صبيحة “11 فبراير”.. أين الثورة أين الثوار؟!
في مثل هذا اليوم من العام 2011م، أي قبل خمس سنوات، كان عشرات الطلاب يقفون أمام جامعة صنعاء (كبرى الجامعات الحكومية باليمن)، يخططون ببساطة اليمني المعهودة، لحدث جلل، سُمّي فيما بعد بثورة “11 فبراير الشبابية” التي أطاحت بنظام علي عبدالله صالح. يمن مونيتور/ خاص/ وحدة التقارير
في مثل هذا اليوم من العام 2011م، أي قبل خمس سنوات، كان عشرات الطلاب يقفون أمام جامعة صنعاء (كبرى الجامعات الحكومية باليمن)، يخططون ببساطة اليمني المعهودة، لحدث جلل، سُمّي فيما بعد بثورة “11 فبراير الشبابية” التي أطاحت بنظام علي عبدالله صالح.
تعالت الأصوات، توسعت الساحات، اكتظ الشارع المحاذي للبوابة الشرقية للجامعة بالمحتجين من كل ألوان الطيف السياسي ومستقلين؛ حضرت الأحزاب والقبيلة، نُصبت الخيام، ورفعت يافطات عديدة كلها تنادي برحيل نظام “صالح” الذي استفرد بحكم البلاد لنحو 33 عاماً.
رمت العشائر سلاحها جانباً وحضرت تهتف بـ”سلميّة.. سلميّة”، لكن هذا لم يشفع لها، فقد قوبلت برصاص الأمن الموالي لـ”صالح”، وخاضت بعض القبائل، خصوصاً قبائل طوق صنعاء، معارك مسلحة بهدف تخفيف الضغط على المتظاهرين ومنع تحرك بعض تلك القوات لقمع التظاهرات داخل العاصمة.
جنّ جنون “صالح”، كغيره من الحكام العرب الذين جرفهم سيل ثورات الربيع العربي، أوسع الشباب اعتقالاً وتنكيلاً وقتلاً، لكنّ هذا لم يفتّ في عضد الثورة التي كانت بشهادات المراقبين من أنقى الثورات العربية في أهدافها ووسائلها.
سخر “صالح” كثيراً من الثورة، وكان في مخيلته أنها عبارة عن تقليد وتأثر لحظي، بثورتي تونس ومصر، لكنه فوجئ بأن زخمها في ازدياد!
اُزيح “صالح” جانباً عن الحكم ضمن مبادرة خليجية اقترحتها الرياض، لكنه بقي يحرك أقطاب الدولة العميقة ويعرقل عمل الحكومات التي تلت الثورة الشبابية، وصولاً إلى التحالف مع الحوثيين الذين أسقطوا العاصمة صنعاء أواخر سبتمبر/ أيلول من العام 2014م.
ويحاول تحالف (الحوثي-صالح) منذ ذلك الحين وأد الثورة والتنكيل بشبابها ورموزها من السياسيين، فيما يرى البعض أن المقاومة المسلحة التي انطلقت في عديد مناطق يمنية ما هي إلا امتداد لصورة فبراير التي وجدت نفسها مرغمةً على حمل السلاح رغم رفعها شعار “السلمية”.
الذكرى الـ5 للثورة
تحل، اليوم الخميس، الذكرى الخامسة لثورة 11 فبراير، وقوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية على تخوم محافظة صنعاء، المدينة التي تم إسقاطها في سبتمبر/ أيلول 2014 ضمن خطة الانقلاب التي دبرتها رموز الثورة المضادة، جماعة الحوثي وحليفها الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ضد مبادئ الثورة ومخرجات الحوار الوطني، وضد فكرة الجمهورية من الأساس.
استطاع “صالح” جر البلاد، ومعها ثوار 11 فبراير إلى مربع العنف الذي لطالما هدد البلاد به، من خلال عبارات “الصوملة” و”العرقنة” في إشارة إلى ما يدور في الصومال والعراق من حروب أهلية.
اشتعلت نار الحرب في كل المناطق التي وصلت إليها جحافل “الحوثي” و”صالح”، وعلى إثر ذلك تشكلت قوات مسلحة تسمى “المقاومة الشعبية” كرد طبيعي لمحاولة استفزاز الحوثيين لمناطق القبائل والسيطرة عليها بقوة الحديد والنار.
راح الحوثيون يناورون على حدود السعودية، ويطلقون تهديداتهم للجيران في نشوة النصر الذي يحققونه من خلال السيطرة على بعض المدن وتسليم المعسكرات والعتاد لهم من قِبل “صالح”، لكن السحر انقلب على الساحر، وتحرك الإقليم بثقله لمحاربتهم.
