مأرب.. المدينة التاريخية تعود إلى الواجهة
أعادت الأحداث التي شهدتها اليمن منذ ثورة الشباب (11 فبراير/ شباط 2011)، محافظة “مأرب”، شرقي البلاد، المدينة ذات الحضارة الضاربة في أعماق التاريخ، مجدداً إلى الواجهة، لتؤدي دوراً محورياً في تلك الأحداث. يمن مونيتور/ خاص/ من وئام عبدالملك
أعادت الأحداث التي شهدتها اليمن منذ ثورة الشباب (11 فبراير/ شباط 2011)، محافظة “مأرب”، شرقي البلاد، المدينة ذات الحضارة الضاربة في أعماق التاريخ، مجدداً إلى الواجهة، لتؤدي دوراً محورياً في تلك الأحداث.
فالمحافظة التي لطالما وصمها إعلام النظام السابق بأنها مركز الشرور ومصنع التخريب، سجلت انتصارات كبيرة، في المعارك التي دارت فيها بين المقاومة الشعبية ومسلحي الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق “علي عبدالله صالح”.
“مأرب” التي عانى أبناؤها من التهميش طوال عقود مضت، عادت، وبقوة، لتهشّم القالب الذي اُريد لها أن تبقى فيه، أو هكذا أراد ناهبو الثروات ومصاصي الدماء في دولة المركز.
الثروة
تعد مأرب واحدة من أغنى المدن اليمنية، إذ تم اكتشاف النفط في مأرب عام 1986م، وفي مجمع الحقول المتعددة في حوض مأرب “صافر”، وبلغ الإنتاج اليومي ما يقرب من (220 ألف برميل).
كما تمتلك مأرب مخزوناً كبيراً من الغاز الطبيعي المسال في منطقة “صافر”، إذ تبلغ كمية احتياطي الغاز في مأرب (9.15 ترليون قدم مكعب)، يخصص منها ترليون قدم مكعب لتلبية احتياجات السوق المحلية، فيما يوجد احتياطي محتمل آخر يقدر بنحو ( 0.7 ترليوم قدم مكعب) من الغاز الطبيعي المسال.
وتشير وثائق الشركة اليمنية للغازالطبيعي المسال إلى أن كمية إحتياطي الغاز المؤكدة علمياً في مأرب تبلغ (9.15) تريليون قدم مكعب ، يخصص منها حوالي 1تريليون قدم مكعب لتلبية أحتياجات السوق المحلية ، كما يوجد أحتياطي محتمل اخر يقدر بنحو (0.7) تريليون قدم مكعب من الغازالطبيعي المسال متلك محافظة مأرب مخزون هائل من الغاز الطبيعي المسال في منطقة صافر،وتشير وثائق الشركة اليمنية للغازالطبيعي المسال إلى أن كمية إحتياطي الغاز المؤكدة علمياً في مأرب تبلغ (9.15) تريليون قدم مكعب، يخصص منها حوالي 1 تريليون قدم مكعب لتلبية أحتياجات السوق المحلية ، كما يوجد أحتياطي محتمل اخر يقدر بنحو (0.7) تريليون قدم مكعب من الغازالطبيعي المسال.
وفي عام 2009م وتم افتتاح أكبر محطة غازية للكهرباء، محطة مأرب الغازية، وهي أضخم مشروع للكهرباء في اليمن، ويغذي العديد من المدن، بما في ذلك العاصمة صنعاء.
ساهمت مأرب بدعم الاقتصاد الوطني، الذي يساهم النفط بـ 70 بالمائة من إجمالي إيرادات الدولة، إلا أن كل تلك الثروة، لا تعني الكثير لمأرب، فهي ما زالت مدينة تفتقر للكثير من مقومات الحياة المدنية.
وعن أسباب تهميش وحرمان مدينة غنية كمأرب من حقوقها قال الصحافي والناشط السياسي محمد عبيد لـ”يمن مونيتور”، “إن نظام علي عبدالله صالح عمل بسياسة النعامة التي تدفن رأسها بالرمال، أي إتباع سياسة تجهيل أبناء مأرب النفطية، حتى لا يخرج جيل واعٍ وأكاديمي يطالب بحقوقه المشروعة التنموية في مختلف المجالات”.
واستغرب “عبيد” أن تبقى محافظة تنتج النفط والغاز والطاقة الكهربائية، دون جامعة حكومية حتى الآن.
وتابع، “كان صالح يتحجج دوماً بأن أهالي مأرب متخلفون وهواة سلاح فقط، ويعيقون التنمية، بينما الحقيقة غير ذلك، فالفساد كان مستشرٍ في نظام حال دون إقامة أي مشاريع حقيقة، تعود بالنفع على مأرب وسكانها، فهمش أولئك، لتعيش حيتان الفساد في نظامه، باستغلالهم لثروات تلك المدينة النفطية والغازية، لصالحهم فقط، ودون محاسبة”، واستدرك عبيد بالقول، “على الرغم من الإقصاء المتعمد لهم، إلا أن مأرب أنجبت رموزا لكل اليمن وفي مختلِف المجالات”.
