في هذه اللحظات الكونية تتجمع مشكلات جمة في الغرب والشرق، لكن العالم العربي بالتحديد، هو الإقليم الذي مازال عالقا في مرحلة تاريخية تبدو بكل المقاييس متأخرة عن العوالم التي تحيط به. مازال العرب غارقين في النظام السلطوي، والأصح الخالي من التوازنات والضمانات، والمدمن على الهزيمة التي ابتعد عنها العالم منذ الحرب الباردة.
في هذه اللحظات الكونية تتجمع مشكلات جمة في الغرب والشرق، لكن العالم العربي بالتحديد، هو الإقليم الذي مازال عالقا في مرحلة تاريخية تبدو بكل المقاييس متأخرة عن العوالم التي تحيط به. مازال العرب غارقين في النظام السلطوي، والأصح الخالي من التوازنات والضمانات، والمدمن على الهزيمة التي ابتعد عنها العالم منذ الحرب الباردة.
في الغرب والشرق تحديات، منها البيئة وتراجع الطبقات الوسطى، وأزمات اقتصادية، بالإضافة إلى ضعف في الحقوق وفقر وجريمة وفساد. لكن الشرق يتعامل مع تحدياته بوسائل تتميز بالهوس بالمركزية والفردية، والتي تنتج بدورها سوء الإدارة، وضعف التخطيط، وفقدان الخيال، وتردي الابتكار، وتعمق الفساد، واضطهاد الحقوق. في الغرب يتم التعامل مع المشكلة عبر اللامركزية واحترام كل الشراكات والقواعد الاجتماعية.
في الشرق العربي مركزية النظام هي كل شيء، فهي أهم من الإنسان والفرد والحقوق والمواطن والدولة، أما في الغرب فالإنسان أكثر أهمية من النظام كله والدولة عليها كل القيود التي استطاع القانون العقلاني أن يطورها لتبقى قادرة على القيام بدور فعال. في عالمنا تعمل الدولة أجيرا لصالح فئة وجماعة وأفراد. وفي الغرب النظام كما والدولة تحولتا لأجير لدى شعب يؤمن بمكانتيهما.
لقد نتج عن الفساد والمركزية في الدول العربية أزمة البطالة بين الشباب، والتي بدورها تتفاقم من جراء ضعف الاستثمارات القادمة للإقليم وحجم الاستثمارات الهاربة ودرجة الفساد. من خلال البطالة تتكون عين العاصفة القادمة على يد الجيل الشاب والذي تصل حالة البطالة في صفوفه (غير المعلنة) في العديد من الدول العربية إلى أكثر من 35% على أدنى تقدير. بنفس الوقت تتعامل الأنظمة وكأن المشكلة قابلة للحل من خلال اعتقال كاتب مقال ورسام كاريكاتور واختفاء معارض سلمي، أو مقتل مجموعة مسلحة وممارسة تعذيب يفوق الخيال، أو حتى شن حرب جديدة تمتد لعقود ضد الإرهاب.
نتساءل مع المتسائلين: هل سجن مفكر أو محاكمة مغرد وإعدام شاعر وأستاذ جامعي وخلق حالة خوف من التعبير هو الحل لأزمة الواقع العربي الهرمي/ المركزي الذي يتراجع بفضل عوامل ضعف وتفكك ذاتية؟ أم أن ذلك الأسلوب إمعان في مدرسة أثبتت فشلها في الغرب أولا ثم في العالم كله؟ إن الوضع العربي سائر بنفسه وبالإقليم نحو واد سحيق. والسبب في ذلك أنه حتى اللحظة يتفادى التفكير في خيارات التوازن والإصلاح والشراكة واللامركزية.
تبدو منطقتنا خارج الكوكب في بعض تعبيراتها، فهي ترسل للغرب ملايين اللاجئين غير آبهة بالنتائج عليها، بل تبدو في بعض الأحيان وكأنها من القرون الوسطى، وذلك نسبة لحجم سفك الدماء التي تعم ربوعها وحالة مصادرة الحقوق التي تمارسها. اليوم في مصر تثار قضية سد النهضة. لكن كم من مفكر مصري وأحيانا في مواقع المسؤولية كبطرس غالي (انظر مقال بلال فضل منذ أيام: كيف وصلنا لسد النهضة؟) نبه بعمق للمشكلة في ثمانينيات القرن العشرين، فقاومه النظام وفئة المصالح إلى أن وصلت مصر لما وصلت إليه في مأزق المياه؟ ألا يذكرنا هذا نسبيا بطريقة التعامل مع كل قضية في معظم الدول العربية، بما فيها تنويع المصادر في الدول الغنية؟
منطقتنا تقاوم التغير مع أنه قادم، ففيها أنظمة تقاتل حتى النهاية لكي لا يقع تغير يؤدي لحالة من اللامركزية والتوازن والتمثيل الحقيقي والتنوع، وفيها سجناء نتج سجنهم عن جملة مفيدة في وسيلة تواصل عادية. في الواقع العربي لم تنتف تلك الأوضاع التي أدت لثورات 2011. إن فكرة الإصلاح والتوازن في الواقع العربي لم تخسر، وان كانت خسرت جولة أو أكثر منذ 2011، لهذا فإن الشرق العربي، رغم شدة العنف وطبيعة التدخلات الدولية، يقع أكبر تحول منذ سايكس بيكو 1916 ونهاية الحرب العالمية الأولى.
الوطن القطرية