“عاصفة الحزم” ضد “الحوثي” و”صالح”
في الـ 26 من مارس/ آذار من العام الماضي، أعلنت المملكة العربية السعودية بدء عملياتها العسكرية في اليمن ضد قوات الحوثي وصالح، ضمن تحالف عربي تقول الرياض إنه جاء بطلب من الرئيس اليمني المنتخب “عبدربه منصور هادي” من أجل استعادة الدولة وتثبيت الشرعية، تحت مسمى “عاصفة الحزم”.
واستطاع التحالف العربي أن يسند قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، وشكلوا جميعاً معسكراً واحداً استطاع تحرير العديد من المدن التي كان الحوثيون سيطروا عليها، وصولاً إلى تخوم العاصمة صنعاء التي ما تزال تخضع لهيمنة الحوثيين ووحدات عسكرية موالية للرئيس السابق.
الثورة مستمرة
تقول “توكل كرمان”، الناشطة في الثورة الشبابية، والحائزة على جائزة نوبل للسلام، إن “ثورة 11 فبراير قطعت خطواتها نحو الهدف المنشود، وهو الجمهورية المدنية، أو ما بات يعرف بـ”الجمهورية الثانية”، وأصبح ذلك الشعار الخالد “الدولة المدنية”، وثيقة نظرية ورؤية واضحة في مؤتمر الحوار الوطني”.
وتضيف “كرمان” في حديث لـ”يمن مونيتور”، “بعد كتابة مسودة مشروع الدستور الاتحادي للدولة المدنية، تم اختطافه من قبل المليشيا، والآن الشعب اليمني يكافح لكي يستعيد دولته المخطوفة”.
وتعتقد أن “الدولة التي سيتم بناءها، بعد إسقاط الانقلاب الفاشي هي الدولة المدنية الاتحادية، كهدف لثورة 11 فبراير، ونحن نخطو في الاتجاه الصحيح، وإن كان ذلك ببطء، لكننا نتحرك نحو المستقبل، ولن نتوقف؛ فكل ثورة في العالم حققت أهدافها عبر مراحل، وثورتنا مستمرة”.
حتمية الثورة
من جهته يرى “ياسر الرعيني”، وزير الدولة لشؤون تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، والقيادي البارز في الثورة الشبابية “11 فبراير”، أن “لثورة الشبابية الشعبية السلمية الـ 11 من فبراير 2011م تاريخ وطني خالد يضاف إلى الرصيد الوطني على امتداد تاريخ الحركة الوطنية التي أثمرت جهودها بانتصار الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر، واستكمال مسار النضال بثورة فبراير التي أعادت للنضال الوطني شموخه وتميزت بأدواتها السلمية والمدنية يقودها جيل واعي بطموحه، ورائد بأهدافه وشاركت فيها كل فئات المجتمع وفعالياته السياسية الوطنية”.
ويضيف في تصريح لـ”يمن مونيتور”، أن “الذكرى الخامسة تكاد الصورة تكون قد اكتملت لدى كل أفراد المجتمع حتى ممن كان يعارض الثورة .. بحتمية وضرورة الثورة وأهميتها لإنقاذ الوطن من الانهيار والدمار وتكريس مشاريع التخلف والاستبداد والاستئثار بالثروة والسلطة وزرع بؤر الصراع التي ينشغل الشعب فيها عن البحث في تنمية حاضره ومستقبله”.
ويعتقد “الرعيني” أن “ما يجري الآن صورة حية لامتداد سياسات النظام الفاسد المستبد الذي خرجت عليه الثورة وطالبت برحيله، وبناء اليمن الجديد على أسس ومبادئ الشراكة والعدالة والمساواة والحكم الرشيد”.
وتابع، “تثبت الذكرى الخامسة وهي تشهد هذا النضال الوطني للشباب في مختلف أرجاء الوطن لاستعادة دولتهم المسلوبة واستكمال مشروع التغيير، قدرتهم على استكمال مسيرة النضال الوطني، وتحقيق المستقبل المنشود وصون الوطن من مشاريع الفرقة والشتات ونوازع الطائفية والمذهبية والرجعية المقيتة، لافتاً إلى أن “الحضور الأبرز في ذكرى ثورة فبراير العظيمة لشهدائها الأبطال وجرحاها الميامين ومعتقليها الصامدين.. والتي تمثل تضحياتهم الوقود الحقيقي لاستمرار مسيرة الثورة حتى تحقيق كامل أهدافها”.
“فبراير” لم تمت
يقول الكاتب والناشط السياسي “كمال حيدرة”، “إنه وبعد مرور خمس سنوات منذ انطلاق الثورة، وعلى الرغم مما يبدو أنه هزيمة نهائية لثورة فبراير، في ظل ما يجري الآن، إلا أن الحقيقة أن ثورة فبراير لم تمت، ولم يفت أوان استعادتها أيضاً”.
يضيف “حيدرة”، لـ”يمن مونيتور”، “حاولت الثورة في 2011 الهروب من هذا المآل، الذي كان يسوقنا إليه الرئيس السابق صالح لحظتها، أعني الحرب، وقدمت الثورة تنازلات كبيرة في سبيل تفويت الفرصة عليه، ولكننا وجدنا الحفرة التي كان يصنعها صالح، طوال فترة حكمه، وما من خيار آخر غير هذا”.
الثورة تنتصر بالمقاومة
ويرى حيدرة أن “المقاومة الشعبية ضد مشروع صالح والحوثي، هي المرحلة التالية للثورة، لأنها هي من تضع الأسس الحقيقية للدولة اليمنية، التي نادت بها الثورة السلمية، وانتصار المقاومة الآن سيكون هو النصر الحقيقي لثورة فبراير”.
من جهته قال عضو الهيئة التنسيقية لمجلس شباب الثورة “محمد المقبلي”، إن “الشباب كان يدرك مبكراً أن التحول ليس بالأمر السهل، وأن الإعاقات أمام التحول الديمقراطي الآمن كمدخل للتقدم والتحديث، سيواجه منعطفات عديدة، في مقدمتها ما يحصل اليوم”.
يتابع “المقبلي”، “مادام أن طموحاتنا معقولة، متمثلة بالحرية والتنمية، فهي طموحات طبيعية حدودها لا تحد، والطموح الذي يهدف إلى بناء دولة المواطنة بنظامها الجمهوري، هو طموح كل الشعب بلا استثناء”. حد قوله
26″ سبتمبر” الثانية
كثيرون يعدّون ثورة 11 فبراير امتداد طبيعي للثورة الأم في 26 سبتمبر 1962م التي قضت على حكم الأئمة في اليمن وأعلنت ميلاد النظام الجمهوري، فكلاهما انتصار للشعب، ووقوف في وجه قوى التسلط والتخلف.
تتذكر الناشطة في ثورة فبراير “نادية عبدالله” العديد من اللحظات التي وثقتها عدسة كاميرتها، وتتحدث بألم “مررت كثيراً على ألبومات صور شباب فبراير، منهم من استشهد، ومنهم من أصيب، وآخرون يعيشون الآن في المنفى، ربما أن هذا قدر الثوار والثورات، لكن ستنجلي الغمّة قريباً”.
وأضافت في حديث مع “يمن مونيتور”، “ثورة 11 فبراير تمثل لنا كشباب ثورة 26 سبتمبر الثانية، وتمثل الجمهورية التي أرداها أجدادنا وقدموا أرواحهم من أجلها، وثورة فبراير هي ثورة لاستكمال أهداف ثورة 26 سبتمبر و14 أكتوبر، التي لم تتحقق إلى الآن”.
وأشارت إلى أن “ثورة فبراير جاءت من أجل بناء دولة عادلة، وتحقيق العدالة والحرية للجميع، وبناء دولة بلا فساد إداري ومالي وسياسي، وذات مؤسسات حقيقة، جاءت كذلك بمشروع وطني لجميع اليمنيين، ولم تحمل أي مشروع طائفي أو مناطقي أو عائلي أو حزبي، لذلك ستظل ثورتنا مستمرة حتى بناء الدولة المدنية، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة والحرية، لجميع أبناء اليمن”.
وتابعت “عبدالله”، “ولكن من يشعرنا بالحزن والأسف، أن الشعب اليمني اختار طريق غير الطريق السلمي، والذي دفعه لذلك المليشيات المسلحة العنصرية الطائفية الإمامية، والذي جعل اليمنيون يصلون إلى قناعة كاملة أننا نحن في 26 سبتمبر الثانية وخرج الشباب وكبار السن، وجميع أطياف الشعب اليمني من أجل الجمهورية، بعد أن شعر الجميع أن الجمهورية قد سقطت بسقوط عمران وصنعاء بيد المليشيات”.
وتختم بالقول، “إن أهم ما يجب أن يستمر فيه اليمنيون، هو النضال من أجل عودة الدولة والشرعية وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل، باعتبارها الترجمة الحقيقية لأهداف ثورة فبراير، ومن ثم بناء الدولة المدنية القائمة على أساس مبدأ المواطنة المتساوية، والحكم الرشيد”.