في مثل هذه الأيام، تماماً، من عام 2014م، قالت السلطات الرسمية لأبناء دماج “إننا لا نستطيع حمايتكم، وعليكم الخروج أفضل من مواجهة الحوثيين بسلاح دولة”، هذا الكلام كان على لسان الرئيس هادي، حسب ما تحدث به القائمين على مركز دار الحديث.
في مثل هذه الأيام، تماماً، من عام 2014م، قالت السلطات الرسمية لأبناء دماج “إننا لا نستطيع حمايتكم، وعليكم الخروج أفضل من مواجهة الحوثيين بسلاح دولة”، هذا الكلام كان على لسان الرئيس هادي، حسب ما تحدث به القائمين على مركز دار الحديث.
كان هذا آخر الاعترافات الرسمية بعد أن أعلن الشيخ الحجوري تفويض الرئيس هادي بأن يتخذ القرار النهائي لفك الحصار الذي دام أكثر من 100 يوم، بعدها قال الحجوري “ما دام ولم تستطع الدولة حمياتنا فعلينا الرحيل، وقال كلمته الشهيرة، المتداولة، “إن دماج كناقة صالح، فإذا تم عقرها فسيدفع الجميع ثمن الجريمة”.
هاجر أكثر من 15 ألف شخص، في أول تهجير طائفي تشهده اليمن في العصر الحديث، وبلؤم واضح من المجتمع الدولي الذي سكت عن التهجير المخيف في حين صاح لمقتل الكساسبة والإيزيديين، وحتى بشأن اضطهاد الكلاب والحيوانات في أدغال أفريقيا…
خرج أبناء دماج من بلدتهم، وتم اقتلاع مركز دار الحديث وذهب البعض بكل خفة للقول إن بقاء هذا المركز سبب في التوتر الطائفي وخروجهم أفضل لإخماد نار الطائفية، غير أن بقاء دماج كان يمثل التعايش المذهبي بين السنة والزيدية، واقتلاعه فتح نار الاقتتال على الجميع.
ورغم أن الحوثيين كانوا يجدون ألف ذريعة لاقتلاع مركز دماج إلاّ أنهم سجلوا بشكل مبكر بأنهم ليسوا جماعة محلية بقدر ما يحملون مشروع طائفي لا تنقصهم سوى العمائم السوداء، فحسب.
يقول “محمد عيضة شبيبة”، وهو أحد الدعاة ومن أبناء صعدة إن الشيخ مقبل الوادعي حثهم في أحدى اللقاءات في تسعينيات القرن الماضي أن يزوروا الشيخ مجد الدين المؤيدي، كرسي الزيدية ومرجعيتها، آنذاك، وهو ما يعبر عن التعايش، ولا يتعدى الصراع فيما بينهم أكثر من الردودات العلمية والملاسنة الخطابية ولا يصل حد الاقتتال.
جاء الحوثيون واقتلعوا هذا الواقع، وهو ليس تعبيرا عن حركتهم المسلحة ومشروع السيطرة فحسب، بل يعبر عن انحراف فكري عن مسار الزيدية، يقوم على تثوير الحواضن الزيدية ضد أصحاب المذهب نفسه، مع طابع الانشداد للثورة الخمينية حسب ما يطفح من ملازم مؤسس الجماعة حسين الحوثي.
جاءت مساعي الحوثيين لتهجير طلاب وأبناء مركز دماج في ظرف انشغال دول المنطقة بإخماد الثورات العربية، ومن بينها اليمن، وفي حين كانت هذه الدول تفكر على خارطة ضيقة، كانت إيران تستنهض ثقلها في المنطقة عبر مليشياتها وتحتوي الثورات العربية باسم “الصحوات الاسلامية”.
شهد العالم العربي والاسلامي تهجير أبناء دماج ونظر له أنه مجرد مركز يمكن أن ينتقل ويُمارس الحجوري وطلابه العلم في أي محافظة أخرى، غير أن الأمر كان بمثابة مقدمة لمشروع جديد في اليمن ضمن استراتيجية استنهاض الأقليات الشيعية في الشرق الأوسط.
هذه الاستراتيجية كشفت عنها تقارير عربية وغربية وهي السياسة الجديدة لأمريكا، إذ تؤمن أن ضرب السنة بالشيعة واستنهاض الشيعة، الأقلية، في الشرق الاوسط هو ضامن لتسيد أمريكا على العالم والحضارة الرأسمالية مقابل الحضارة الاسلامية.
دول الغرب، بما فيها أمريكا وأوروبا وروسيا، تؤمن أن السنة هم جموع الأمة الاسلامية التي تمثل 85% من المسلمين وانبعاثات الخطر الفكر والحضاري، عليها، هو من هذه الأمة التي يتداولون أحاديث نبوية عن حتمية “الخلافة الاسلامية” والتي تؤمن بها في نفس الوقت، أما الشيعة فهي الجماعة التي تؤمن بخرافات قائمة على “ولي الفقيه” ولا تتحرك إلاّ بعد خروج المهدي من السرداب، وهو ما يجعلهم يتجهون نحو فزر عدائي ضد السنة كحتميه ومصير.
ما يحدث من اتفاقيات مع إيران وإعلان أمريكا بقاء الأسد إلى 2017م هو تجسيد دولي لهذه الإرادة، والحوثيون حلقة ضمن حلقات هذا التوجه الغربي وإلاّ لما ظلت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يتعاملون بدلال مع جرائم الحوثيين وانقلابهم على سلطة يؤمن المجتمع الدولي بها.
الآن، وبعد مرور عامين من تهجير أبناء دماج وطلاب مركز دار الحديث وجدت دول المنطقة فداحة الانكفاء والسكوت عن “جريمة القرن في تاريخ اليمن”، الأمر الذي جعل السعودية بسياستها الجديدة تخرج عن النص الأمريكي لأول مرة لتفادي الخطر وتقول إننا ننفذ “عاصفة الحزم” في اليمن لضرب التمدد الايراني.
وجدت الرياض، حالياً، أن الحوثيين بعد تهجير أبناء دماج ما توقفوا عند أسوار العاصمة صنعاء وحربهم مع الإصلاح وضرب بعضهم البعض ثم تـُفضي الأمور لما كانت تخطط له، بل أصبح الأمر كما قال “محمد بن سلمان” في حواره الأخير مع مجلة “ذا اكنوميست”، امتلاك الحوثيين للطيران ونصب صواريخ بالستية على بعد 30 كيلو باتجاه المملكة.
المعركة في اليمن، حالياً، تعبر عن تطهير لخطيئة التغاضي عن ضرب أول مدماك ليس في بنية اليمن، عبر دماج، وإنما في بنية الجزيرة العربية، فحين كانت العرب تقول إن صدام حسين البوابة الشرقية للعرب، فدماج أول ثقب في البوابة الجنوبية لجزيرة العرب والجميع بات مسؤولاً عن ردمه.