كتابات خاصة

صلوات الوجع!

غادة العبسي

حين كانت الحروب الستة على صعدة، نددنا بها ليس من باب حبنا لفكر أهل صعدة أو التعاطف مع قضيتهم وفكرهم، لكن من باب الإنسانية.

كان يا ما كان وطن اسمه اليمن، سُلمت لميليشيا إرهابية خارجة عن القانون والدين والعرف والملة، فصارت غابة اسمها اليمن- أيضا- غابت في عهدهم عن كثير من الناس الإنسانية، بل وصارت مفهوماً بدائياً يعيرون به من يدعون لها ويدافعون عنها، وفجأة بدأت الوحوش تتحدث عنها، حسنا هذا جيد، ولكن أن تفصل الإنسانية حسب مقاسات المواقف والـ(مَنْ)، فهنا دعوني أقول لكم (ما حزرتم) على قول أهلنا في سوريا.
الإنسانية كل لا يجزأ، ومفهوم شامل لا يمكن النظر إليه من زاوية توجهاتنا الفكرية والسياسية والمذهبية والدينية، أما أخذها كاملة أو تركها بالجملة.
أكثر من عام وتعز ترزح تحت وطأة آلة الحرب الحوثية الغبية والحاقدة في آن واحد، لم تكن الإنسانية حاضرة، لم ترتفع أصواتهم تنادي باسمها عن حرمة قتل أطفال تعز وحرمة تشريدهم وحرمة تخويفهم، وحرمة تجويعهم وحرمة حرمانهم من الماء أو التبول في ماء يأتي به آباؤهم لكي يشربون، أين الإنسانية إذاً؟
لماذا الأن، الآن بالذات تقفز الإنسانية من تحت أحزمتهم كبنت ليل منعت حقوقها!
حين كانت الحروب الستة على صعدة، نددنا بها ليس من باب حبنا لفكر أهل صعدة أو التعاطف مع قضيتهم وفكرهم، لكن من باب الإنسانية.
لسنا دعاة تفرقة ولا إرهاب ولا حروب، حين ذهب أول تعزي إلى صعدة لم يحمل معه بندقية ولا رصاصة، بل حمل قلماً وعلماً، وذهب يهجي أطفالها (ألف لا شيء له، باء نقطة من أسفل….)، جاء حاملاً معه الإنسانية في أبهى صورها.
وحين جاء الصعدي من كهف مران حمل لأطفال تعز صواريخ كاتيوشا وسيول من رصاص، دماء ودمار، خوف وألم وموت، داس على كل مقدسات الإنسانية وغمسها بدماء أطفالها، ولم يندد أدعياء الإنسانية اليوم بها، قالوا هم (تواعش) يقصدوا دواعش والحوثة أنصار لله، وتساءلت دموع أطفالها: هل الله راضٍ أن تفعلوا بنا هذا، هل الله أختاركم لتكونوا أنصاره؟
عليكم أن تجيبوا عليهم فسؤالهم لن يصمت، سيبعث معهم يوم القيامة وستقفون في مواجهته!
كل ردة فعل يقوم بها أهل تعز اليوم هي صوت الوجع الذي زرعه الحوثة فيهم، وعليهم أن يحصدوا ما زرعوه، فمن يزرع الوجع لن يحصد الفرحة، هذه سنة الله في الأرض، هذا إن ثبت فعلا أن من يقوم بالتمثيل بالجثث منتمون للمقاومة، وفي كل الأحوال دعوا وجعهم يتحدث، يصرخ، يرفض، يخبركم كم هو عميق ومؤلم.
إنهم يقيمون صلوات الوجع.. لا تقطعوها عليهم بإنسانيتكم المزيفة…!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى