أخبار محليةتقاريرغير مصنف

قريباً.. ستفقد اليمن آخر يهودها

يبدو أنّه قُدّر للأقلية اليهودية في اليمن مزيد من المضايقات والكراهية والحرمان ساهمت إلى حدّ كبير في تناقص أعداد اليهود اليمنيين الذين لا يتجاوز من تبقّى منهم سوى العشرات وهذا ما يعكس التوجّه لإلغاء أي ديانات أو أقليات دينية أخرى بعد أن كان اليهود حكاماً لليمن في مرحلة هامة من التاريخ.

يمن مونيتور/ رصيف 22
يبدو أنّه قُدّر للأقلية اليهودية في اليمن مزيد من المضايقات والكراهية والحرمان ساهمت إلى حدّ كبير في تناقص أعداد اليهود اليمنيين الذين لا يتجاوز من تبقّى منهم سوى العشرات وهذا ما يعكس التوجّه لإلغاء أي ديانات أو أقليات دينية أخرى بعد أن كان اليهود حكاماً لليمن في مرحلة هامة من التاريخ.
“مسألة القضية اليهودية واليهود في اليمن يُتعامل معها بخفة شديدة جداً وبدون مسؤولية ودراسة (…) نحن تعاملنا مع القضية اليهودية بعداوة بدون فهم، بدون معرفة، بدون علم”، يقول رئيس الهيئة العامة للكتّاب ونقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق، عبدالباري طاهر، مؤكداً عدم إدراك اليمنيين أن الديانة اليهودية جزءٌ من تاريخهم العريق.
يذهب مؤرخون وباحثون إلى القول إنّ الطائفة اليهودية في اليمن من أقدم الطوائف اليهودية في العالم، علماً أن “اليمن هي مهد اليهودية”، على حدّ قول الدكتور كمال صليبي. ويقول عبدالباري طاهر لـرصيف22: “الدولة الحميرية الثالثة- قبل الإسلام- هي التي وحّدت اليمن توحيداً حقيقياً، وكانت على الديانة اليهودية وليس في ذلك ما يُعيب”.
شكّل اليهود اليمنيون جزءاً أساسياً من النسيج اليمني، بل نجحوا في التعايش بسلام مع المسلمين على مدى قرون، تحديداً منذ دخل المسلمون اليمن عام 628م، إذ كفل لهم الدين الإسلامي حقوقهم كاملة وفرض عليهم الجزية، كما فرض الزكاة على معتنقي الدين الإسلامي. واشتهروا منذ القدم بممارسة الحرف اليدوية، أبرزها صياغة الذهب والفضة.
في المقابل، تعرّض يهود اليمن للمضايقات والاضطهاد في فترات مختلفة، من قبل بعض اليمنيين وتحديداً المتشددين الاسلاميين، نتيجة التخلف والجهل. كما أنّ إعلان دولة إسرائيل عام 1948 تمخّض عن تهجير ما يتجاوز الـ50 ألف يهودي يمني، في حملة أُطلق عليها “بساط الريح”، كواحدة من أهم المؤامرات الصهيونية، على حد قول عبدالباري طاهر. قبل ذلك وبعده، سعت منظمات الهجرة الصهيونية لتهجير يهود اليمن إلى فلسطين ثم إلى إسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا على دُفعات صغيرة.
وعن أهم العوامل التي ساهمت، ولا تزال، في نجاح هذا التهجير “القسري” وفقاً لباحثين ومهتمين، يقول الصحفي المتخصص في شؤون الطائفة اليهودية محمود طه لـرصيف22: “من أهم العوامل، عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي وتدهور الأوضاع الأمنية، بالإضافة إلى الانتهاكات التي تعرّض لها اليهود في السنوات الأخيرة وأبرزها مقتل هارون زنداني في العاصمة صنعاء وماشا النهاري في ريدة بمحافظة عمران نهاية العام 2008”.
ووضعت حادثة تهجير العشرات من اليهود الذين كانوا مقيمين في قرية “آل سالم” بمحافظة صعدة من قبل جماعة الحوثيين في العام 2007 حداً فاصلاً في سيرة حياة أبناء هذه الطائفة، مما دفع بالسلطات اليمنية إلى نقلهم إلى “المدينة السياحية” في حي الشيراتون شرق العاصمة صنعاء، بالقرب من السفارة الأمريكية.
ويقول طه “تراجع القبيلة في توفير الحماية لليهود (باعتبارهم جماعة مستضعفة)، وانتشار الحركة الحوثية المسلحة التي ترفع شعار “اللعنة على اليهود”، يفاقم الوضع المتدهور لمن تبقّى من اليهود اليمنيين”، في إشارةٍ إلى مخاوف اختفاء هذه الطائفة بشكل نهائي من اليمن.
تعايش هش ومشاكل كثيرة
يكثر الكلام على ما تغيّر في حياة أفراد الطائفة اليهودية، فضلاً عن جو التعايش في بلد ذي ديانة واحدة، إذ إن غالبية السكان (نحو 24 مليون نسمة) مسلمون.
يقول الباحث اليمني في شؤون الأقليات فؤاد العلوي: “تراجع عدد اليهود في اليمن بشكل كبير جداً وانحدر من نحو 5000 ألف في عام 1990 إلى 250 في العام 2010”. ويؤكد محمود طه أنّ عدد اليهود المتبقين في اليمن حالياً لا يتجاوز الـ70 فرداً؛ 8 منهم في منطقة “خارف” بمحافظة عمران، وقرابة 60 في المدينة السياحية بالعاصمة صنعاء. في حين يقول الحاخام يحيى يوسف موسى إنّ عدد من تبقى منهم هو بحدود 150 فرداً.
بات تناقص أعداد اليهود في أوساط المجتمع مسألة تثير الاستغراب، وهذا ما يعرّضهم للمضايقات المجتمعية من جهة وللحرمان من حقوقهم الأساسية كحقهم في التعليم وحقهم في الوظيفة العامة من جهة أخرى، وفقاً للباحث فؤاد العلوي الذي أضاف لرصيف22: “لا يمكن الحديث عن التعايش الآن لأنّ من تبقى من اليهود معزولون في المدينة السياحية وتحت رقابة وحراسة مشددتين، وعندما ذهب أحدهم في العام 2011 إلى خارج المدينة السكنية، اعتدى مجهول عليه طعناً بالسكين حتى أرداه قتيلاً”.
بالإضافة إلى ما سبق، لا تختلف المشاكل التي يُعانيها من تبقّى من أبناء الطائفة اليهودية عن مشاكل اليمنيين بشكل عام، إذ يطغى الفقر على غالبيتهم، خصوصاً بعد انقراض المهن التي كانوا يمارسونها كالحدادة والنجارة وصياغة الذهب والفضة ودباغة الجلود وغيرها. لكن الأهم يبقى عدم توفير السلطات مدارس خاصة لأطفال هذه الطائفة، وهذا ما يدفع بالبعض إلى إرسال أبنائهم إلى الولايات المتحدة أو بريطانيا أو إسرائيل للدراسة في حين يكتفي آخرون بتعليمهم الدين اليهودي من خلال كتاب “التوراة”، واللغة العبرية في أماكن خاصة.
وأجبرت التعبئة الطائفية والمضايقات في الشوارع العامة غالبية اليهود على قص “زنانيرهم” (خصلتي شعر تتدليان على جانبي الوجه)، التي تُعتبر جزءاً من عقيدتهم الدينية. وأثناء زيارتنا للحاخام يحيى يوسف موسى في منزله بالمدينة السكنية، لاحظنا أنّ تلك “الزنانير” تتدلى فقط على جانبي وجه أكبر حاخامات اليهود يوسف موسى (طريح الفراش بسبب إصابته بجلطة دماغية).
بالإضافة إلى ذلك، لا يتقاضى أي يهودي راتباً شهرياً كموظف في الجهاز الإداري للدولة، باستثناء الحاخام يحيى يوسف موسى، أحد يهود “آل سالم” المُهجّرين من محافظة صعدة.
وأكد يحيى موسى لرصيف22 أنّ كل اليهود القاطنين في صنعاء عاطلون عن العمل لعدم توفّر الأدوات الخاصة بالحِرَف اليدوية التي كانوا يزاولونها. لكنّه أشار إلى استمرار السلطات في التزامها بتوفير الشقق السكنية والمواد الغذائية، فضلاً عن خمسة آلاف ريال شهرياً (23 دولاراً أمريكياً) لكل فرد منهم صغيراً كان أو كبيراً، مقدمة من الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح منذ 2007.
دُور عبادة باتت خالية
على الرغم من الواقع السيىء والانتهاكات التي تعرّضوا لها، يتجنّب أبناء هذه الطائفة الإشارة تلميحاً أو تصريحاً إلى ما قد يثير غضب السلطات والأغلبية المسلمة في البلاد ضدهم، لا بل يبدون لهم مشاعر التقدير والثناء. وهم يمارسون طقوسهم الدينية بحُرية تامة، ويحتفلون بعدد من المناسبات الدينية والأعياد أبرزها عيد الغفران وعيد نيسان، وشبوعات، وقاقر، والسكات… غير أنهم يرفضون ذكر تفاصيل مُمارستهم ديانتهم.
ولا يخفي الحاخام يحيى موسى افتقارهم إلى دُور العبادة في العاصمة صنعاء بسبب قلة عددهم، ويقول: “نؤدي صلواتنا (الصبح، والغروب، وصلاة ما بعد الغروب) في أماكن نظيفة وهي بمثابة دُور عبادة”.
لا تصح صلاة الجماعة في الديانة اليهودية إلا انطلاقاً من وجود عشرة أشخاص وما فوق، وإذا لم يتوفّر هذا العدد فيؤديها كل يهودي بشكل فردي في منزله. يقول محمود طه: “لم تعد تمارس أي طقوس دينية لليهود في خارف وريدة في محافظة عمران شمالي العاصمة صنعاء؛ كونهم أصبحوا أقل من عشرة أشخاص، وبالتالي باتت اثنتان من دُور العبادة المعروفة هناك خاليتين تماماً”.
ويقول يهودي آخر يُدعى يوسف سعيد الناعطي إن أهمّ ما تغيّر بالنسبة لهم هو تناقص عدد أفراد المجتمع اليهودي، الأمر الذي يُعقّد حياتهم ومُمارستهم طقوسهم الدينية. ويتابع “في الديانة اليهودية، لا تصح صلاة الجماعة إلا بعشرة أفراد وما فوق، كذلك بالنسبة للملكة (الملكية). كما تشترط تعاليم ديانتنا حضور الشهود عند عقد الزواج أو لدى الطلاق على أن لا يكونون من الأقارب، أيضاً ختانة الأطفال يجب أن يقوم بها حاخام”.
من جهته، يطالب اليهودي اليمني يحيى موسى الذي ينفي إمكانية انقراض الطائفة اليهودية من اليمن، السلطات بتمكينهم سياسياً ومنحهم مناصب حكومية أُسوة ببقية السكان، بهدف الشعور بالمواطنة الحقيقية.
وقد شكّل اليهود اليمنيون كتلة متماسكة، رغم العواصف التي مرّت بحياتهم في فترات متفاوتة وحافظوا على تعاليم دينهم، متزودين بأصول تلمودية على أيدي قادة دينيين، بالإضافة إلى أنّهم حافظوا على تراثهم الثقافي وأساليبهم في الحياة ولغتهم. فبعد أن كانت صنعاء وحدها- كما تشير المراجع- تضم 15 مدرسة و19 كنيساً يهودياً، وهناك ما يقابلها في عدد من المحافظات كصعدة، وعدن، وذمار، وإب (جبلة) وغيرها من المدن، اندثرت كلها بعد نزوح اليهود اليمنيين إلى الخارج وبالتحديد إلى “إسرائيل”.
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى