تقاريرغير مصنف

حصرياً.. مختطف سابق في سجون الحوثيين يحكي تفاصيل 75 يوماً من التعذيب

لم يكن “نايف الثابتي” يدرك أن يوم فرحته بحصوله على درجة الماجستير بتقدير امتياز سيتحول إلى يوم حزن امتد لشهرين ونصف الشهر، إذ ما إن أكمل مناقشة رسالته حتى كان مسلحو الحوثي في انتظاره خارج القاعة، ليقضي “نايف” 75 يوماً في غياهب المعتقل لدى مسلحي الجماعة. يمن مونيتور/ خاص/ وحدة التحقيقات
لم يكن “نايف الثابتي” يدرك أن يوم فرحته بحصوله على درجة الماجستير بتقدير امتياز سيتحول إلى يوم حزن امتد لشهرين ونصف الشهر، إذ ما إن أكمل مناقشة رسالته حتى كان مسلحو الحوثي في انتظاره خارج القاعة، ليقضي “نايف” 75 يوماً في غياهب المعتقل لدى مسلحي الجماعة.
الثالث من سبتمبر/ أيلول الماضي كان موعد مناقشة درجة الماجستير في كلية التربية بجامعة صنعاء، كبرى الجامعات الحكومية في اليمن، وكان أيضاً اليوم الأول لـ”نايف” في قبضة الحوثيين.
صباحاً كان الشاب المأربي بصحبة اثنين من أساتذته خارج الكلية في انتظار حضور المشرف الخارجي، استوقفهم مسلحون بزي مدني وسألوهم إن كان أحدهم “نايف”، بادرهم نايف بسؤال أيضاً: من أنتم؟ فردوا نحن زملاء نايف. حينها يقول نايف أدركت أن أمراً يدبّر لي.
بطريقة أو بأخرى استطاع نايف الفكاك من المسلحين موهماً إياهم أنه أستاذ وأن الطالب لم يأتِ بعد.
بدأت المناقشة في حضور المسلحين، وحاول بعض الأساتذة الاعتراض على وجودهم، لكن نايف استمر في عرض رسالته حتى اتمّ النقاش.
مراسل “يمن مونيتور” التقى “نايف الثابتي”، أمس الخميس، واستمع إلى القصة كاملة، بدءاً من أول يوم اختطاف، وحتى مساء اليوم الذي فرّ نايف فيه من السجن.
 
مسلحون في قاعة النقاش
أصر المسلحون على حضور المناقشة، وجلس في المقدمة قائد المجموعة ويدعى “ع. ل. شرف” ويكنى (أبو هاشم)، وبقي الآخرون في آخر القاعة.
يقول نايف، خشيت أن تحصل مشاجرة وتلغى المناقشة، فأقنعت أساتذتي أن اواصل النقاش رغم أنني لم أعد أدرك ما أقول ولا ما يقوله لي المناقشون من ملاحظات.
في نهاية المناقشة وقف (أبو هاشم) ليلتقط صورة إلى جانبي، وخرجنا سوياً من القاعة.
 
 
مائدة لم تكتمل
خرجنا من الكلية، أساتذة وزملاء، واتجهنا صوب مطعم الخطيب بالقرب من منزل الرئيس عبدربه منصور هادي، وكان المسلحون يلاحقوننا بسيارة أوبل ودورية عسكرية وسيارة أخرى نوع “هايلوكس” وكلها حكومية تتبع المنطقة الرابعة مديرية معين.
أحضرنا الغداء، وحينما هممنا بالأكل، قدم نحو عشرة مسلحين إلينا، كانوا حوالي ثلاثين مسلحاً بعضه بالزي المدني وآخرون بزي عسكري، وأخذوني من بين زملائي، وعصبوا عينيّ بخرقة سوداء، وحملوني على إحدى السيارات.
 
الليلة الأولى بالزنزانة
وصلت إلى قسم الجديري في المنطقة الرابعة، وضعوني في زنزانة انفرادية لا تتسع لشخص واحد، وأغلقوا الباب والشباك الصغير، وأعطوني مشمعاً للتبرز، وقارورة ماء فارغة للبول، وتركوني على هذا الحال إلى منتص الليل، ثم دخل عليّ شخص يبدو أنه عمليات المنطقة اسمه “ع. د” ويكنى (أبو نعيم)، طلب مني حسابي في فيسبوك وكلمة السر فأعطيته إياها.
أخرجني أبو نعيم خارج الزنزانة ونادى يا غالي.. يقول “نايف” كنت أظن أنه أحد السجانين، فإذا هو كلب كبير، يبدو انه من كلاب الحراسة المدربة.
ربطني تماماً وكان يضع شيئاً ما في منكبيّ تجعل الكلب ينهش فيها فيما أبو نعيم يقول له “شوف هذا داعشي وارهابي وتكفيري”، لكن الكلب لم يصبني بأذى، ما يعني ربما أنها نوع من الترهيب للمختطف.
يضيف “نايف”، مكثت على هذا الحال أربعة أيام، بلا ماء ولا أكل، فيما استمر التعذيب والاهانة من لطم وضرب في المفاصل بحديدة.
 
التعذيب بالتعليق
في الليلة ذاتها، اصطحبني محقق آخر يدعى “أبو صالح”، اظنه مسؤول التعذيب، وكالعادة كنت معصوب العينين، نقلوني إلى عمارة يبدو لي مسافة المشي أنها ثلاثة طوابق، ربط أرجلي ويدي إلى حديدة طويلة ثم جاء بما يشبه السلسلة وشدّني بها إلى أعلى حتى صار راسي إلى أسفل؛ تركني حوالي نصف ساعة شعرت معها بالموت، لكنه عاد وأنزلني أرضاً.
كان “أبو صالح” يسألني وهو يليس قناعاً (لثام أسود)، وكان يعذبني من خلال اللطم والصرب بحديدة على مفاصل أرجلي، كما كان يضع في يدي مقص أظافر ذي 5 مخلب ويحاول نزع أظافري، آلمني ذلك كثيراً إضافة إلى أربع أيام بلا ماء ولا أكل؛ استمر على هذا الحال قرابة أربع ساعات.
يروي “نايف” بمرارة لمراسل “يمن مونيتور”، كيف كان يبكي حينما يغيب المحقق ليخفف عن آلامه. “أبكي حينما يخرج المحقق حتى لا يراني في موقف ضعف، وكان يخرج للاتصال بجهة ما، ويعود وفي جعبته أسئلة جديدة.
 
فئات المختطفين
يقول “نايف”، إن أغلب السجناء سياسيون وأكاديميون، وصحفيون وأئمة مساجد، وموظفو الجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني، وضباط من الفرقة الأولى مدرع (سابقاً)، وأصحاب محلات تجارية، ينقل بعضهم مباشرة إلى سجون مخفية تماماً، أغلبها عمارات سكنية خصصها الحوثيون للسجناء السياسيين وهناك يتعرضون لصنوف التعذيب، وربما يستخدمون كدروع بشرية.
كان هناك سجين وحيد اسمه “عادل المحمي”، وهو سجين قديم على ذمة قضية قتل أخيه، حوله الحوثيون إلى “شاويش” في قسم الجديري، مهمته التنصت على ما يقوله المختطَفون والاستماع إلى جلسات التحقيق، وكذا المساعدة في ربط الأعين.
ويضيف، “يدخل الحوثيون إلى السجن، ثم لما يروا أن العدد قليل (30 شخص فأقل) يقولون لبعضهم: “نروح نجيب زبائن”! يعني مختطفون جدد.
ويشير “نايف”، كانوا يهددونا بأنهم سينقلوننا إلى سجن “مطرة”، المعتقل الرئيسي للحوثيين في معقل الجماعة “صعدة”، وأحياناً إلى جبهات القتال، وثالثة سيحولوننا إلى دروع بشرية تحت قصف الطيران.
يتابع، “ضمن من رايتهم في قسم الجديري، الأستاذ “محمد قحطان”، القيادي الإصلاحي البارز، الذي نُقل بعد ذلك محمولاً على سرير لتردي حالته الصحية، وحُمل في اسعاف تابع لمستشفى الشرطة بصنعاء، بعدها لا نعلم أين ذهبوا به.
 
المرشد
كان يزورنا، يقول “نايف”، شخص اسمه “ب. ح”، ويسمونه المرشد، فيلقي محاضرات تثير لغطاً كبيراً، كان بعض المختطفين يعترض عليه حينما يسب لمعاوية مثلاً، فيقوم الحوثيون بتعذيب أي شخص يعترض على كلام المرشد، كان أغلبه حول الحسين والمسيرة القرآنية للحوثيين.
 
طرق التعذيب
تتعدد طرق التعذيب، لكن أشهرها هو استخدام الكهرباء والضرب على مفاصل الايدي والأرجل بحديدة، الرفع بالسلاسل ايضاً، إضافة إلى الإهانة من خلال اللطم في الوجه.
يستخدم الحوثيون كلب يدعى “غالي” قيل إنه من ضمن المنهوبات التي أخذها الحوثيون من منزل الرئيس “هادي”، هذه المعلومة سمعتها من السجانين لكنني لست متأكداً من صحتها. يقول “نايف”.
 
الظهور في “المسيرة” مقابل الافراج
يلجأ الحوثيون إلى ارغام بعض المختطفين إلى الظهور في قناة “المسيرة” المملوكة للجماعة مقابل إطلاق سراحه، شريطة أن يتم الحديث حول “أن المقاومة تغرر بالناس، وأن هناك دواعش وتكفيريين في البلاد”، ويتم إطلاق سراحه باحضار ضمانة تجارية بعدم مناوئة الحوثيين أ من يسمون أنفسهم “أنصار الله”.
 وليلة خطاب زعيم الحوثيين “عبدالملك الحوثي” الذي حرّض فيه على الأكاديميين والصحفيين والإعلاميين بأنهم أخطر من المقاتلين في الجبهات، أخرجونا إلى باحة مكان الاختطاف وجعلونا نستمع إلى الكلمة إلى آخرها، بعدها ألزمونا بترديد الصرخة، رفض البعض ذلك فعذبوهم طيلة تلك الليلة.
 
اغراءات
كانت أغلب اسئلتهم عن اللواء الركن “عبدالرب الشدادي”، قائد المنطقة العسكرية الثالثة بمارب، ووعدوني بإعطائي منزلاً في صنعاء وراتب شهري مقابل الادلاء بمعلومات حوله، لكنني رفضت.
تدور أغلب اسئلتهم حول قيادات المقاومة ومشايخ القبائل الموالين للشرعية، وينصب جلّها حول شباب 11 فبراير والشخصيات التي كان لها دور في ثورة 2011 التي أطاحت بنظام علي عبدالله صالح.
 
أمنيون بلباس حوثي
يعتقد “نايف” أن بعض المحققين ليسوا حوثيين، وإنما لهم علاقة بأجهزة الأمن التي كان يديرها الرئيس السابق “علي عبدالله صالح”، وعلى وجه الدقة الأمن القومي، من خلال نوعية أسئلتهم والمعلومات التي يمتلكونها عن الأشخاص المختطفين، أسماؤهم، والدته وزوجته وعدد أولاده ومؤهلاته.
 
المحققون وثورة شباب 2011
أكثر الأسئلة التي يبحث المحققون عن اجابات لها تدور حول العام 2011 وثورة الشباب، يسألون المختطف أين كان واي عمل قام به أثناء ثورة فبراير، وهو ما يعني، حسب “نايف”، أن المحققين لهم علاقة بـ”صالح”، لأن الحوثي كان في العام 2011 ضمن قوى الثورة، قبل أن ينقلب عليها فيما بعد، ويلقي برجالاتها في المعتقلات بعد سيطرته على العاصمة صنعاء.
 
ليلة الفرار من الاختطاف
قبيل مشاورات جنيف الأخيرة، نقل أغلب المختطفين من قسم الجديري، دفعت مبلغاً زهيداً للحارس وقال لي “لا أعرفك ولا تعرفني”، وخرجت مع صاحب سيارة “دينا” تنقل المختطفين من مكان لآخر، أما حراسة البوابة الرئيسية وهم الجنود الرسميون فلا يعرفون من يدخل ولا من يخرج، ويتولى الحوثيون إدارة السجن وتحويله إلى معتقل لكل مناوئي الجماعة.
هناك طريقتان لإطلاق سراح المختطف منها: دفع اتاوات للحوثيين أو الظهور في قناة “المسيرة”، ولا ثالث لهما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى