ياسين البكالي: مشروعي الشعري يبدأ من شهقة مظلوم وينتهي ببسمة طفلة
يمن مونيتور/قسم الاخبار
يحفل الشعر اليمني بالكثير من الأصوات التي تحاول فتح آفاق القصيدة اليمنية على مناحي جديدة مختلفة وتجارب متنوعة شكلا ومضمونا، وقد مثلت مواقع التواصل الاجتماعي نوافذ هامة للمبدعين اليمنيين لتجاوز الشلل الذي أصاب الحركة الثقافية. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الشاعر اليمني ياسين البكالي حول الشعر والأدب في اليمن اليوم.
يصف الشاعر اليمني ياسين البكالي المشهد الثقافي اليمني في ظل الحرب بأنه مشهد لم يستطع أن يكوّن معلَماً بارزا لأن صوت الرصاصة طغى على صوت القصيدة والكلمة.
ويقول في حواره مع “العرب” إنه بالرغم من ذلك ما زال هذا المشهد يكتنز الكثير من المواهب الثقافية التي تحفل بجوانب إبداعية فذة؛ حيث “ما فتئت الكلمة والريشة تنقّبان في طيات الوجود اليمني عن متنفّس يصغي لقيم الوجود التي تأخذ الإنسان اليمني إلى منطقة أكثر أملاّ وتفاؤلاً”.
الشعر معنىً شارد بين الكلمةِ والكلمةِ
المبدعون اليمنيون
عن ظلال الحرب والآثار التي تركتها على المبدع اليمني ونصوصه، يقول البكالي “الحرب ألغت دور الثقافة والمثقفين لأنها لم تمنحهم حتى أدوات وأسباب النهوض بالوعي الثقافي، وكذلك انْعَدم الدعم والرافد الاقتصادي الذي من شأنه أن يرقى بالمثقفين والمبدعين ليحدثوا حراكاً اجتماعيا خلاقا ويستطيعوا تشكيل وعي جمعي من خلال الفنون المتعددة. والحرب بمعناها البشع حاصرت الكثير من الروافد الإبداعية وأخمدت أوار التشظي المعرفي والفني الذي يرقى بالأمم”.
وأصدر البكالي منذ عام 2008 ثماني مجموعات شعرية، هي: “همسات البزوغ” و”أحزان موسمية على الضفة الغربية” و”مناسك غربةٍ لم تكتمل بعد” و”أحدٌ ما يشتكي الآن منكَ” و”رمق آيلٌ للحياة” و”قبل أن يطفئ الماء قنديله” و”مخافة أن….”، كما فاز بعدد من الجوائز الأدبية.
وعن أثرالحرب عليه كشاعر وملامحها في قصائده يقول، لـ”العرب”، “أظن أن الشعر أصبح كينونة مرتبطة بي بشكل أو بآخر ولعل صدور ثماني مجموعات شعرية لي إلى الآن قد شكل بصمة ظاهرة في سياقات النص الذي أحاول أن أكتبه؛ والشعر بمدلوله الشعوري ومعناه الإيحائي لا بد أن يتملّك صاحبه ليعيشه في مبناه ومعناه ويمدّه بحيثيات السمو والرفعة”.
الشعر بمدلوله الشعوري ومعناه الإيحائي لا بد أن يتملّك صاحبه ليعيشه في مبناه ومعناه
وعن جديده الأدبي يتابع “لدي حالياً ثلاث مجموعات شعرية تنتظر الطبع وتحتوي على نصوص تتعلق بالوجود وفلسفة الحياة ومحاولة للخروج من دائرة العتمة التي تحيط بكينوناتنا. إضافة إلى ذلك لديّ رواية أكتبها منذ أربع سنوات وعنوانها ‘وردة النار‘ حاولت فيها أن أستجمع سيرة أو تغريبة الإنسان اليمني والعربي في هذا الواقع الذي تفرضه إملاءات دينية وفكرية ما أنزل الله بها من سلطان. ولدي كتاب سردي حاولت فيه أن أخرج عن سياق النص الشعري، ولكن مع الاحتفاظ بالصور والأخيلة”.
