كتابات خاصة

ابتهالاتُ جائع!

هل يموت الإنسان جوعًا؟!، سؤالٌ قد يكون غيرَ منطقي لدى البعض ممن يعيشون حياة الرفاهية والبذخ، وهو سؤالٌ- في الوقت نفسه- يبعث على الحزن الكبير  ويحرك الكثير من الأوجاع  في قلب من  يعيش آلام الحرب داخل اليمن،  نعم هنا في أرض اليمن يموت الإنسان جوعًا، ويموت مرضًا، ويموت موتًا بطيئًا من كثرة  الانتظار والجري وراء السراب الخادع الذي تزعمه الأمم المتحدة وغيرها  ممن يعملون لكي  يتم تحقيق هذا السراب  في اليمن والذي يُسمى إنهاء الحرب في اليمن، هنا الكثير  ممن ماتوا جوعًا،  أولئك الذين قضوا الكثير من العمر  وهم يجرون بحثًا عن لقمة العيش  التي تبقيهم على قيد الحياة وهذه الأخرى  باتت  بعيدة المنال عنهم كعروس تأبى الزواج إلا بمن يمتلك المال والجاه والمنصب.

وهو  يمشي في الشارع، كانت يداه ترتعشان كأنها تمسك بأسلاك كهرباء، وفي عينيه بحرٌ أموجه غاضبة، كأنها لتو حركتها رياح الأحزان، لم يعد يدري ما الذي يقوم بفعله حتى يواري سوءة الجوع الذي ألم به وبالكثير من أفراد أسرته وكاد أن يقضي عليه قبلهم.

شيءٌ من الصبر الجميل يتحلى به هذا الرجل العظيم، وما أقل العظماء في هذا الزمن، أعني العظماء الذين يعملون لأجل بقاء الإنسان على قيد الحياة، العظماء الذين تنبض قلوبهم بحب الخير والسعي لأجل أن يحيا الإنسان حياة كريمة، أعني العظماء الذين ما زالوا يحملون ضمائر حيةً وسط الضلوع، أعني هؤلاء ولا أحد غيرهم.

شيء من الصبر الجميل الذي أبقاه متماسكًا حتى اللحظة على الرغم من الأتعاب والأوجاع التي تنهال عليه بكل لحظة وحين.

إنه رجل في السبعين من العمر، يتوكأ على عصا- بينه وبينها ألفةٌ كبيرة وحبٌ عظيم-، يقطع الشارع ببطء يشعرك بالقلق أن تصيبه سيارة بغير قصد، أو أن يتجاهله المارة  فيوقعونه على الأرض ويكون ضحية  تجاهل القريب والبعيد.

كان يردد بصوته الشجي أدعيةً تصيب جسدك بقشعريرة وخشوع كبيرين،” يارب يارحمان تكون مع التعبان، يارب يا عالي الرفق في حالي” هذه الكلمات التي تخرج من فيه لم تكن بسيطة وليست ضعيفة المعنى كما يخيل للبعض، إن في هذه الكلمات  كل معاني الابتهال إلى العلي القدير- وهو وحده العالم بحاله وحال أمثاله من الضفعاء-، إن فيها لغة أخرى أكثر عمقًا وأبلغ مما تتوقعون.

هذا الرجل السبعيني الذي يحاول جاهدًا قطع الطريق ليصل إلى أسرته التي تنتظر منه خيرًا بفارغ الصبر، ترى من يخبر العالم أن هذا الرجل هو عائل أسرته الوحيد، يحمل همها حيثما حل وارتحل حتى هُدَّ كاهله  وضاعت منه القوة وكاد أن ينهار لولا تأسيه بالصبر الجميل.

من يخبر العالم أن هذا الرجل ليس الوحيد في بلدي من يعاني من الفقر والحرمان، من يخبر تجار الحروب أن المتضررين من الحرب هم هؤلاء الضعفاء الذين  لا يقدرون على شيء سوى الدعاء إلى الله العلي القدير، وإن دعاءهم هذا لكفيل بأن يغرق الظالمين في السعير!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى