التطورات الأخيرة، في لبنان خاصة في دلائل انهيار «14 آذار»، والاضطراب الشديد لتيار المستقبل، كانت نتيجة لتفاعل تقدير الموقف السياسي الإقليمي، في أعين الفرقاء أو الحلفاء اللبنانيين، وبالتالي الانتقال إلى الضفة الأخرى ومشاركتها التطورات الأخيرة، في لبنان خاصة في دلائل انهيار «14 آذار»، والاضطراب الشديد لتيار المستقبل، كانت نتيجة لتفاعل تقدير الموقف السياسي الإقليمي، في أعين الفرقاء أو الحلفاء اللبنانيين، وبالتالي الانتقال إلى الضفة الأخرى ومشاركتها المشروع المصيري الجديد للبنان، وسنُلاحظ هنا التغير التصاعدي الذي وصل إلى أن يتخلّى وليد جنبلاط وسمير جعجع أقوى حلفاء «المستقبل» عنه، وتوجههم إلى أسرة أصدقاء إيران.
إن تتبع التطورات التي جرت في المشهد السياسي للبنان، خلال الخمس سنوات الأخيرة يعطي تصوراً لأسباب انهيار موقف «تيار المستقبل»، وخاصة منذ ظهور دلائل تراجع الثورة السورية أمام إيران وتحولها إلى ميدان مشتت، برزت فيها العزيمة القوية للقطبين العالميين، برفض أي نجاح بل وحتى عبور سلمي نسبي للثورة السورية.
وقرار الرياض الأخير، الذي جاء مفاجئا لسجل العلاقات مع لبنان، تأخر طويلا حتى تمكن الإيرانيون، لكنه أيضا قرارٌ مهم في طيّاته، يقدم اعترافا تاريخيا على أن الجيش اللبناني صُنع مؤخرا لأجل إيران، كما صُنعت الدولة العميقة وهيكل بنائها السياسي المتغلغل لصالح حزب الله الإيراني، تحت هذا المشروع، وهنا تبرز لنا عناصر مهمة في مسيرة الانتداب الإيراني للبنان:
– منذ اغتيال رفيق الحريري ورغم خروج قوات نظام الأسد، إلا أن الدولة العميقة في لبنان لم تخضع لهذا الواقع، وحقق حزب الله تقدما في زحفه، حسمه باجتياح بيروت السنية في مايو2007، وأعاد به سيطرته الكلية على القرار السياسي.
– كانت المشكلة المركزية للداعمين العرب، أن شخصية القائد البديل لرفيق الحريري، أضعف بكثير من المستوى القادر على الصمود فضلا عن التقدم أمام الإيرانيين.
– في كل منعطف، كان الداعم يُعطي مالاً لتجاوز أزمة سياسية، فيصّب هذا المال في مشروع الابتزاز القهري للدولة وللسُنة معا، ويتحول لصالح لبنان الإيراني وحلفائه.
– من المهم جدا أن نستذكر أن هذا الجيش الذي وجهت له الرسالة السعودية، هو ذاته الجيش الطائفي في قيادته وبعض ألويته، المؤدلج سياسيا، والذي اُستخدم لقصف المدنيين السُنة من سوريا، وخنقهم في لبنان، وهذا يعني أن موقف التقييم السعودي اليوم يتطابق مع التوصيف الحقيقي لطائفية الجيش اللبناني ودوره في لعبة الدولة العميقة، لكن بعد تأخر طويل.
– وأعقب كل ذلك حركة التفويج الواسعة بين الأطراف المسيحية ووليد جنبلاط، للخروج من تموضعهم السابق، في توازي دقيق مع صفقة الغرب، ومشروع تصفية الثورة السورية، لينضموا لحلفاء إيران ومشروعها بغض النظر عن أي لغة تبرير أو خلاف مع ذراعها اللبناني، فالعبرة بالأثر السياسي للقرار الجديد.
إن هذه الخلاصات التي تشرح دور الضعف الذاتي، ومواسم تمرير صفقات الابتزاز في لبنان لصالح دولة إيران العميقة، تؤكد على خطأ منهجية صناعة البيت العربي في لبنان.
لبنان اليوم الذي يفتقد شخصيات وطنية مخلصة كرشيد كرامي وكمال جنبلاط، والشيخ حسن خالد، وجورج حاوي وزعماء العروبية المسيحية فيه، ليس بقادر على تشكيل حراك وطني مستقل يؤثر ذاتيا على التوازن القائم، ويُفشِل مشروع لبنان الإيراني الذي تباركه تل ابيب بمواصفاتها.
ولا يوجد اليوم بديل ممكن أن يحل مكان المستقبل في وقت قصير، وإن كان البديل النوعي القوي مطلوب استراتيجيا، لكن تنظيم هذا البناء ممكن أن يتحقق، لو دعمت الرياض خطوات تنفيذية محددة، تغيّر معادلة القوة الذاتية السياسية لسنة لبنان، وصناعة حلف مشروع وطني لا مصالح سريعة الانهيار.
الوطن القطرية