وفي مأرب يوجد سد مأرب العظيم، ومعبد” بلقيس” التاريخي، والذي يعد قبلة للسائحين طوال الفترة الماضية، على الرغم من الإهمال الكبير الذي تعرض له، إلا أن ذلك المعبد بقي صامدا فوق الأرض، كما صمد تحت رمال صحراء مأرب قبل اكتشافه.
يقول عبيد، “الأنظمة العربية الفاسدة، والتي كان نظام صالح إحداها، لم تهتم مطلقا بالتاريخ ولا بتاريخ الشعوب، إلا عند انطلاق الكرنفالات الرسمية، وأعياد الثورة والجمهورية والاستقلال، حتى اندثرت الكثير من الآثار، وتعرضت معظمها وتحديدا القطع النادرة والمخطوطات القديمة للتهريب وبيعها في متاحف أوروبا، ولم يكن الأمر مجرد سرقة لها، فالسرقة تكون سرا، لكن التهريب يكون بعلم تلك الأنظمة وقياداتها الأمنية والسياسية الفاسدة، إن لم هي من تهرب تلك الآثار ولحساباتها الشخصية”.
علاقة نظام “صالح” بالتخريب
ازدهر التخريب المتعمد لأنابيب النفط ومحطة مأرب الغازية منذ ثورة فبراير/ شباط 2011م، والتي أطاحت بنظام علي عبدالله صالح، وكان المتهم الأول والأخير فيها هو نظام صالح، الذي حشد كل قواه منذ الإطاحة به، للثأر من كل اليمن، وحرص على إفشال جهود الحكومات التي ظهرت بعد ثورة فبراير/ شباط، فتعرضت أنابيب النفط، وخطوط نقل الطاقة لمئات الأعمال التخريبية الممنهجة، إذ تعرض أنبوب صافر خلال عام 2013 لـ 36 هجوما، مقابل خمس هجمات فقط تعرض لها الأنبوب، خلال 17 سنة بين عامي 1992 و2009م، هذه الأرقام تؤكد وقوف نظام صالح وراء كل عمليات التخريب تلك، على الرغم من محاولاته المستميتة لإلصاق تهم التخريب، بأبناء مأرب، الذين يرفضون تلك الأعمال، ويستنكرون الضخ الإعلامي الكبير من قبل وسائل الإعلام التابعة لصالح، لرسائل تلصق تهمة التخريب بهم.
وبلغت خسائر الخزينة العامة للدولة نتيجة الاعتداءات المتكررة على خطوط نقل النفط والغاز وشبكات الكهرباء منذ العام ٢٠١٢م وحتى ٢٠١٤م، ما يقارب ترليون وأربعمائة واثنان وثمانون مليار ريال، بنسبة ٩٤٪ من إجمالي العجز الصافي لتلك السنوات، كما أن الخسائر اليومية- آنذاك- لتوقف ضخ النفط بسبب التخريب، تقدر بمائة برميل، بما يعادل 310 مليون دولار تخسرها اليمن شهريا، وتراجعت عائدات اليمن من النفط الخام، وفق بيانات حكومية، نحو 661 مليون دولار في الأشهر التسعة الأولى من عام 2014م.
الباحث “فهد سلطان”، عضو المنتدى السياسي للتنمية الديمقراطية في حديثه مع “يمن مونيتور” أشار إلى أن “أن تلك الأعمال التخريبية التي بدأت بشكل كبير منذ عام 2011م، كشفت عن الجهة التي تقف وراء عمليات التخريب المختلفة تلك، وتأكد للجميع أن نظام صالح وجماعة الحوثيين هي من تقف خلف منع وصول الكهرباء، عبر تداخل عدد من الأهداف المشتركة لكلا الطرفين”.
ولم يستبعد “سلطان” وجود تواطؤ من قبل بعض مشايخ القبائل، وعلى الأقل من قبل القبائل التي كانت محسوبة على النظام السابق في مدينة مأرب وما حولها”، مضيفاً “مأرب اليوم تعيد الأمور إلى مسارها الطبيعي، وهذا يتطلب من أبناء مأرب أن يستفيدوا من الأخطاء السابقة، وأن يتصدروا المشهد اليوم، ويقدموا مأرب بصورة أكثر حضارية مما قدمهم به النظام السابق، وهذا مرتبط بحجم الوعي الذي لدى القبيلة، بأهمية المستقبل وأهمية الدور الذي يفترض من مأرب أن تلعبه خلال الفترة القادمة”.
