“تدخين المراهقين”.. جيل يمني مهدد بالاعتلال جراء نشأته على إدمان النيكوتين (تقرير خاص)
يمن مونيتور / من هبة التبعي
بينما ينفث دخان سيجارته كأنه مدمن قديم، كان الطفل محمد الحمادي الذي يسكن محافظة ذمار (جنوب العاصمة اليمنية صنعاء) يتحدث عن حاجته للتدخين لمساعدته على الاختلاط مع أقرانه الذين يدخنون، فكان من الطبيعي أن يدخن، مجادلاً بحزم بعدم وجود أي ضرر للتدخين.
“لم يصبني أذى من التدخين ولن يصبني أبدا ولا أؤمن بأضراره.. الكبار يدخنون وهم بصحة جيدة”.. هكذا بدأ اليافع محمد ذي الـ15 ربيعاً في حديثه لـ”يمن مونيتور”. والحمادي هو أحد الأطفال الذين تسربوا باكراً من المدرسة نظراً للظروف الصعبة التي تعيشها أسرته جراء الحرب.
ومؤخراً، انتشرت آفة التدخين في أوساط المراهقين، دون سن 18 سنة، خصوصاً في المجتمعات التي تعاني أوضاعاً اجتماعية واقتصادية ونفسية متردية.
ووفقا لدراسة أجراها باحثون بريطانيون في جامعة “ادنبرة “في اسكتلندا حول التدخين، يحتل اليمن المرتبة الأولى من حيث التدخين بين ثلاثين دولة إسلامية، إذ تشير الدراسة أن أكثر من 37% من طلاب الثانوية يدخنون.
“جيل معتل”
“تعد المراهقة مرحلة اكتئاب وإحباط وتوتر نفسي وقلق، يلجأ معها المراهق إلى أساليب التفريغ التي يروج لها الآخرون ومنها التدخين.. وفقا للأخصائية النفسية إيمان السنباني.
وتضيف السنباني لـ “يمن مونيتور”، بأن “صعوبة التوافق بين المراهق والمحيطين به يساهم في ذلك تحت ضغط التصورات الخاطئة، فهو يتصور التدخين يعطيه نوعا من الاستقلالية والهدوء والراحة”.
ويرى الدكتور علي باعلوي أن تدخين صغار السن تعد من الظواهر الاجتماعية التي تنذر باعتلال الجيل الفتي وتخرجه تدريجا عن المساهمة الفعالة في تطوير البلاد وخصوصا عندما تقوده إلى ما هو أخطر من ذلك وهو الاستعداد التام لتعاطي المخدرات التي تعد الأكثر فتكا بالشباب.
وقال باعلوي وهو أستاذ علم الاجتماع في كلية الآداب جامعة صنعاء لـ “يمن مونيتور”، “عندما يصبح المراهق مدخناً بشراهة يكون الدافع الأساسي وراء ذلك هو صديق السوء حيث أنه بهذا السن يميل لتقليد الآخرين سواء هذا التقليد نابع من داخله أو إيحاء منه”.
وأوضح أن “عامل التفكك الأسري وغياب دور الأسرة الفعال في السيطرة على المراهق وضبط حياته إضافة إلى سيادة حالة التشتت التي تصيب المراهق، كل هذا يدفعه للتدخين، إلى جانب وجود أفراد من الأسرة يدخنون حيث يقوم المراهق بتقليدهم وفجأة وبالتدريج يدمن على ذلك”.
وأكد على دور الأسرة الفعال ايضا في معالجة هذه المشكلة من خلال عدة طرق أهمها محاولة محاورة المراهق بطريقة مرنة ولطيفة وبأسلوب مقنع يقوم على إبراز مخاطر التدخين والأضرار الناجمة منه، بالإضافة إلى توقف المدخنين الكبار داخل الأسرة وإشغال وقت المراهق بالأعمال النافعة.
وأشار إلى دور المدراس من خلال منع التدخين فيها خصوصا المدرسين الذين يسعى الطلاب لتقليدهم.
“مضاعفات صحية وخيمة”
وعن أضرار التدخين يشكل عام، أوضح طبيب الأطفال جابر الدبعي، أن للتدخين مضاعفات مستقبلية وخيمة تزداد الخطورة كلما قل سن المدخن.
وقال إن “التدخين يسبب اضطرابات في الجهاز الهضمي مما يفقد الشهية إضافة إلى الالتهابات الرئوية المزمنة، كما يسبب التحسس والربو والأزمة ونقص المناعة والسرطان والضعف الجنسي وأمراضاً مختلفة خطيرة”.
ويضيف طبيب الأطفال في مستشفى التعاون الحكومي بمدينة تعز اليمنية، إن السجائر تحتوي مادة ” النيكوتين” التي اتفاعل في الدماغ مما يؤدي إلى تنشيط الخلايا فيشعر المدخن بالهدوء والاستقرار والراحة، وكلما استمر التدخين أعتاد على هذا الشعور، فإن لم يدخن يشعر بعكس ذلك إضافة إلى اليبوسة والإمساك واضطرابات أخرى تجعله يشعر بضرورة التدخين.
وأشار إلى أن اليمن كان يستورد إلى عام 2019 علاجات تحمل شكل السجائر ويتم تعاطيها بالطريقة نفسها حيث يحتوي على مادة” نيكوتين” غير مضرة بل تعتبر علاجاً للإدمان.
ولفت إلى أن السجائر الصناعية تمكن الطفل من الاستمرار في التدخين دون أضرار، لكن أسعارها باهظة للغاية حيث يصل سعر العلبة الواحدة 50 دولارا مبيناً أن المشاكل التجارية الدولية أدت إلى اختفاء هذا النوع من السجائر.
“الإعلام يروج للتدخين”
وترى الدكتورة سامية الأغبري، أن التدخين من العادات الاجتماعية غير المُجرّمة، بل مرحب بها وخاصة للرجال، أما التدخين بالنسبة للمراهقين فغير مستهجن اجتماعياً، بل يعد “دليلاً على الرجولة”.
وتضيف الأغبري، الأستاذة في كلية الاعلام بجامعة صنعاء “يلاحظ أن وسائل الاعلام لم تهتم بالتدخين كعادة سيئة بل العكس، تجد الاعلام يعرض الشباب وهم يتعاطون السجائر بلذة خاصة عند الهموم ليخلدوا لراحة والمتعة”.
وأشارت في حديثها لـ”يمن مونيتور إلى أنه ” لا توجد حملات اعلامية مكثفة تبين خطر التدخين على الشباب صحيا وليس هناك سوى ” يوم مكافحة التدخين العالمي” تنشر بعض المواضيع البسيطة.
ووجهت رسالتها عبر الموقع قائلة: “الإعلام لا يقوم بدور توعوي بضرورة البعد عن التدخين ويجب عليه دعوة الشباب لممارسة الرياضة والبحث عن بدائل اخرى لا تضر بالصحة، ويجب توقيف الحملات الدعائية التي تغري المراهقين بتجربة الدخان الذي يقوده إلى الإدمان”.