الصنم السياسي.. والهوس العاطفي
نحن شعب مصاب بالهوس العاطفي للسياسيين والحكام، بينما هناك فتور عاطفي في داخل الاسر والعلاقات الاجتماعية.
هوس سلبي لا يرتبط بالحب والتسامح، ارتباطه الوثيق بالكُرة و فجور الخصومة .
انصار عفاش هم اكثر الناس إدراكا بقذارة اعماله و وساخة سياساته، ينصرونه نفاقا ومصلحة، ومعظمهم عنادا وكرها لمخالفيهم .
وكل القوى التي تدعي الحداثة من يساريين وعلمانيين وحتى راس ماليين، ناصروا الحوثي وهم على ادراك كامل انه وجه اخر للدين السياسي، ومن الصعوبة بمكان ان يكون حالة ثورية، تحقق تطلعاتهم وآمالهم بالدولة المحترمة .
ناصروه نكاية بخصومهم، و وجدوا فيه القادر على اجتثاث ذلك الخصم، على امل ان يكون اقل ضررا من خصومهم، يمكن التفاهم معه، او التخلص منه، و وقعوا في شر أعمالهم، وزجوا بالوطن والمواطن في كارثة لن يعفيهم التاريخ من لعناته .
وفي الجنوب هوسا للسياسيين بالتوارث، البيئة المثخنة بالصراعات والتناقضات، منذ 67 م، والكم الهائل من المتضررين من تلك الأحداث الأليمة، التي لم تعالج بعد، ولم تجد ايادي صالحه تصلح حال هذا الشرخ العميق و والتصدع المهول الذي أصاب اللحمة والبنية، الاجتماعية والسياسية والثقافية، بل وجد ايادي عبث وعنف لازالت تدمي الجراح، وتوسع الشروخ، وتزيد من حجم التصدعات، لازالت الامزجة تعيش هوس السياسيين المعبرين عن ذلك التصدع القائم، وايضا نكاية بالخصوم والأخر، وكلما هتف السياسي وهو يرفع البندقية، يجد من يصفق له، واقلام تمدحه، ومثقفين يصورنه المنقذ القادم لتصفية خصومهم، في استمرار غبي لسلسال الدم الذي لن ولم يتوقف بهذا النفس وذلك الهوس .
الهوس العاطفي اليوم في السياق السياسي لا يجوز في إطار علاقة بين حاكم ومحكوم، لأنها علاقة عقلانية أكثر مما هي عاطفية، تعاقدية تقوم على الاحترام المتبادل، منضبطة بعقد اجتماعي في توزيع عادل للحقوق والواجبات، من يخل بهذا العقد، يخل بالعلاقة، وتنتهي العلاقة بعجز وفشل السياسي في القيام بواجبه في خدمة الوطن والقضية، والحفاظ على الثوابت، وأهمها مؤسسات الدولة، أعمدة الدولة، المعنية بضبط إيقاع الحياة، والمنظومة السياسية والقانونية، والحفاظ على السيادة والإرادة الشعبية، يستهدفها من يسعى للخروج عن النظام والقانون، وغير قادر ان يفي باستحقاقات تلك العلاقة الطبيعية بين حاكم ومحكوم .
نحن لم نصل بعد الى امتلاك وعي نقدي ناضج عاطفيا وسياسيا، بحيث نتصرف بحيادية وعقلانية عندما نتصدى لاختيار الحاكم والمسؤول السياسي او رجل الدولة، من اخلال تقييم أدائه والحكم عليه .
لعدم امتلاك هذا الوعي الوطني والانساني، وبصيرة عقلانية، تتغلب علينا البصيرة العاطفية، وينظر معظم المتعاطفين للسياسي بحكم القرابة المناطقية والطائفية او حتى الايدلوجية، متغاضين على كل الأخطاء التي تقترف، بل يصل بعض التعاطف لحد نكرانها، في ظاهرة خطيرة تهدد المستقبل المنشود والتحول الموعود، او حتى الشعار المرفوع .
هذا التعاطف المناطقي والطائفي والايدلوجي والعقائدي والاثني، يشكل خطرا على المستقبل، ويرسم حالات التكتلات، وهي تكتلات لما قبل الدولة الوطنية .
الدولة الوطنية تبنى على تكتلات وطنية، على أفكار ورؤى يجتمع حولها الناس بكل اطيافهم ومناطقهم، والتي نراها اليوم على شكل أحزاب سياسية، فيها تتمخض تلك الأفكار, وتبنى العقول التي تحمل تلك الأفكار، لتكن قادرة على التنافس السلمي على السلطة من خلال الديمقراطية التي تكتسب أولا في إطار الحزب، ثم تنتقل الى الاطار العام في الخوض في منافسة على السلطة والتوزيع العادل للثروة .
اليوم هوس التعاطف، لا يبشر بدولة وطنية، بل دولة مناطقية او طائفية، تشع كراهية للأخر وعنصرية ، وازدراء من الانسان حسب عرقه أو طائفته ومنطقته، دول ترسخ التفرقة والعنصرية، وتستدعي لمعركة عبثية .
وهذا ما يحشد له في الشمال والجنوب، وما يروج له الاعلام، من شيطنة الآخر، الانقسام على أساس هذه الشيطنة، اعلامنا اليوم يفتي بإرهاب الآخر، ويدين الاخر جزافا، ويزور ويدلس و يذل ويهين ويكفر كما يحلو له وانصاره على الأرض يعطلون العدالة والقضاء والنيابة، حتى لا تظهر الحقائق ويكتشف من الإرهابي الحقيقي، ومن هو المجرم والفاسد، ومن هو البريء والنزيه، والحقيقة صادمة لكل مصاب بالهوس العاطفي، وعبادة الاصنام البشرية من سياسيين فاشلين وارهابيين ومدانين بالخيانة والعمالة وفق العقد الاجتماعي دستور البلد والدساتير الدول المحترمة ومواثيق الأمم .