القبيلة ودورها منذ 2011
في مدينة مأرب ذات التكوين القبلي، والتي يبلغ سكانها نحو 280 ألفاً، ومن أكبر قبائلها (عبيدة، مراد، الجدعان، بني جبر/ جهم)، سعى نظام صالح لتقويض القبيلة فيها، ولم يدمجها مع الدولة، كما استغل المجالس المحلية لتفتيت القبلية وإضعافها، من خلال إبراز زعامات جديدة لا علاقة لها بمنصب” المشيخ” المتعارف عليه قبليا، فخلق هذا نوعاً من القطيعة بين مكونات القبيلة، التي تناصر الزعامات الأصلية والتي تقف إلى جانب مشايخ نظام صالح.
يقول “عبدالباقي شمسان”، استاذ علم الاجتماع السياسي، “إن هناك حساسية عالية عند مقاربة دور القبيلة منذ الاحتجاجات المجتمعية ٢٠١١م وما بعدها، بمعزل عن فضائها المجتمعي وعلاقتها بالدولة، وتعود تلك الحساسية إلى إدارة العلاقة معها من قبل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي اتبع معها سياسة فرق تسد، وكذا تعميم وترسيخ في الذاكرة الفردية والجماعية، بأن القبيلة تماثل قطع الطرق، وخطف الأجانب، وتفجير خطوط الكهرباء”.
ويضيف “شمسان” في حديثه لـ”يمن مونيتور”، “أقام صالح علاقات تحالف مع رموز القبائل على حدة، بحيث جعلها عبارة عن جزر مقطعة الأصول، وفي نفس الوقت عمم أحكامها من حوادث السير حتى الفصل في المسائل السيادية، ورفع مستويات تمثيل القبيلة في كل اليمن في مؤسسات الدولة والسلطة التشريعية، حيث نلاحظ أنها كانت ممثلة في أول برلمان بعد الوحدة بحوالي ٢٧٪ من الأعضاء، وارتفعت تدريجيا في آخر برلمان إلى ٤٧ ٪ تقريبا، ليس بهدف تعزيز مكانتها، وإنما بهدف إضعاف قوى التحديث والأحزاب السياسية وتقوية القبيلة كوحدات متجزئة، بينها ثارات، يتم تأجيجها، مما يسهل إخضاعها، وربط خيوط اللعبة بيد صالح، وفي نفس الوقت إخماد نفس قوى التحديث”.
وكان بالأحرى حسب شمسان، أن “يتم إتباع آلية العقلانية التواصلية، بحيث يتم الاستمرار مع ما هو إيجابي من القبيلة، والقطع مع كل ما هو سلبي، بحيث تصبح طرفا أساسيا وفاعلا في إطار سيادة القانون، تآكل تدريجيا حضورها المستقل عن الدولة بفعل عمليات التحديث السياسي، القائمة على توسيع المشاركة وترسيخ دولة المواطنة وإعلاء سيادة القانون”.
فسياسة فرِّق تسد، قادت إلى إيجاد تفاوت في التعامل بين القبائل، من حيث المنافع وتوزيع المناصب، وكذا إذكاء الاحتراب والثأر، الأمر الذي أدى إلى تضرر جزء كبير منها، فانضمت إلى الاحتجاجات المجتمعية، ولعبت دورا كبيرا في حماية الثورة السليمة، وكذا استعادة الشرعية، نظرا لعامل الضبط المجتمعي، حيث مازالت القبيلة في تنظيم هرمي متماسك، وحرفيتها القتالية عالية. حسب شمسان
وختم بالقول، “تلك السياسات قوضت الدولة الوطنية، التي كان يتوجب فيها تقوية المركز على حساب الأطراف، وتقوية قوى التحديث على حساب القوى التقليدية، وعلى القطع مع السلوكيات القبيلة السلبية، لصالح السلوكيات الإيجابية، مع استيعاب تدريجي للقبيلة بتذويبها تحت مفهوم المواطنة، وسيادة القانون، بحيث تتوصل بذاتها إلى رفض حمل السلاح، عندما تشعر انه مجرد قطعة حديد، فاقدة الحاجة”.
المأربيون هم الضمانة
يرى الباحث والناشط السياسي نبيل البكيري أن “مأرب عمق اليمن التاريخي والحضاري، ولهذا كان نظام صالح والهضبة، يدركون هذه المكانة ويخشونها، وبالتالي سعوا إلى تهميش مأرب، وخلق صورة نمطية لها لدى بقية أبناءالشعب اليمني”.
وأضاف “البكيري” لـ”يمن مونيتور”، “اليوم ها هي مأرب تعود للواجهة قوية وكبيرة، تحمل مشروع اليمنيين جميعا، وتتصدى لأقذر عصابة في تاريخ اليمن، والمأربيون في المقدمة يمثلون ضمانة حقيقية ليذهب الجميع نحو الدولة والنظام والقانون، وللتاريخ لم أجد من بين كل قبائل اليمن أكثر قابلية للمدنية كقبائل مأرب”.