أطفال الحروب.. من يوفر لهم الحماية؟
آمال مختار
تسمع الأخبار بكلّ اللغات، غير أنّ الخبر واحد والصورة واحدة لا تتغيّر مع تبدّل اللكنات.
الصورة لأطفال مشردين بأشلاء ملابس، بأقدام حافية، بمسحات حزن تغطي الوجوه القذرة بوساخة الحرب، بنظرات هائمة نحو العدم، بلا دليل، بلا أمل.
وتلك الدمعة على الخدود التي كانت مورّدة ستظل ثابتة على الصورة التي علقت بالذاكرة لتصبح دمعة متحجرة أبدية طفرت من الروح المعطوبة ولم تبلغ الأرض، معلّقة على نصف الطريق تمامًا كما هي وضعية هؤلاء الأطفال المعلّقين والعالقين في مضيق السقوط والنذالة الانسانية في طريق الحياة.
هؤلاء الأطفال الذين تحوّلوا الى صورة تتجوّل عبر نشرات الأخبار تتسوّل العطف من أهل السلطة والجاه، هؤلاء… كانوا منذ زمن غير بعيد عاديين طبيعيين مثل كل الأطفال، يسكنون قلوب آبائهم وأمهاتهم، متلفعين بشال الحنان والدفء العائلي، يشربون حليب الطمأنينة، وينامون في أسرّة الأحلام.
“تلك الدمعة على الخدود التي كانت مورّدة ستظل ثابتة على الصورة التي علقت بالذاكرة لتصبح دمعة متحجرة أبدية طفرت من الروح المعطوبة ولم تبلغ الأرض”
فجأة تهدّ البيت على العائلة النائمة على طمأنينة بلد آمن!
فجأة اختلط الحابل بالنابل ورأت الأم قبل أن تغادر الحياة نهائيًا وجوهًا ملثمة وعيونًا يتطاير منها الشرر.
ماتت الأم دون أن تعرف هوية تلك العيون الشريرة التي هدمت سعادة المنزل العائلي.
قبل ذلك كانت قد صرخت ملء أمومتها وحرقتها تنادي أطفالها ثمّ رحلت بينما ظلّت صرختها معلقة في غبش فضاء الحرب، كما بقيت يدها محنطة تطلب الإغاثة والرحمة ولا من مجيب.
أثناء فوضى الصدمة والخراب كان أبناؤها يتسللون الواحد تلو الآخر من بين براثن الموت في اتجاه… السراب… هؤلاء الأطفال… ما ذنبهم…؟ ما ذنبهم ليشرّدوا؟ ليفقدوا عطف الأمّ والأب والعائلة، ليسرحوا في أرض الله الواسعة يبحثون عن لقمة ما لتسكين آلام الجوع الذي اشتد بهم والبرد الذي قسا عليهم؟
ما ذنبهم ليحرموا من مدارسهم ومواصلة تعلّمهم؟ فباتوا مشرّدين هائمين على وجه البسيطة بلا وجهة، بلا أمل، لا ينتظرون شيئًا ولا أحدًا، يجرون وراءهم براءة خرّبها الرصاص وأحلامًا ذبحها الملثمون…
ما ذنبهم هؤلاء الذين بتنا نراهم مشردين في تقطعات الطرق وعند مواقف السيارات وفي المقاهي وعلى الأرصفة يطلبون الرحمة ولقمة العيش، يبيعون أي شيء وكل شيء مقابل فلس لن يكفي حتى لسدّ الرمق.
“مشهد هؤلاء الأطفال لم يبق حكرًا على أطفال الفلسطينيين الذين حكم عليهم القدر وأمزجة الساسة ومصالحهم أن يظلوا مشرّدين، بل بات مشهدًا مكرورًا نراه في كل بلد عربي مرّ عليه الربيع العربي وما تداعى عنه”
مشهد هؤلاء الأطفال لم يبق حكرًا على أطفال الفلسطينيين الذين حكم عليهم القدر وأمزجة الساسة ومصالحهم أن يظلوا مشرّدين، بل بات مشهدًا مكرورًا نراه في كل بلد عربي مرّ عليه الربيع العربي وما تداعى عنه من نثر لرصاص الحقد وتحطيم كلّ ما اعترض سبيل الطغيان، من بيوت ومدارس وأماكن أثرية ومزارع وأشجار وملاعب الأطفال والتي ظلّت شاهدة بين الأنقاض على قساوة تجار الحروب والأسلحة…
أولئك الملثمون الذين قتلوا ونهبوا ودمروا وماتت الأمهات دون التعرف على هوياتهم، انكشف القناع عنهم الآن وبات كلّ العالم يعرفهم، نعم كل العالم يعرف القتلة، وقسم منهم نفذ مخططات باسم الدين متذرعًا براية لا إله إلاّ الله، كما بات كل العالم يعرف من الذين باعوا الدين وباعوا الوطن…
في الأثناء نشطت التجارة البشرية وبات منتهزو الفرص والفوضى يبيعون هؤلاء المشردين أحلام النوم في خيمة في انتظار التفاوض الدولي من أجل تقسيم أو إعادة تقسيم الغنائم والثروات.
“نشطت التجارة البشرية وبات منتهزو الفرص والفوضى يبيعون هؤلاء المشردين أحلام النوم في خيمة في انتظار التفاوض الدولي من أجل تقسيم أو إعادة تقسيم الغنائم والثروات”
أما هؤلاء الأطفال العرب الذين تحطمت أحلامهم وأوطانهم وفقدوا مستقبلهم ليجنوا الكوابيس والأمراض النفسية فليس لهم من يدافع عنهم أو يحميهم رغم كثرة الجمعيات الخيريّة التي انتشرت في البلاد العربية كالفقاعات بينما هيّ في حقيقة الأمر جمعيات شرّانية متخفية وراء نبل فكرة الخير والرحمة والتبرّع لتؤدلجّ عقول هؤلاء الأطفال لصالح تجارتهم الدينية التي انطلت على البسطاء والفقراء لحين دام أكثر من عشر سنوات، أمّا الآن وقد انكشف المستور البشع فقد شرعت كل دولة عربية تلملم جراحها وتحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى الشروع في إعادة البناء والإعمار المادي والمعنوي ومنهم هؤلاء الأطفال الذين يحتاجون إلى إعادة تأهيل وعناية خاصة وجهد كبير من كل بلد، فهم مستقبل كل بلد، وفي انتظار ذلك لهم ولأشقائهم الفلسطينيين ربّ يحميهم نطلب منه الرحمة والرفق بهم.
(تونس)
المصدر: ضفة ثالثة