو تهديد قومي أعلى لشبه الجزيرة العربية، وتهديد أكبر على الأمن القومي لشبه الجزيرة العربية.
لا أحد يمتلك مصلحة فضلى من انقلاب المجلس الرئاسي على مسؤولياته وتوافقه سوى إيران وجماعة الحوثي، والجماعات الوظيفية الأخرى.
كما أن انحراف المجلس الرئاسي عن أهدافه وفشله في بناء التوافق، وتحويل دوره إلى أداة لجماعات انفصالية تسعى لتقسيم جغرافيا الدولة، وإنهاء العمل السياسي في البلاد وإدخاله في دورات من الحروب الصغيرة، تهديد أمن قومي مباشر على المدى القصير للسعودية، وهو ليس كذلك بالنسبة للإمارات التي تدعم وتموّل هذا السلوك.
إخفاق المجلس الرئاسي في حماية وحدة البلاد، ووحدته الداخلية وانجرافه نحو إقصاء الجميع، وشيطنة العمل السياسي، واستهداف الحلفاء المفترضين للمملكة لصالح أدوات مهددة للأمن القومي للمنطقة، هو إخفاق للسياسة السعودية ولتدخلها العسكري في اليمن ضد المشروع الإيراني. فلا أحد يمتلك مصلحة فضلى من انقلاب المجلس الرئاسي على مسؤولياته وتوافقه سوى إيران وجماعة الحوثي، والجماعات الوظيفية الأخرى.