قتل عبدالملك السنباني رحمة الله عليه , وصارت أمامنا جريمة تضاف لكم هائل من جرائم تجاربنا الفاشلة , قتل بالرصاص الحي , او فجيعة , بالتعذيب او بحادث عرضي , الأهم ان الموت هو المحصلة النهائية , واننا لم نستوعب بعد دروس وعبر ماضينا الأليم .
قتل ليضاف لقائمة الضحايا منذ الاستقلال في جنوب اليمن , والتحرر من الإمامة والكهنوت في شماله , وضحايا الوحدة او الانفصال ,مما يؤكد ان ثقافة الموت لازالت تسيطر على الواقع , ويستمر سلسال الدم .
ثقافة الموت وتغذيتها, في استثمار تخلف مجتمع وحقنه , بمزيد من الخصومة والفجور , بعقلية ترى العنف وسيلة أفضل للحسم , حيث يتسرب العنف ليزيح الوعي جانبا, ويخنق الواقع الثقافي , ويشن هجمته الشرسة على الأفكار , لصالح العصبيات والأمزجة العفنة, مما تتوسع دائرة الرداءة لتصيب العقل الجمعي والنفس, وتحدث شروخ عميقة في تلك النفوس, ليتحول الوطن لقضية موت لا قضية حياة .
تجاربنا اليمة, ويبقى سؤال البحث عن الأثر السلبي والايجابي علينا؟
قوة المجتمعات الإنسانية في قدرتها على تجاوز الصعاب , وقدرتها على تحويل المأساة الى سعادة , والمعاناة تخلق الإبداع , و تقييم تجربتنا يجب ان نسال انفسنا أولا مدى التأثير السلبي المتروك فينا ؟ وكم نسبة السلبية من الإيجابية في الوسط الاجتماعي ؟
هل سنكون صادقين مع أنفسنا , في تقييم واقعنا اليوم , و نعترف بفشلنا في تجاوز ماسينا, و رضخنا للعقبات التي صنعتها تلك الماسي , وصرنا سلبيين لحد خطير جدا على انفسنا قبل غيرنا , وكل ما هو إيجابي مهدد بكل ثقافته ورؤيته ودوره في المجتمع .
في المجتمعات المحترمة الفشل جسر عبورها للمجد, والفشل هو مجموعة تجارب, ان استوعبت جيدا تجاوزنا الفشل, وان لم نستوعبها نغرق في مزيد من الفشل وبالتالي الانحطاط .
نحن لم نحترم بعض, بل فقدنا احترامنا لذواتنا في التمادي والانحطاط , وبالتالي غرقنا في وحل من الفشل والعجز , نعاني من اختناق ثقافي وفكري مهول, يشكل لدينا العقل الجمعي , ويغذي هذا العقل بمزيد من عفن الماضي , يستجر أحقاد وضغائن وثارات بشكل مخيف , ويفرز كراهية وعنصرية مقيته , تهدد حاضرنا مستقبلنا, وتنتج واقعنا اليوم المنتهك والمخذول .
جريمة قتل عبد الملك السنباني كشفت لنا حجم الكارثة التي نحن فيها في الجنوب قبل الشمال , حجم الكراهية المستوطنة في داخله , والتي تصنع فيه تفسخ قيمي واخلاقي واضح .
لم نستوعب الدرس بعد, وبالتالي لن ننهض بعد, ولن نستفيد من فرص متاحة للخروج من أزماتنا , ارتفعت أصواتنا تنادي بالحرية والعدالة والدولة المستقلة, وعندما ثار الشعب بكل فئاته وطوائفه, تخندق البعض خلف الايدلوجيا والطائفية والمناطقية, وقالوا هذا لا يعنينا , وعندما تحاورنا شككوا في الحوار ( والتدخل الخارجي ), وعندما أنتجت مخرجات كانت الأفضل تعبيرا عن تطلعات الأمة وأحلامها ما كان مستحيلا , صار قاب قوسين وادنى من التحقيق, تحركت مخاوف الأقليات من ديمقراطية الأغلبية, وشكوك الفوز في الانتخابات, كلها مخاوف تكشف حجم المأساة و ضحالة الوعي وضعف الإيمان بالقيم والأخلاقيات التي ننادي بها, وتبرز حالة من الانا والانانية , في معركة وعي , فرز فيها الغث من السمين, واكتشفنا حجم المزايدة التي مارسها البعض علينا, وفي المحك تخندق مع الانقلابين على قيم واخلاقيات التحول السياسي والتغيير المنشود, وصار التدخل الخارجي حقيقة وقوة.
القضية قضية وعي, لم يتشكل بعد بجدية, لنستوعب ان الوطن للجميع دون استثناء, وان للنضال قيم وأخلاقيات, ليس شطط وعصبيات, النضال قضية إنسانية سامية ونبيلة وعادلة, ان فقدت عدالتها وسموها ونبلها, تتحول لقضية خاسرة, ومزايدة عقيمة, يقودها مجموعة من العصابات والقتلة واللصوص, يمارسون التقطع والبسط والنهب والاغتيال, ويدعمهم فريق من المرتزقة والنفعيين من الإعلاميين والمثقفين والنشطاء والصحف الصفراء , يروجون للقتل والانتهاك والنهب في وضح النهار دون ان يندى لها جبين, فلا غرابة من تبرير القتل والانتهاك , في كل حالة قتل تبرز أصوات تعيد للأذهان استجرار قائمة من عفن الماضي لتبرير لعفن الحاضر, يتقيأ هولا كل ما فيهم من عفن, وكل انا بما فيه ينضح, فتنكشف نفوس تعفنت, فلم تتطهر بعد ومصابة أصابه بالغه, والله في خلقه شئون.