ويعتقد الشاعر البكالي أن مواقع التواصل الاجتماعي مثلت متنفسا للأدباء والكتاب اليمنيين، ويشير إلى أنها “استطاعت أن تعوض المثقف والأديب اليمني والعربي عما عجزت عن تقديمه المؤسسات الحكومية الرسمية التي ظلت اسماً بلا مسمى؛ وقد ساعدت مواقع العالم الافتراضي في ظهور شخصيات إبداعية في شتى الفنون والآداب عرفناها من خلال هذه الشبكة المعلوماتية، وبرزت شخصيات كثيرة في الشعر والرواية والرسم والمقال والسرد من خلال هذه المواقع”.
وعن تجربته الشخصية في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كمتنفس ثقافي وإبداعي يضيف “نلت الكثير من الجوائز وشهادات المشاركات وطبعت ثماني مجموعات شعرية وشاركت في الكثير من الفعاليات العربية واليمنية وحصلت على الكثير من الشهادات. وكانت الشبكة العنكبوتية هي حلقة الوصل بيني وبين هذه الأعمال وأصدقائي والأندية الثقافية؛ نتواصل عبر النت ومعظمهم لم ألتق بهم وجهاً لوجه”.
معنى شارد
حول تجربته الشعرية وكيف يصفها؟ يقول البكالي، لـ”العرب”، “حديثي عن تجربتي الشعرية كشاعر ألفيني لن يُغني أو يضيف لأن المحك الذاتي لا يفضي إلى الموضوعية، ولكن أستطيع أن أقول إني حققت الكثير من تطلعاتي الإبداعية ومازلت أحتاج إلى الكثير أيضا؛ فياسين البكالي في سرداب الشعر معنىً شارد بين الكلمةِ والكلمةِ، وأُمنية تتسكّعُ في طرقاتِ الوَجَع، وغريبٌ يلتحفُ البسمةَ كلما داهمتْ ذِهنَهُ الخيباتُ المتوالية”.
الشعر أصبح كينونة مرتبطة بي بشكل أو بآخر
ويضيف “مشروعي الشعري يبدأ من شهقة مظلوم وينتهي ببسمة طفلة تناوش في المرآة وجه أبيها عبر مسافةٍ حافلةٍ بقيم الإنسان، إن الشعر هو القدرة الوجدانية التي تتقمصها الحروف لتُحيلها إلى عبرةٍ نحِنُّ إلى سماعها، والشاعر هو الكائن الأسطوري القادر على سبر أغوار الدهشة رغم ألمه والمحلق في فضاءات الكلمة رغم صمته، إنه بمعنى بسيط صيرورة الكلمة المندسة بين دقات القلب والابتسامة المتطايرة في طرقات الهوى والجوى، والندى المستلقي على كومة أملٍ لم يبلغ السكينة بعد”.
وبعد مسيرة شعرية مكللة بثمانية دواوين شعرية نسأل البكالي: هل يفكر في اقتحام عالم الكتابة الروائية؟ فيجيب “لدي رواية أعكف على كتابتها منذ سنوات وأريد أن أخرج منها بحصيلة ميثولوجية تتعلق بالإنسان والقيم السليمة التي يسعى إليها غريب ويتيم تنقّل في فصول متعددة للحياة وخاض غمار تجارب قاسية استطاع أن يخرج منها برؤية فلسفية للحياة، تتمثل في البيت التالي: يا وردة النار قلبي المهرُ أوردتي/ خذي التي شئتِ منها وأكملي النفقة”.
ويختتم الشاعر اليمني ياسين البكالي حديثه لـ”العرب” بالقول “أتمنى أن أستيقظ ذات أمل وقد تلاشت زوابع الفوضى التي تحاصر المكان والزمان اليمني والعربي وأن تستطيع وشائج الحياة المتعلقة بقيم الإنسان أن توجد لها كينونة في مضمار الحياة برمتها، وأن يجد المواطن العربي البيئة المعرفية والفنية التي يستطيع فيها تنمية قدراته ومداركه في مناخ تسود فيه الحرية المحضة. وأخيرا، تبقى من الشاعر بسمة عالقة على شفة الضوء وقلم يتوجس خيفة من أصابع تفركه لتباهي به الحياة وطفل فوضوي على يسار صدري يناوش نظرة امرأة طازجة الهوى في شارع الحياة. هذا إذا لم يكن الشعر أهم الأرواح المتشيطنة بذاتها، ولكنها شيطنة تفضي للسماء”.
المصدر: العرب اللندنية