الجبل .. والمغارة!
خالد الرويشان
سألتُ أدونيس الشاعر الكبير وكنا معاً في رحلة طويلة إلى مدينة تعز ذات يوم .. ماذا عن أم كلثوم وفيروز؟
أجابني باقتضاب .. فيروز مغارة في جبل أم كلثوم!
وعند الحديث اليوم عن الفنانَين الكبيرين أبوبكر سالم و محمد عبده فإنني لا أجد أدق من عبارة أدونيس .. محمد عبده مغارة في جبل أبوبكر سالم!
رغم ذلك كلاهما فنانٌ كبير
المذيع سأل محمد عبده عن إبداع الفنانَين الراحلَين أبوبكر سالم وطلال مداح وأثر رحيلهما .. فأجاب بأنهما لم يغنّيا للوطن كما غنّى هو! .. جواب بعيد جداً عن السؤال!
وحين ذكّره المذيع بأغنية وطنية لأبوبكر تهكّم محمد عبده ساخراً وشبّه اللحن بسيارة معطلة تزحف وعندما ذكّره المذيع بأغنية أخرى قال بأنها مسروقة منه!
تلك سقطةٌ منك أيها الفنان الكبير!
صوت محمد عبده صوتٌ صحراويٌ رائع بصهيل خيلها وحرارة يبابها وجفاف هوائها.. لصوته طبقةٌ واحدة فحسب وبالكاد يلامس طبقةً أخرى بعد لأْيٍ وتنطّع!
صوتٌ حار فرض نفسه على الوطن العربي منذ نصف قرن على الأقل!
صوتٌ وراءه أذكى شخصية فنية عرفها الغناء العربي هي شخصية محمد عبده نفسه!
ذكيٌ ودائبٌ ومُلِح ويغني للأمراء وفي قنواتهم منذ نصف قرن!
وفي فترة كنتَ تفتح عدة قنوات فتجده واقفاً يغني في جميعها .. وكأنه يمتلك هذه القنوات! ..
صوتٌ ذكي وراءه شخصية ذكية وشخصيات نافذة ومؤسسات .. شخصية مُلِحّة! غنّى كثيراً حتى أنه كان يقرأ أغانيه وهو يغنيها من ورقة على المسرح وأمام الجمهور!
صوت أبوبكرسالم صوتُ له قرارة الوادي وترجيع الجبل وتهادي الساحل
صوتٌ بطبقات سماوية متعددة
صوتٌ بدويٌ حارقٌ حرقة عسل دوعن ولوعته إذا أردت ، صوتٌ مدنيٌ رائقٌ شائق يتقطّر بصبابات عدن ويتفطّر بعذابات عشاق كريتر!
صوتٌ يضحك ويبكي .. صوتٌ يغضب ويرضى صوتٌ يعاتب ويعاقب .. صوتٌ يعلو مثل أُفُق وينخفض مثل نبْتة الوادي وتموجات حنينها!
قال لي الملحّن السعودي الكبير طارق عبدالحكيم أن محمد عبده لايخشى منافساً سوى أبوبكر سالم! وأضاف بأن محمد عبده ركّز على منافسة طلال مدّاح ولم يكد يتفوق عليه حتى ظهر له جنّيٌ منافس أصبح شغله الشاغل وهو عبدالمجيد عبدالله!
في رأيي ، يجب ألاّ تغضبوا أو تعتبوا على أحد من هؤلاء الأربعة فنانين راحلين وأحياء عندما يتكلم أو تكلّم أحدهم عن الآخر، وتحديداً مثير الزوابع محمد عبده!
ففي النهاية ، يكفينا وهو الأهم في ذلك كله أن الفنانين الأربعة يمنيون: أبوبكر سالم ، وطلال المداح ، ومحمد عبده ، وعبدالمجيد عبدالله!
المصدر: صفحة الكاتب على فيس بوك