الروائي الحائز على جائزة نوبل عبدالرزاق جورنا: “أشعر بسعادة لأنني أنتمي لليمن”
يمن مونيتور/ قسم الأخبار
قال الروائي عبدالرزاق جورنا، الحائز على جائزة نوبل هذا العام للآداب، إنه يشعر بالسعادة بتعدد انتمائه التي بدأت من اليمن مروراً بزنجبار ثم بريطانيا، معتبراً ذلك بمثابة تقدير منهم لإنسان عمل قدر الإمكان وأسهم لكي يجعل حياتهم أفضل مما هي عليه عبر أعماله.
وجاءت تصريحات الروائي التنزاني ذو الأصول اليمنية، عبدالرزاق جورنا في حوار مع صحيفة “الخليج الاتحادية الإماراتية”، على هامش حضوره معرض الشارقة الدولي للكتاب.
ورداَ على الروايات التي تعددت حول نسبه وجذوره العربية، وكيف عالج قضية الهوية وما يتعلق بها في نصوصه الروائية المتعددة، أجاب جورنا بالقول: الحقيقة أنه ليس لدي شيء أخفيه في ذلك الخصوص، أنا أعرف ما أثير من أحاديث عن أسلافي، وبالفعل كان أبي يمنياً، غير أنه عاش حياته كلها، تقريباً، في زنجبار، هذا بالنسبة إلى الوالد، أما في ما يتعلق بي فقد ولدتُ ونشأتُ في زنجبار، وفكرت في نفسي وهويتي باعتباري إنساناً انتمي إلى ذلك البلد، يتحدث اللغة السواحيلية، ثم بعد ذلك أقمت ما يقارب الخمسين عاماً الأخيرة من حياتي في المملكة المتحدة، فكل تلك الأشياء عن سيرتي ونسبي صحيحة، وأؤكد هنا أنه ليس هناك أي مشكلة لدي في أن يحتفي أهل اليمن بي، وكذلك سأغدو سعيداً أن يرى أفراد من الناس في جنوب إفريقيا أو السودان، مثلاً، أو زنجبار، أن هناك أشياء مشتركة فيما بيني وبينهم، فذلك الأمر هو بالطبع مصدر سعادة بالنسبة إلي، واعتبره من حظي الحسن، وكما أن هناك بشراً يحتفون بي فأنا بدوري سأحتفي بهم وأقدّرهم.
وعن توقعه حول نيل جائزة نوبل للآداب قال جورنا: الحقيقة، لم أتوقع حدوث ذلك، ولم يكن لدي فكرة على الإطلاق، ففي كل عام، عندما يحل موعد إعلان الفائز بجائزة نوبل للآداب تشرع الصحف، ليس في المملكة المتحدة فحسب، وإنما ربما في كل أرجاء هذا العالم العريض، في مسألة التكهنات، وتوقع فوز هذا أو ذاك، وتسمية عدد من النجوم في مجال الأدب، من أمثال «هاروكي موراكامي»، وغيره، وبالطبع لم ينطق أحد، قط، باسمي، من قبل، وبذلك المعنى لم تكن لديَّ أدنى فكرة عن ذلك الأمر كله، لذلك عندما تلقيت المكالمة الهاتفية التي أخبرتني بفوزي بجائزة نوبل للآداب اعتقدت أن ذلك كان مُجرد مزحة لعب بها عليَ شخص ما، أو آخر، إلى حد أنني قلت للشخص الذي أخبرني في الهاتف: «وماذا سيحدث الآن؟»، وبالطبع كان ذاك النبأ ساراً، بيد أنه كان مفاجئاً وصادماً بالنسبة إلي، إلى حد ما، غير أنه أضحى في الحال واقعاً؛ إذ شرع معنيون أجانب في الاتصال بي، وغدا زملائي من الصحفيين يسألونني، ويدخلون ويخرجون منزلي في حركة دائبة، في ما أضحت كاميراتهم الصحفية منصوبة خارج سور البيت، عندها فقط تأكدت أن الخبر صحيحاً وحقيقياً، وأنني فزت بالفعل بجائزة نوبل، ذلك ما قلته لنفسي حينها، ولكن وكما ذكرت من قبل، من الأشياء التي أسعدتني على نحو شخصي، أنني قد رأيت الفرح في وجه أشخاص كثيرين بمناسبة فوزي بالجائزة، وكان ذلك بمثابة تقدير منهم لإنسان عمل قدر الإمكان وأسهم لكي يجعل حياتهم أفضل مما هي عليه عبر أعماله.
وحول سؤال الصحيفة عن الرواية الأولى والتي كادت تكون ناظماً لمعظم أعمالها الأخرى، أجاب جورنا بالقول: نعم، ذلك صحيح، فأنا أرى أنني من ذلك النوع من الناس الذين تشكل مختلف ضروب الذكريات والأخيلة والتصورات، لا سيما الماضية، المنطقة النائية التي يغترفون منها تجاربهم في الكتابة، فتلك الحيوات تشكل وجودي، لذلك أنا أفكر في «الهُنا»، وأعني بذلك حيث أقيم الآن في بريطانيا، وكذلك أفكر في الهناك، حيث موطن الأجداد والأسلاف، فأنا أقيم فيهما معاً، في الوقت نفسه، في الهنا والهناك، وكل ذلك حاضر فيّ، وليس عليَّ أن أستحضره يوماً إثر يوم، لذلك نعم، الذاكرة لها أهميتها، ولكن ربما ما جعل أمر الكتابة ممكناً كذلك، هو الشعور بالحرية، بأني قد أصبحت متحرراً من كثير من الأشياء، وبذلك فإن الذاكرة تصبح مصدراً وموضوعاً، ثم تتطور القصص لتستقل بذاتها وحياتها الخاصة، وتمتلك منطقها، فما يفعله المرء هو أنه يعيد بناء نفسه في ضوء تلك الأشياء التي يتذكرها، وهو لا يستعيدها بشكل كامل ونموذجي لأن بعض الذكريات تصبح بعيدة بحيث إنها تخلق فجوات لابد من ترميمها وصياغتها.
ونفي الروائي جورنا ما ورد في إحدى المقابلات على لسانه بأنه لا يقر بوجود أدب إفريقي وآخر غربي، قائلاً: لا أنا لم أقل ذلك على الإطلاق، وفي الواقع أنا كنت محاضراً بجامعة «كينت»، في بريطانيا على مدى الخمس وثلاثين عاماً الماضية أدرّس على وجه التعيين والتحديد، ذلك الفرق الذي تحدثت عنه بين الأدبين المعنيين، بل على العكس تماماً، وكما قلت أنت، أنا أؤمن بوجود ذاك الفرق وأعتقد أن شخصاً ما، أو آخر، قد أساء فهمي.
حول سرد الأثر الإفريقي أو الصوت الأفريقي في رواياته، قال جورنا “الحقيقة انني أشعر بالامتنان إن كنت قد أفلحت في تجسيد ذلك الصوت، عياناً بياناً، هذا أمر مهم بالنسبة إلي، والأمر هنا رهين بإمكانية الإنسان، أو محاولته البوح بحقيقة ما هو يعرفه ويختبره شخصياً، من التوصيل والإقناع والاستمالة وقوة الأثر في ما يبتدعه ويكتبه، إذا تمكن من تلك الأشياء، فلابد أنه سيكون ناجحاً جداً في تمثل فكرة معينة والتعبير عنها، وفي الواقع أنا مهتم جداً بالفكرة، أية فكرة، وقوتها ومتابعتها والتعبير عنها.