بعد خروج العثمانيين من اليمن، دخل الإمام يحيى صنعاء يوم الثالث عشر من صفر سنة 1337هـ الموافق 17 نوفمبر 1918م واستقر بها حكمه، وحينها بدأ يكشر عن أنيابه من أجل الاستحواذ على السلطة، وازاحة بقية القوى التي شاركته النضال ضد الأتراك.
بعد خروج العثمانيين من اليمن، دخل الإمام يحيى صنعاء يوم الثالث عشر من صفر سنة 1337هـ الموافق 17 نوفمبر 1918م واستقر بها حكمه، وحينها بدأ يكشر عن أنيابه من أجل الاستحواذ على السلطة، وازاحة بقية القوى التي شاركته النضال ضد الأتراك.
هذا الأمر دفع العديد من القبائل اليمنية في التمرد عليه ورفض نزعاته التسلطية، وقد أدرك خطورة التمردات حول صنعاء فسعى لتوجيه تلك القبائل نحو مناطق الوسط أو ما كان يعرف باليمن الأسفل، واغرائهم بالنهب والغنائم والفيد.
ورغم أن عددا من المناطق كانت قد أعلنت ولائها للإمام إلا أن جنوده دخلوها عنوة وعاثوا فيها الفساد، ولم يحاول الإمام يحيى منع رجاله أو ردعهم، لأنه كان قد عبأهم للقتال ووعدهم بالحصول على الأموال، لكن الانتفاضات والتمردات القبلية والفلاحية لم تتوقف مرة إلا لتشتعل مرة ثانية، حتى بدأ جيل جديد من قيادة المعارضة لنظام الإمامة يتحرك في الداخل والخارج، وفي أوساط القبائل والمدن وبين المغتربين في المهجر والفلاحين في الحقول، وقد أخفق حينا لكنه حقق الهدف في اجتثاث نظام الإمامة وليس ازاحة الإمام وتعديل سياساته.
وقد تمكن نظام صالح من البقاء في السلطة طيلة هذه الفترة الطويلة بسبب استناد تحالفاته إلى تشكيلة واسعة من القوى التي نجح في تحويلها الى عصبية سياسية حامية لنظامه ومستفيدة منه، وهذه التشكيلة نجد أثرها في حاشد وبكيل ومذحج وبقية المناطق اليمنية الأخرى كما يقول فيصل جلول، وفي المؤسسة العسكرية التي عمل على نقل مراكز الثقل القيادية داخل وحداتها إلى سنحان القبيلة التي ينتمي إليها، وتليها قبيلة همدان المحيطة بصنعاء من جهة الغرب، وفي كتلة جنوبية واسعة ومهمة قاتلت دفاعا عن الوحدة اليمنية، فضلا عن قسم مهم من النخبة السياسية والإدارية التي نمت في ظل حكمه طيلة السنوات الثلاثين الماضية.
غير أن سياسة النظام السابق عملت على توسيع الشروخ وترسيخ عدم الثقة بين المجتمع والدولة منذ انتهاء حرب 1994م، وذلك حين اقصى النظام العديد من القوى المؤثرة سواء كانت حزبية أو اجتماعية ـــ في الشمال أو الجنوب ـــ وسعى إلى تشتيتها وشرذمتها، والاستناد على قوى بلا ثقل حقيقي في الواقع الاجتماعي، بقدر ما كانت تستند الى الدعم الذي يقدمه لها نظام صالح، مما أدى إلى اختلال التوازن وعمل على تقليص شرعيته وعجل بسقوطه، وجعل من الجميع يتخذون موقفا واحدا لمجابهته والامتناع عن تقديم الدعم له.
وحين بدأت تتهاوى خلال الثورة الشعبية في فبراير 2011م تحالفات صالح الاجتماعية والعسكرية بانضمام كثير من القبائل إلى صف التغيير، فإن ذلك ساعد على فقدان النظام سيطرته على عدد من المحافظات.
ولعب الوسطاء القبليون خلال الثورة وبعدها دوراً هاماً في تشجيع الحوار السياسي، وبناء الاجماع بين المجموعات السياسة، وتولت القبائل المسؤولية في المناطق التي انسحبت منها القوات الحكومية، ونجحت في تقديم مستوى معقول من الأمن داخل مناطقها، كما تناولت ذلك احدى الدراسات الصادرة عن مركز كارينغي.
ورغم الاجماع الشعبي داخليا والتأييد الدولي خارجيا على ضرورة رحيل نظام صالح عن الحكم، إلا أن ادارة الرئيس هادي بعد ذلك لم تتمكن من الحفاظ على الاجماع الداخلي، الأمر الذي ترك الفرصة أمام قوى الثورة المضادة لاستغلاله في تنفيذ مشروعها الانقلابي.
وحققت بفضل ماكينتها الإعلامية وكتبتها في اقامة الفواصل والحواجز بين المدينة وقواعدها في الأطراف، فهي تعلم جيداً أن ثورة فبراير 1948م كان أحد الأسباب الرئيسية لفشلها هو بقاءها في المدينة وعدم خروجها إلى الريف، اضافة إلى ما حققته من تجزئة داخل قوى الثورة الأمر الذي سهل عليها الانقضاض على المشروع الذي توصل إليه اليمنيون في مؤتمر الحوار، كما استغلت الثورة المضادة الأوضاع المتردية التي تعيشها البلد، في وقت أصبح الشعب في حيرة مما يجري لا يعلم أين يقف حتى جرى ما جرى يوم الـ 21من سبتمبر 2014..
وفي هذه المرحلة الحرجة التي تقف البلد فيها على مفترق طرق لا تستطيع الدولة أن تكسب المعركة لصالح الشرعية، وبناء الدولة اليمنية بدون صناعة تحالفات اجتماعية وائتلافات واسعة، فما حصل منذ 2014 حتى الآن من تمكن الحوثي وجماعته بالتحالف مع صالح من سيطرة على مناطق الشمال واسقاط العاصمة ثم التمدد نحو الوسط والجنوب، جاء في لحظة كانت القيادة السياسية غير مستوعبة لطبيعة المجتمع في تلك المناطق، ولا كيفية ادارة تحالفات ثورة 2011م والحفاظ عليها، ولا مدركة الخطورة للصعود السياسي المستند على القوة وحدها للتيار الحوثي، والأوهام التي راودت صانع القرار لمد الجسور معها كحليف قادم إلى السلطة بلا ادراك بأن هذه الجماعة لا تؤمن بالشراكة مطلقا، كونها جماعة تجد أنها الأحق بالحكم، وتسعى للاستئثار بالمصالح والمنافع دون بقية المجتمع.
وكانت هذه من أهم الأسباب التي دفعت بعض القبائل للعودة والتنسيق مع صالح والحوثي أيضا، وعدم التصدي لجماعة الأخير أو الاستمرار في مواجهته داخل كثير من المناطق، لأن مواقف النظام السياسي ممثلا بالرئيس هادي ظهرت أمامها مؤيدة لأنصار الله في ما تقوم به، وأنها فرس السبق في الميدان، وكانت النتيجة هي ما جرى للبلد..