حضرموت اليمنية.. البحث جارٍ عن صحفي
كثيرة هي المتاعب والمخاطر التي يتعرض لها الصحفي في اليمن، وزادت أكثر في الآونة الأخيرة، في ظل حكم المليشيا، واستمرار الحرب في بلدٍ، تعدّ فيه الانتهاكات روتيناً يومياً، في كثير من مجالات الحياة، ما بالك في مهنة الصحافة. يمن مونيتور/خاص/ من عمار زعبل
كثيرة هي المتاعب والمخاطر التي يتعرض لها الصحفي في اليمن، وزادت أكثر في الآونة الأخيرة، في ظل حكم المليشيا، واستمرار الحرب في بلدٍ، تعدّ فيه الانتهاكات روتيناً يومياً، في كثير من مجالات الحياة، ما بالك في مهنة الصحافة.
جاءت محافظة حضرموت، شرقي البلاد، في مرتبة متقدمة بنسبة 12% في قائمة الانتهاكات التي تعرض لها الصحفيون في العام المنصرم، في تقرير نشره مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي.
وقصة الصحفي في حضرموت، لا تختلف إلا في التفاصيل؛ هو متعبٌ أيضاً، تضاف إليه متاعب اخرى، أثقلت من كاهله كثيراً، كونه يواجه كابوساً آخر، فيه تنظيم القاعدة، أو ما يعرف بـ”أنصار الشريعة”، بكل بشاعته ومآسيه، فهو اللاعب الرئيس والحاكم الفعلي لمحافظة تعداد سكانها أكثر من مليون نسمة، وتعدادٌ قليل من الصحفيين تواروا واختفوا في زحمة الفوضى، بعد تسيّد قانون الغاب، والرأي الواحد، الذي لا بد أن يضيق ذرعاً بالحقيقة وناقليها..
صحفيون ولكن…!
في العام 2014 بدأ زحف جماعة الحوثيين المسلحة نحو العاصمة صنعاء وصولاً إلى محافظات الجمهورية للسيطرة عليها وإسقاط مؤسسات الدولة فيها، في الوقت الذي كانت فيه جماعة مسلحة أخرى هي “القاعدة” تتأهب لإحكام سيطرتها على حضرموت، التي تعدّ كنزاً لليمن من حيث مساحتها وثرواتها النفطية، والبحرية والبشرية ومنهم معشر الصحفيين، الذين ابتلوا بالصحافة، وربما ابتليت بهم.
جاري البحث عن صحفي
لم أستسلم وأنا أعد هذا التقرير، استعنت بكثير من الزملاء في المؤسسات الإعلامية الرسمية والحزبية والمستقلة، في بحثي عن صحفي أو إعلامي يعطيني تصوراً عن المخاطر والمصاعب التي تواجه العمل الإعلامي برمته في المحافظة، كثير منهم أبدوا التعاون، لكن الخوف لم يفارق موافقتهم المبدئية، التي تغيرت ربما فيما بعد.. أول الاتفاقات بيننا أن لا أذكر الأسماء، فهناك من يتهدد حياتهم، صحيح أن الكثير منهم لم يغادر منطقته أو مدينته كما هو حال صحفيي المحافظات الأخرى، التي سيطر عليها الحوثيون في الشمال والوسط والجنوب، لكن الخطر عليهم هو الأكبر كما أوضحوا في تعليقاتهم، المليئة مرارة وحزناً على الوضع الذي آل إليه حالهم، بعد الانقلاب الحوثي وسيطرة القاعدة على محافظتهم.
بدايات
من المفارقات أن حضرموت بدأت فيها الصحافة في بدايات القرن العشرين، لتغيب كثيراً عن المشهد في مطلع هذا القرن، هذا ما قاله لي مذيع قديم في إذاعة المكلا المحلية، رفض ذكر اسمه ككل من حاولت الالتقاء بهم من صحفيي المحافظة.
ويتابع، “هناك رعب عند كل الناس ومنهم الصحفيون، كثيرة هي الأسماء، التي من الممكن أن أطرحها عليك، لكنها، صارت تبتعد عن الخوض في أي شيء يمس السياسة، بعد أن سيطرت القاعدة على عاصمة المحافظة وغيرها من المدن الثانوية”.
موظفون
أغلب الصحفيين موظفون رسميون، والقليل منهم يعملون مراسلين لمواقع وصحف حزبية؛ آخرون شباب، خريجون من كليات الصحافة والإعلام آثروا أيضاً الانزواء. لا عمل صحفي حقيقي في المحافظة، كما أوضح “م.س” فهو ما زال خريجاً حديثاً من كلية الإعلام في صنعاء، عاد إلى يضيف لـ”يمن مونيتور” قائلاً: “حضرموت، لكنه لم يجد سوى مراسلة موقع إخباري، مكتبه في عدن. حضرموت للأسف الشديد لا توجد فيها صحف ولا مواقع إخبارية، فهي إن وجدت لا تتواجد إلا أسماء ومسميات فقط في سماء الفضاء الإلكتروني، فالعاملة والتي لها حضور قليلة مع حجم الموجود من الصحفيين، الذين يضطرون إلى البحث عن مواقع أخرى، عدنية أو صنعانية، أو غيرها، أو أخرى عربية، لكنهم قلة جداً”.
مسميات متعددة
قد تتجاوز عدد المواقع 50 موقعاً إخبارياً لكنها مسميات فقط، ولا حضور إلا لعدد قليل، فهناك “حضارم نت، هنا حضرموت، حضرموت الحدث، حضرموت برس، حضرموت أون لاين، نجم المكلا، المكلا اليوم الإخباري، نبأ حضرموت، الوداي برس، وبوابة حضرموت الإخبارية” فهذه كما يقول أحد الصحفيين الشباب إن “لها تواجداً وحضوراً في الشبكة الإخبارية اليمنية، لكن العدد الأكبر يظهر وسرعان ما ينطفئ، ويبقى حاجزاً للتسمية فقط”.
فالمدن الحضرمية لها مواقع إخبارية، لكنها غير مفعلة نهائياً، لكن لعل القادم أجمل، فربما ستكون للصحافة الجديدة في حضرموت شأنها الكبير في التطور ومواكبة الأحداث.
غياب الخصوصية
عن المحتوى الصحفي، لا يمكن لموقع نقل أخبار القاعدة مثلاً، فالعقاب قد يتعرض له مالكو الموقع، أو المحرر نفسه، وسيكون أليماً، فالذي تسول له نفسه نقل مواد من هذا النوع، كما يقول “م.س” فجزاؤه التغييب وربما الذبح.
ويشير إلى أن “كل المواقع الحضرمية لا تختلف عن تلك الموجودة في الشمال، فهي تنقل أخبار الحكومة والتحالف وعاصفة الحزم، وأكثرها من باب النسخ واللصق فقط، فهناك غياب للمهنية والخصوصية التي يجب أن تتميز بها مواقع حضرموت”.
خوف
إعلاميون اختطفوا مؤخراً خصوصاً من مراسلي القنوات التلفزيونية، اثنان ما زالا في قبضة القاعدة منذ أكتوبر الماضي، وفي أواخر الشهر الماضي اختطف التنظيم الصحفي “عبدالله ناصر السييلي”، المتعاون مع عدد من الصحف والمواقع الالكترونية وعلى رأسها جريدة الشرق الأوسط اللندنية، ولا يعرف مصيره إلى الآن.
إذاً بقي صوت واحد هنا في حضرموت، فنقل الحقيقة يتطلب الكثير، التهمة جاهزة والعقاب معروف من قبل جماعة لا تعرف غير العنف سبيلاً لاستمرار تحكمها في المحافظة الغنية بالنفط.
ولإن تعددت أسماء المواقع الإخبارية كما يقول “س. ع” الصحفي المستقل، إلا أن تعدد الأصوات لا وجود له في حضرموت. ويستدرك “كل شيء قابل للانفجار حسب تعبيره، فهو يعلم والناس أيضاً بأن القاعدة ورقة فقط للضغط على المجتمع الحضرمي ليقبل بأشياء قد تفرض عليه بعد انتهاء الحرب في صنعاء”.
رأس المال
ما جعل الصوت خافتاً في حضرموت، هو رأس المال، الذي ما زال جباناً لا سيما في الاستثمار بقطاع الإعلام.
ويرى “ج.ر” أنه “بإمكان حضرموت أن تتصدر الجميع في العمل الإعلامي فالكوادر موجودة، والإمكانيات أيضاً، لكن هناك من يريد لحضرموت أن تكون تابعة، وإن لجماعة مسلحة، كما هو الحاصل”.
وأضاف، “جماعة قليلة تمتلك السلاح فقط صارت تتحكم بكل شيء، وصار الناس يحسبون لها ألف حساب، حتى الإعلاميون، لأنهم لن يجدوا من يقف معهم، إذا تعرضوا لأي شيء لا سمح الله”.