(11 فبراير).. ممر إجباري للحرية
لم تكن ثورة 11 فبراير خياراً ترفيهياً، بل ممر إجباري؛ المبرر لها هي الضرورة ذاتها، وكانت مفاجأة حتى للثوار أنفسهم الذين أشعلوا شرارتها، وذلك بالضبط لأن طبيعة الثورات تجيء بشكل فجائي وعفوي، وتفقد كونها ثورة بمجرد أن تحتكم لتوقعات أو قوالب نظرية مسبقة. يمن مونيتور/ خاص/ من هشام المسوري
لم تكن ثورة 11 فبراير خياراً ترفيهياً، بل ممر إجباري؛ المبرر لها هي الضرورة ذاتها، وكانت مفاجأة حتى للثوار أنفسهم الذين أشعلوا شرارتها، وذلك بالضبط لأن طبيعة الثورات تجيء بشكل فجائي وعفوي، وتفقد كونها ثورة بمجرد أن تحتكم لتوقعات أو قوالب نظرية مسبقة.
فالتنظير للثورات يأتي تالياً لفعل الثورة وليس سابقاً لها، وبطبيعتها تكون الثورة مفاجئة وتقدم نموذجها الخاص دون مسايرة للنظرية وللتوقعات أو حتى للآمال والرغبات، وهي بذلك لا تقدم ضمانات للنجاح الكامل، وعندما يبحث البعض عن ثورات جاهزة وناجزة ونظيفة وهادئة فهو يخرج عن معنى الثورة التي تكون فجائية وغير محسوبة العواقب وخارج النظريات، إذ أنه يصعب التحكم بمسار الثورات.
وقد ذهب “كرين برينتن” صاحب كتاب تشريح الثورات، وهو من أشهر المؤرخين للثورة الفرنسية والأمريكية، إلى أن الثورة لا تنتهي غالباً الى نجاح متخيّل، لكنها بالتأكيد تنهي حالة الانسداد الذي فجّرها.
في الحالة اليمنية، بعد أن أغلق نظام “صالح” كل الطرق نحو التطوير والتغيير، ووصلت البلاد بفعل سياسات النظام الى حالة انسداد سياسي وتخلف اقتصادي وثقافي، تشكلت ما يمكن وصفها بـ”الضرورة للثورة”، وأضحت الضرورة ذاتها هي مبرر انفجار الثورة، فوجد معظم الشعب أنفسهم في خضم ثورة لم يخططوا لها ولم تتحدث عنها النظريات ولم تتوقعها الدراسات ولم تكن خيار ضمن مجموعة خيارات مسبقة يتم عرضها، فوجدوا أنهم في مواجهة مع حالة الانسداد، حيث الطبقة الحاكمة -النظام- تصبح غير قادرة على الحكم والسيطرة، والشعب- الطبقة المحكومة- يصبح غير قادر على العيش على هكذا وضع بحسب المفهوم الذي يقدمه لينين للحظات انفجار الثورة في كتابه الأكثر شهرة (الدولة والثورة).
تاريخياً، لا توجد ثورة كاملة وناجحة كلياً وفق الآمال والأحلام التي حملها الثوار، فالثورات خيار الضرورة ونتيجة فجائية لحالات الاستعصاء بفعل سياسيات الأنظمة الحاكمة التي تسد كل طرق الأمل للعيش ي ظل بقائها في سدة الحكم، وهي، أي الثورة، تمثل ممراً اجبارياً، وبالتالي يصاحبها آلام وأوجاع ومخاطر وتحديات وتتمخض احياناً عن اضطرابات بل وعنف، لكن ذلك كله لا يقلل من مشروعيتها وشرعيتها وأهميتها فهي تدفع بالمجتمعات إلى مسرح التاريخ، وتعيد تعريف وجودهم وقبل ذلك تنهي حالة الانسداد الذي فجّرها أياً كانت النتائج والمآلات الناجمة عنها.
وبالتأكيد فالنظام الاستبدادي الفاسد في الحالة اليمنية يتحمل مسئولية تلك المخاطر والكوارث التي صاحبت الثورة، والتي كانت الثورة نتاج طبيعي لسياساته الفاشلة، ويبقى نظام صالح هو المسئول عن حالة التخلف السياسي والاجتماعي والذي منع قيام الدولة وضاعف من مستوى الإدراك السياسي وشوه الحياة الحزبية وعمد إلى إحداث انقسامات قبلية وطائفية ومناطقية وهذا جعل كلفة الخروج من كل ذلك باهظة.
لكن الثورة استطاعت أن ترفع مستوى الإدراك السياسي في أذهان اليمنيين، وشكلت اطلالة اولى من نوعها نقلت المجتمع إلى مسار التاريخ بوصفة مؤثرًا في السياسة وفاعلاً في الفضاء العام، بعد أن كان مُغيب في ظل فضاء احتكرته نخبة النظام الحاكم، فيما قادت الثورة اليمن إلى الانفتاح على مفاهيم الحرية.
يحدثنا التاريخ عن ثورات اطلق عليه كذلك، وان كانت لم تحقق الأهداف المتوخاة منها، فهذه الثورة الفرنسية ينقرض فيها من قادتها الثوريين ومنهم دانتون، بل إن “روبسبيير” أحد أشهر قادة الثورة الفرنسية الذي نفذ الإعدام بحق الملك، لم تمضِ سنوات قليلة حتى تم إعدامه في المقصلة ذاتها التي نفذ “روبسبير” إعدام الملك فيها، على الرغم أن الثورة الفرنسية حققت نجاحاً جزئياً في بدايتها وإسقاط الحكم الملكي، إلا أن ذلك لم يمنع حصول فوضى أعقبت الثورة وهي طبيعية عندما تقوم الثورة ضد أنظمة مستبدة وفاشلة، غير أن النتيجة النهائية للثورات لا يمكن أن تأتي خلال سنوات، فهذه الثورة الفرنسية (1789) أسست لعهد جديد أعاد رسم الخارطة العالمية، لكن في مقدار مسافة ما يقارب قرن من الزمان.
لا يمكن تحميل ثورة 11 فبراير أكبر من طاقتها، كما لا ينبغي قياس مدى نجاح ثورة 11 فبراير من فشلها، فهذا من المكبر قياسه، فهي إلى جانب كونها حدثت بشكل مفاجئ وغير متوقع، فيصعب التنبؤ بمساراتها والحكم عليها خلال سنوات، كما هو حال الثورات في مسرح التاريخ وأبرزها الفرنسية التي جاءت نتائجها بعد حوالي قرن من الزمان، وكذلك الثورة الروسية والأمريكية والبريطانية، وجميعها حُددت نتائجها بعد عشرات السنين، لكن من المؤكد أن تلك الثورات شكلت مراحل فاصلة ومهمة في وجود تلك البلدان على المسرح العالمي.