آراء ومواقف

“وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم” بين السلطة السياسية والسلطة الدينية

عبدالله القيسي

اختلف العلماء قديما حول المقصود بأولي الأمر الذي وجهت الآية بطاعتهم، فذهب فريق إلى أنهم الأمراء (أي السلطة السياسية بلغة اليوم)، وذهب فريق آخر إلى أنهم العلماء (أي السلطة العلمية أو الدينية بلغة اليوم)، ومنهم من رأى أن المقصود بهم الفريقان.

اختلف العلماء قديما حول المقصود بأولي الأمر الذي وجهت الآية بطاعتهم، فذهب فريق إلى أنهم الأمراء (أي السلطة السياسية بلغة اليوم)، وذهب فريق آخر إلى أنهم العلماء (أي السلطة العلمية أو الدينية بلغة اليوم)، ومنهم من رأى أن المقصود بهم الفريقان.
وبعد تأمل واستقراء للفظ الأمر في هذه الآية وآيات أخرى في نفس السياق نجد أن الأمر ارتبط بالشورى “وشاورهم في الأمر” “وأمرهم شورى بينهم” فهاتان الآيتان توجهان النبي عليه السلام إلى مشاورة أصحابه في الأمر باعتبار النبي ولي أمرهم، ولا تتم تلك المشاورة التي يتخذ على أساسها القرار إلا إن كان الأمر هو الأمر الدنيوي لا الديني، إذ الأمر الديني يعود لله وحده “يستفتونك قل الله يفتيكم” فهذه الآية تقول للنبي أن يقول لأصحابه أن سلطة الفتوى ليست له وإنما هي لله وحده، وما محمد إلا رسول يبلغ تلك الفتوى.
هذا المعنى للأمر جاء واضحا في آية أخرى تقول “وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به” والأمن والخوف أمران دنيويان لا دينيان.
إذن فالمقصود بأولي الأمر المطلوب طاعتهم هم السلطة السياسية الذين اخترناهم ليديروا أمر حياتنا الدنيوي، ولا دخل لهم ولا لغيرهم بأمر حياتنا الديني فهو عائد إلى الله وحده، وعلى هذه السلطة أن لا تستبد بالأمر وإنما تشاور في من اختارهم الناس ليكونوا أهل الشورى ثم تتخذ القرار المناسب، الذي ينبغي على الناس طاعتهم فيه.
وعلى هذا فإن من اختار معنى الأمراء كان أقرب للصواب، أما من اختار أنهم العلماء فلعله أراد أن يخفف من استبداد الأمراء بالسلطة وقهرهم لمخالفيهم من العلماء والناس فأسس لسلطة أخرى موازية لسلطة الأمراء ووسع الأمر ليشملهم كي يحد من سلطة الأمراء على الناس، ثم تطورت تلك السلطة حتى أصبح لها مؤسسات استخدمها السلطان في تحقيق مبتغاه، فصار يقهر الناس بالسلطة السياسية والعلمية الدينية.
بهذا تتضح علمانية الفكر الإسلامي في قضية علاقة السلطة السياسية بالسلطة الدينية، إذ لا تكتفي بفصل السلطتين عن بعضهما، وإنما تثبت سلطة وفق معايير معينة وهي السلطة السياسية، وتلغي السلطة الأخرى وهي السلطة الدينية وتجعلها علاقة للفرد مع ربه عبر فهمه -في حدود استطاعته- للرسالة أي القرآن.
————
*من حائط الكاتب على (فيسبوك).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى